بوريطة يطالب «العفو الدولية» بتقديم أدلة أو الاعتذار ويتهمها بشطب أكثر من عقدين من مكتسبات حقوق الإنسان ووضع المغرب في خانة الدول التي ارتكبت فظائع ضد مواطنيها
تتدحرج كرة الثلج بين المغرب ومنظمة العفو الدولية (أمنستي)، دون أن تكبر حتى الآن، وكل منهما يؤكد على موقفه مما ورد في تقرير المنظمة عن استخدام السلطات المغربية لبرنامج إسرائيلي للتجسس على صحافيين وحقوقيين مغاربة في ظل انتقادات برلمانية حول تدبير الحكومة للملف ورد فعلها على تقرير المنظمة.
وإذا كان المغرب متمسكاً بتقديم منظمة العفو الدولية أدلة على اتهاماتها، فأنه يؤكد أنه لن يتخذ أي إجراء تصعيدي، ويقول مسؤولوه: «لن نغلق حدودنا ولن نغلق أبوابنا أمام المنظمات الدولية، فضلاً على أننا لن نضيّق عليها أو نغلق مكاتبها».
وقال وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، إن تهم التجسس الموجهة من قبل منظمة العفو الدولية للمغرب لا أساس لها من الصحة، وإن بلاده تتهم هذه المنظمة بـ»إخفاقها في التحلي بواجب الحياد والموضوعية» وأضاف: «بعيداً عن كونهم في دينامية للحوار، فقد قاموا بشن حملة إعلامية حقيقية بناء على اتهامات عارية عن الصحة، الأمر الذي ساهم في تضليل العديد من وسائل الإعلام والصحافيين» و«هذا أمر جسيم للغاية وغير صحيح على الإطلاق. نحن نرفض هذه الاتهامات جملة وتفصيلاً».
وأوضح في تصريحات صحافية: «لقد حاولت منظمة العفو الدولية الربط في وثيقتها بين المغرب ومجموعة (إن.إس.أو). لكن، لا وجود لأي دليل يقر ويثبت صلة من هذا القبيل. وحتى الآن، تمر الأسابيع دون تمكنهم من إثبات مزاعمهم عبر معطيات يمكن التحقق منها أو أدلة. فهم يدعون أن الدول فقط بوسعها اختراق الهواتف عن طريق استخدام الشبكات التي تتحكم فيها عبر فاعلي الاتصالات. لكن اليوم، فإن الأجهزة التي تمكن من محاكاة إشارة الشبكات واختراق الهواتف المحمولة تباع على الإنترنت» وقال: «هناك أيضاً النبرة المستعملة ضمن منشوراتهم وتغريداتهم. لا نعتقد أن «التشهير» هو أفضل طريقة لجعل الأمور تتقدم».
واتهم الوزير المغربي المنظمة الحقوقية الدولية أنها «تشطب بجرة قلم أزيد من عقدين من المكتسبات في مجال حقوق الإنسان، المعترف بها من قبل الجميع، وبناء المؤسسات وترسيخ الممارسات الفضلى، ليتم وضعنا في نفس فئة البلدان التي ارتكبت فظائع حقيقية ضد ساكنتها» وهذا استخفاف بـ»سلطات البلاد ومجتمعه المدني ومواطنيه».
وأوضح أن بلاده «لا تطلب سوى أدلة أو اعتذار» من قبل المنظمة «عند التفكير في الصميم، فإن أمنستي لا تضع مصالح المغرب ضمن اعتباراتها، ولا مصالح مواطنيه ومؤسساته».
الرميد: المنظمة تمارس أنشطتها بحرية
وقال مصطفى الرميد، وزير الدولة المغربي المكلف بحقوق الإنسان، الأربعاء في الرباط، في اجتماع لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان البرلمانية، إن «أمنستي» تحظى بوضع خاص في المغرب من خلال توفرها على مقر دائم منذ 1997 وتمارس أنشطتها بحرية فوق التراب الوطني، وتتفاعل السلطات المغربية مع كل طلباتها، إلا أنه في السنوات الأخيرة أضحت السلطات تلمس تغيراً سلبياً في مقاربتها لأوضاع وقضايا حقوق الإنسان في المغرب.
