إضراب مرشح رئاسي سابق عن الطعام يفتح ملف الحريات في الجزائر
حرية العمل السياسي في الجزائر لا تزال على المحك رغم تعهدات السلطة الجديدة بإصلاحات عميقة وإطلاقها سراح ناشطين بارزين على غرار كريم طابو وأميرة بوراوي، حيث دخل الجنرال المتقاعد والمرشح الرئاسي السابق علي غديري في إضراب عن الطعام في سجنه نافيا الاتهامات الموجهة إليه والتي تتعلق أبرزها بالمساس بمعنويات المؤسسة العسكرية.
دخل الجنرال المتقاعد والمرشح للانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في أبريل 2019، علي غديري، في إضراب عن الطعام في سجنه المدني، احتجاجا على ما وصفه بـ”الحجر السياسي”، في إشارة لاستمرار سجنه، وملاحقته بتهم يراها ظالمة وغير منطقية، ويصنفها ضمن تصفية الحسابات.
وجاء دخول المرشح الذي زعم قدرته على منافسة الرئيس السابق في انتخابات أبريل 2019، قبل أن تنفجر احتجاجات الحراك الشعبي وتغيّر المسار السياسي في البلاد، في ظل غموض يكتنف تعاطي السلطة الجديدة بقيادة الرئيس عبدالمجيد تبون، مع مخلفات المرحلة التي أدارتها قيادة الجيش خلال مهلة الفراغ المؤسساتي.
وقرر الجنرال المتقاعد الدخول في إضراب عن الطعام، بعدما استنفذ كل إجراءات إطلاق سراحه وتبرئته من التهم الموجهة إليه، إلى جانب تجاهل السلطات لنداءات الإفراج التي أطلقها من داخل السجن.
وذكر في الرسالة التي نقلها فريق الدفاع للرأي العام، بأنني “لا أريد استعطاف أي كان، إنما أريد أن يعرف الجميع الحقيقة قبل فوات الأوان”، ويقصد بها ما أسماه بـ”التدابير الخبيثة المراد منها المساس بسمعته وسمعة عائلته المناضلة”.
وأضاف متسائلا “كيف يمكنني المساس بمعنويات مؤسسة انتميت لها لمدة 42 سنة وينتمي إليها كل أبنائي وإخوتي ناهيك عن أفراد عائلتي الكبيرة”. وذلك في إشارة لتهمة “المساس بمعنويات الجيش” التي سجن بسببها خلال العام 2019.
ويعد غديري، من بين السياسيين الذين لا زالوا يقبعون في السجون، ووجهت لهم تهم مختلفة، لكنها تتمحور غالبا حول المساس بمعنويات الجيش وتهديد الوحدة والسلامة الوطنية، وهي تهم باتت مصدر جدل قضائي وحقوقي قياسا بما باتت تشكله من عائق أمام التعبير عن الأفكار السياسية.
ورغم قرار الإفراج والعفو الذي أصدره في وقت سابق الرئيس تبون، عن ناشطين سياسيين معارضين مثل كريم طابو وسمير بلعربي وأميرة بوراوي، والوعود التي ما فتئ يطلقها بشأن الإفراج قريبا عن ناشطين آخرين، فإن مسألة الحريات السياسية بالبلاد صارت محل تخوف من طرف فاعلين في المشهدين السياسي والإعلامي.
وفي هذا الشأن أصدر حزب الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي، أول بيان منذ خروج منسقه العام كريم طابو من السجن، عبّر فيه عن “تضامنه مع حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية ورئيسه محسن بلعباس”، على خلفية ما بات يوصف بحملة التضييقات التي تشنّها الإدارة على الحزب العلماني المعارض.
وذكر البيان بأن “التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، حزب سياسي معتمد منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، تلقى مراسلة من طرف وزارة الداخلية بمثابة أمر بالامتثال للقوانين الخاصة بالأحزاب السياسية، وتهديد باتخاذ إجراءات قسرية ضده”.
وكانت فصيلة الأبحاث والتحقيق لجهاز الأمن قد استدعت رئيس الحزب المذكور محسن بلعباس، للتحقيق معه، في قضية وصفتها بـ”الخاصة” وليست لها أي صلة بالنشاط السياسي، وتتصل بـ”وفاة مواطن مغربي دون وثائق كان يشتغل بناء في بيت المحقق معه”.
لكن الحزب تلقى بدوره قبل ذلك مراسلة من وزارة الداخلية، تذكره فيه بضرورة “الالتزام بقواعد الممارسة السياسية الشفافة، بعدما توصلت بمعطيات حول نشاطات وأفراد داخل المبنى المركزي للحزب بالعاصمة”. وذكر البيان الذي حمل توقيع كريم طابو، بأن “حزب الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي، كان ولا يزال ضحية لقرارات تعسفية”، في إشارة إلى عدم الترخيص له من طرف إدارة وزارة الداخلية، رغم مرور نحو ثماني سنوات منذ تأسيسه.
ويبدو أن السلطة التي استطاعت استقطاب قوى سياسية كانت تحسب على المعارضة إلى صفوفها بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة، على غرار حركة مجتمع السلم الإخوانية وجيل جديد العلماني، تبقى منزعجة من أحزاب وشخصيات مستقلة رغم تراجع حدة الاحتجاجات السياسية، غداة تعليقها بسبب وباء كورونا.
وكشف تعاطيها مع ملف الحريات السياسية والإعلامية في البلاد، بأنه لا يزال يكتنفه الغموض وحتى التضارب، ففيما تم الإفراج عن الجنرال المتقاعد حسين بن حديد، خلال الأسابيع الأخيرة وإيفاده للعلاج في فرنسا، وإعادة الاعتبار له من خلال حضوره اللافت في الاحتفالية الرسمية التي انتظمت في قيادة المؤسسة العسكرية، بمناسبة العيد الـ58 للاستقلال الوطني، يتم الإبقاء على الجنرال المتقاعد علي غديري في السجن، رغم تشابه التهم والمناخ السياسي الذي أوقفا فيه.