سجن الصحافيين والمدونين يفاقم حالة الاحتقان في الجزائر
الحكم القضائي الجديد بسجن الصحافي علي جمال طوبال جاء ليزيد من مخاوف العاملين في قطاع الإعلام، خصوصا بعد تحذيرات وزارة الاتصال مؤخرا بمعاقبة وسائل الإعلام بـتهمة “ممارسة التضليل والتهويل” خلال الظرف الاستثنائي الذي تمر به البلاد.
تتواصل في الجزائر حملة توقيف وحبس الصحافيين والمدونين، مما فاقم من حالة الاحتقان بين قطاع عريض من الإعلام المستقل وبين الحكومة، إذ تحول التعاطف مع الحراك الشعبي أو الخوض في الوضع الوبائي، إلى تحدّ حقيقي للطرفين، ففيما تسعى السلطة للانفراد بالرواية الإعلامية، يشدد عاملون في القطاع على المساهمة المهنية حتى وإن لم تُرض الجهات الرسمية.
وأدان قضاء محافظة معسكر بغرب البلاد، الصحافي علي جمال طوبال، بعقوبة 15 شهرا سجنا نافذا، على خلفية المنشورات المتعاطفة مع الاحتجاجات السياسية للحراك الشعبي، التي نشرها في حسابه الخاص على فيسبوك، لينضم بذلك إلى عدد من الصحافيين والمدونين المتواجدين خلف القضبان لأسباب تتصل في الغالب بالوضع السياسي المضطرب في البلاد، أو الخوض في مسألة التسيير الحكومي لجائحة كورونا.
وأفاد محامي المتهم مصطفى بوشاكور، بأن “المدعي العام كان قد طالب بتشديد العقوبة غير أن المحكمة خفضتها، وأن الصحافي قام بالنشر والتعليق على صور تظهر عناصر من الشرطة يضايقون مناضلي الحراك، ليتابع بتهمة إهانة هيئة نظامية وبث منشورات تمس بالمصلحة الوطنية”.
وكانت الحكومة قد قامت بإدخال تعديلات جديدة على قانون العقوبات خلال الأشهر الماضية، تماشيا مع ما أسمته بـ”التكيف مع التطورات المسجلة في مجال الاتصالات”، بينما اعتبرتها دوائر حقوقية مسعى جديدا يستهدف “التشدد والتضييق على الحريات الفردية والإعلامية، خاصة بالنسبة إلى ناشطي الحراك الشعبي”.
وجاء الحكم القضائي الجديد في حق طوبال، ليزيد من مخاوف العاملين في القطاع، خاصة بعد التحذيرات التي أطلقتها وزارة الاتصال مؤخرا، من خلال التذكير بالعقوبات التي طالت ما وصفته بـ”ممارسة التضليل والتهويل” في الظرف الاستثنائي الذي تمر به البلاد، وجهرت باستهداف التحقيق الاستقصائي الذي أجرته صحيفة “ليبرتي” الناطقة بالفرنسية والمملوكة لرجل الأعمال يسعد ربراب، حول الوضع الصحي بالبلاد في ظل جائحة كورونا.
القضاء يصدر حكما على الصحافي علي جمال طوبال بالسجن 15 شهرا على خلفية منشورات متعاطفة مع الاحتجاجات
وذكر بيان وقعه عشرات الصحافيين العاملين في مختلف المؤسسات، خاصة الصحف الورقية والمواقع الإلكترونية، وقد اطلعت عليه “العرب”، بأن موقف الوزارة الوصية يعتبر “تقييما سلبيا وتهديدا بإغلاق الصحف والملاحقة القضائية للصحافيين، وتحذيرا جديدا لوسائل الإعلام في البلاد”.
وأعرب الموقعون، عن مخاوفهم من “إصدار وزارة الاتصال لتهديدات جديدة، تضاف إلى مواقف وقرارات سابقة أصدرتها وزارة الاتصال والحكومة إزاء السلطة الرابعة في الجزائر خلال الأشهر الأخيرة”، في إشارة إلى حكومة عبدالعزيز جراد التي نصبها تبون، عند انتخابه رئيسا للبلاد في ديسمبر الماضي.