وأقر الوزير المغربي بأن «واقع حقوق الإنسان في المغرب ليس جنة فيحاء وليس جحيماً أسود، ومؤسساتنا الوطنية والدستورية والأمنية وغيرها ليست ملائكية الأداء لكنها ليست شيطانية الطبع والممارسة» إلا أن إصرار أمنستي، «على الادعاءات المجافية للحقيقة والمسيئة للوضع الحقوقي الوطني، لا تخدم حقوق الإنسان في شيء بقدر ما يؤدي للإساءة للوضع ويسيء لسمعة المنظمة، والموقف الصحيح هو إدلاء المنظمة للحجج المادية، أو نشرها للعالم أو التراجع عن الاتهامات الباطلة، تجسيداً للمصداقية والحيادية التي تعتبر شروطاً لازمة لأي ممارسة حقوقية نبيلة».
وقال إن «الذين يتحدثون عما يشيرون إليه من عزم إغلاق مكتب أمنستي في المغرب، إما أنه موقف يريد تحريض الدولة على هذا التوجه أو موقف يجهل النهج الانفتاحي الثابت للمغرب، ليس اليوم وإنما منذ سنوات طويلة وبلاده ستظل منفتحة بالحوار والتفاعل البناء مع كافة المنظمات الحقوقية غير الحكومية، بما فيها منظمة أمنستي التي تتوفر على فرع لها بالمغرب، الذي يرحب بأي مساهمات لهذه المنظمات المبنية على مقومات النقد الإيجابي». وملتزمة بنهج التعاون الإيجابي المشترك مع كافة المنظمات وكذا أمنستي، شريطة احترام القواعد الداخلية والتزام الضوابط الأساسية لعمل المنظمات المتعارف عليها والمتمثلة في الحياد والموضوعية» وما أصدرته المنظمة من بلاغات وتقارير منذ 2015 تضمن عدة ادعاءات تعكس تنكر المنظمة لنتائج الإصلاحات الهيكلية التي قام بها المغرب في تجاوز واضح لقواعد الحياد والموضوعية.
وأكد المصطفى الرميد أن خلاف المغرب مع منظمة العفو الدولية «أمنستي» وغيرها من المنظمات الحقوقية «خلاف حقيقي» والحكومة ثمنّت الأدوار الإيجابية للمنظمات الدولية من ضمنها الأدوار التي قامت بها أمنستي عبر التاريخ الممتد عبر عقود، وهذه المنظمات ومنها العفو الدولية واكبت التطور الحقوقي الوطني بكل إيجابية لكن ذلك، لا يمنعنا ولن يمنعنا من التعبير عن رفضنا المطلق واستنكارنا الواضح لمثل هذه الاتهامات الجزافية العشوائية، التي لا تستند لدليل ولا تعتمد على حجة». و»طَلَبُنا طلب مشروع وواضح، وهو هاتو برهانكم إن كنتم صادقين، ونقول للمنظمة إما أن تتفضلوا علينا بالدليل أو فضحنا عبر ندوة صحافية في أي مكان عبر العالم».
وأضاف أن «أمنستي» ترتكز في التقارير السنوية على معطيات مستقاة من مصدر واحد، مع التركيز على وضعية حقوق الإنسان بالأقاليم الجنوبية بناء على معطيات مستقاة من خصوم الوحدة الترابية وتقديم توصيات ذات طبيعة سياسية، في مقابل تغاضيها عن انتهاكات حقوق الإنسان بمخيمات تندوف أو تمر عليها مرور الكرام ومن بين خمس دول ذكرت في تقرير المنظمة الأخير، فإن المغرب هو البلد الوحيد الذي خصته بـ17 منبراً إعلامياً دولياً في 24 ساعة، وهو ما يبعث على القلق كثيراً ويطرح علامات الاستفهام.
