تصاعد صراع الأجنحة داخل أعرق أحزاب المعارضة في الجزائر
الاحتجاجات تكشف عمق التصدعات داخل الأحزاب
يستمر الغموض في مواقف أعرق الأحزاب المعارضة في الجزائر، بسبب تضارب مواقفه السياسية تجاه الوضع الراهن بالبلاد والسلطة على وجه التحديد، خاصة وأن التململ الداخلي لم يتوقف منذ رحيل مؤسسه التاريخي، وعجز القبضة الحديدية المطبقة في الداخل عن وقف النزيف البشري في صفوفه.
ووجه قياديون سابقون في حزب جبهة القوى الاشتراكية، رسالة قوية إلى الهيئة القيادية، من أجل التبني الصريح للقطيعة مع النظام، ودعم القوى السياسية التي تبنت خط الاحتجاجات السياسية التي باشرها الحراك الشعبي منذ أكثر من عام.
وشدد هؤلاء على ضرورة انخراط الحزب في مبادرة الانتقال الديمقراطي، في إشارة إلى الأحزاب الراديكالية، المطالبة بتحقيق المطالب الأساسية للحراك الشعبي، وهو ما يوحي إلى أن جزءا من الحرس القديم للحزب غير مقتنع بمنهاج القيادة الحالية الساعية لصناعة طريق ثالث يدعو للحوار مع السلطة، بغية الخروج من وطأة الأزمة التي تتخبط فيها البلاد.
ودعا التصريح الذي وقعه قياديون بارزون، على غرار أحمد جداعي، ويخلف بوعيش، نورالدين بركاين، نادية إحدادن، وكمال سماش، الهيئة القيادية الجديدة بزعامة كمال بلعسل، إلى الانخراط في تكتل البديل الديمقراطي المعارض للسلطة، والمكون من عدة أحزاب وجمعيات.
وقال هؤلاء “كما تعلمون انخرطت جبهة القوى الاشتراكية، منذ بداية الثورة الشعبية في مسعى القطيعة الجذرية مع النظام، ومن هذا المنطلق كان هو القاطرة التي قادت قوى البديل الديمقراطي لتوقيع اتفاقية تسمح لكل طرف بالحفاظ على استقلالية تنظيمه وقراره”.
ويبدو أن وضع الحزب في تكتل المعارضة بات محل تجاذب بين الأجنحة القوية في جبهة القوى الاشتراكية، ففيما يصر من يوصفون بـ “الصقور”، على البقاء في تكتل البديل الديمقراطي، وتبني خط أكثر عدائية للسلطة، لا يتوانى “الحمائم”، في الدعوة إلى الحفاظ على استقلالية وشخصية الحزب.
قياديون سابقون في جبهة القوى الاشتراكية طالبوا قيادة الحزب بتبني القطيعة مع النظام، ودعم قوى تبنت الاحتجاجات
وفقدت جبهة القوى الاشتراكية منذ رحيل مؤسسها وزعيمها التاريخي، المناضل حسين آيت أحمد، العام 2015، الكثير من الزخم والشعبية، خاصة في ظل تصاعد الخلافات الداخلية بين الأجنحة، وعدم الاستقرار المسجل في المراكز القيادية، فضلا عن النزيف الداخلي الناجم عن قرارات التأديب الإقصائية والاستقالات.
ويعد كريم طابو من أبرز الوجوه التي انسحبت من جبهة القوى الاشتراكية بعد التواري التدريجي للزعيم المؤسس آيت أحمد، عن الأنظار بداية من العام 2012 لأسباب صحية، مما سمح بصعود تيار جديد قام بإقصاء أو دفع العديد من المناضلين المخضرمين للانسحاب كما هو الشأن بالنسبة لأحمد جداعي.
وتوجه طابو من انسحابه من جبهة القوى الاشتراكية، إلى تأسيس حزب “الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي” العام 2012، والحامل للعديد من أفكار وتصورات للمدرسة التي تكون فيها، إلا أنه اصطدم بتماطل وزارة الداخلية التي ترفض الحزب لغاية الآن.
وتوعدت الهيئة القيادية الجديدة لمناضلي وأنصار الحزب، بإعادة بعث مبادرة “الإجماع الوطني” التي أطلقها الحزب منذ سنوات للخروج من المأزق السياسي الذي تتخبط فيه البلاد، وهو ما يعتبر تمهيدا للانسحاب من تكتل البديل الديمقراطي، الأمر الذي أثار حفيظة قيادات الحرس القديم.
وكان الحزب قد عقد مؤتمرا استثنائيا الأسبوع الماضي، بإحدى الصالات المغلقة بالعاصمة، مما أثار استفهامات الشارع الجزائري، حول الخلفيات الحقيقية للجهات الرسمية في وزارة الداخلية، التي سمحت إلى حد الآن بعقد ثلاثة مؤتمرات سياسية، رغم القوانين التي تحظر الأنشطة السياسية والثقافية والفنية بسبب وباء كورونا.
ولا يستبعد مراقبون، أن يكون السماح لجبهة القوى الاشتراكية بعقد مؤتمرها الاستثنائي في هذه الظروف الصحية الاستثنائية، قد يكون جزءا من صفقة سياسية تتضمن تقاربا بين السلطة والحزب، مقابل مراجعته لبعض مواقفه، كالانسحاب من تكتل البديل الديمقراطي، الذي يعد الناشط السياسي المفرج عنه مؤخرا كريم طابو، أبرز الفاعلين فيه وأحد خصوم السلطة البارزين.
وتطبق السلطة إجراءات مشددة ضد التكتل المذكور، فإلى جانب ما وصفه التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، بـ”حملة تحرش وزارة الداخلية”، تم منعه من عقد العديد من أنشطته السياسية، إلى جانب توقيف وسجن العديد من الناشطين المنتسبين للتيار الراديكالي في المعارضة.