ورغم التطمينات التي تقدمها السلطة في مقترحات الدستور الجديد، والمعروضة للإثراء والنقاش حول الحريات الإعلامية والسياسية، إلا أن ممارسات الحكومة تجاه القطاع في الآونة الأخيرة بات مصدر قلق الكثير من العاملين في الحقل الإعلامي المحلي، ولاسيما في ظل التوقيفات وأحكام السجن التي تعرض لها عدد من الصحافيين، على غرار خالد درارني وسعيد بودور وعبدالحي عبدالسميع وبلقاسم جير.
واستند بيان الوزارة الذي انتقد ما وصفه بـ”التضليل والتهويل” المنتهج من قبل بعض وسائل الإعلام، في ما يتصل بالوضع الصحي بالبلاد، إلى النصوص والتشريعات المعدلة والمكيفة خلال الأشهر الماضية، لمعالجة حالات “التضليل والأخبار المغلوطة والمساس بسلامة الأفراد والجماعات”.
وأعاد التذكير بنصوص العقوبات المترتبة عن الممارسات المذكورة، كما لم يتوان في الإشارة الصريحة للصحيفة المذكورة، وهو ما يوحي بالمناخ غير الطبيعي الذي يسود الفضاء الإعلامي بالبلاد، ويشير إلى اشتداد القبضة الحديدية بين الحكومة وقطاع من الصحافيين.
وذكر أن “كاتب افتتاحية الصحيفة، وحرصا منه على تحقيق نسبة مقروئية مهما كان الثمن، قد عمد إلى استخدام تعابير ومفاهيم مؤهلة لوصف فيلم رعب! على غرار كلمات: كارثة وفوضى ومجزرة، المستعملة للتهجم إلى حد التشهير بالتسيير الحكومي لتطور خطر الوباء”.
وتابع “بنشرها (الصحيفة) لأرقام وفيات دون نسبها إلى مصادر صحية موثوقة وذات مصداقية، فإنها تكون قد أخلّت جليا بقواعد أخلاقيات المهنة التي تفرض نشر أخبار مؤكدة معروفة المصدر، ومن ثمة تكون موثوقة والقيام انطلاقا من هذه الحقائق بالشرح والتوضيح، وبالتالي النقد بعيدا عن التهجم والقذف”.
وتحوّل التعاطي الصحافي مع الوضع الصحي الذي أفرزه وباء كورونا، إلى مصدر إزعاج حقيقي للسلطة التي لا تتوانى في فرض معالجتها إعلاميا وتحويلها إلى مصدر وحيد للرأي العام، ولجأت في العديد من الأحيان إلى توقيف مدونين وناشطين على شبكات التواصل الاجتماعي، على خلفية منشورات أو تسجيلات ناقدة تم بثها على صفحاتهم.
وكانت مغنية الملاهي: سهام اليابانية، آخر الملتحقين بلائحة الموقوفين، بعد قضية قضائية رفعت ضدها من قبل إدارة مستشفى وهران الحكومي، على خلفية تسجيل بثته في مواقع التواصل الاجتماعي زعمت فيه “إهمال وتدهور الخدمات الصحية في المستشفى”، وهو ما اعتبرته الإدارة قذفا في حق الكوادر الطبية والموظفين المجندين بقوة لمواجهة الوباء.
وجاء ذلك بالموازاة مع تسجيل آخر أوقف صاحبه في محافظة المسيلة (جنوبي العاصمة)، انتقد فيه الخدمات المقدمة في مستشفى مدينة سيدي عيسى، والوضع المتدهور الذي يعيشه المرضى المصابون بالوباء، وكان قبله الناشط والأكاديمي شرف الدين شكري، الذي لقي نفس المصير لأسباب مماثلة، قبل أن يطلق سراحه من طرف القضاء.