حزب العدالة والتنمية
ورفض الرميد اتهام المغرب بشراء برنامج التجسس الإسرائيلي من شركة «NSOGroup» وقال رداً على تساؤلات صادرة عن النائبة البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية (الحزب الرئيسي في الحكومة) آمنة ماء العينين، تطلب من الحكومة توضيح موقفها من شراء هذا البرنامج من عدمه، قائلة: «اليوم السؤال الذي نوجهه في البرلمان المغربي هل الحكومة المغربية اشترت هذا البرنامج؟».
وأكد أن «الحكومة ترفض مثل هاته التساؤلات والاتهامات، لأن المملكة المغربية لا تقيم أي علاقات رسمية مع الكيان الصهيوني» وقال إن مداخلات بعض أعضاء اللجنة يشتم منها «روائح كريهة» رافضاً منطق تصفية الحسابات مع الدولة من بوابة حقوق الإنسان «أستغرب كيف يصبح الكيان الصهيوني ومؤسساته وادعاءاته محل حجج داخل هذه اللجنة، عشنا وشفنا، نحتج على صيحات تنسب للكيان الصهيوني ضد المملكة المغربية» وأضاف: «أستغرب أن تصبح الحكومة في شخص وزير الدولة محل مساءلة بناء على مزاعم جهات صهيونية، مع العلم أن الذين يحتجون بهذه المزاعم، وأيضاً استناداً إليها، (لو بحثوا) لوجدوا أن هذا البرنامج هناك من يقول إنه يباع في السوق السوداء».
وقالت آمنة ماء العنين النائبة البرلمانية عن حزب «العدالة والتنمية» في حضور الوزير «إن مواطناً مغربياً (عمر الراضي) اشتكى من ممارسة التجسس عليه وهذا حقه، وذلك انطلاقاً من خبرة أجرتها منظمة العفو الدولية على هاتفه، واتهمت من خلالها السلطات المغربية بممارسة التجسس على هذا الصحافي. وأكدت أنه ليس مطلوباً من البرلمان أن يردد رواية الحكومة أو مهاجمة منظمة دولية دون معطيات، بل مطلوب منه دعوة الحكومة وتبلغيها ما راج من معلومات ومعطيات وشكايات من مواطنين مغاربة لا ينبغي المس بحقوقهم سواء كانوا صحافيين أو معارضين أو مدافعين عن حقوق الإنسان، لأنه من المفروض في البرلمانيين أن يمثلوهم، باعتبارهم ممثلين للأمة، وبالمقابل على الحكومة تقديم إجاباتها كما يحدث في كل دول العالم.
واعتبرت أن الخطر الحقيقي الذي يستهدف المغرب هو صحافة التشهير خاصة أنها تملك حصانة معينة وتخلق هواجس حقيقية مرتبطة بقدرتها في الولوج إلى المعطيات الخاصة والشخصية للأفراد «اليوم تطورت آليات اضطهاد الصحافيين والمعارضين في العالم، ومن ضمن هذه الآليات صحافة التشهير، حيث أصبحت السيف الذي يسلط على كل من تسول له نفسه أن يملك استقلالية». من جهته، قال عمر عباسي، النائب البرلماني عن حزب الاستقلال (أعرق الأحزاب المغربية)، إن تقارير المنظمات الحقوقية الدولية ساهمت في تطوير وضعية حقوق الإنسان بالمغرب، فتقارير «أمنستي» هي التي عرت عن المعتقلات السرية في بداية التسعينيات، وبقاؤها كمؤسسة مزعجة للدول في مجال حقوق الإنسان أمر مهم. و«التقرير الأخير لمنظمة العفو الدولية لا يهم المغرب فقط، بل هناك نقاش عالمي حول التجسس السياسي، فإسبانيا القريبة منا انفجرت فيها فضيحة عندما قال رئيس برلمان كاتالونيا إنه يتعرض للتجسس السياسي من طرف سلطات بلاده».