استفحال الأزمة المالية يتجسد في تقلص دخل الفرد الجزائري

الحكومة تحث الخطى لإطلاق خطة الإنعاش الاقتصادي، والخطة الجديدة ستبقي على سياسة الدعم في البلاد لتفادي انفجار اجتماعي أكبر.

اعتبر خبراء أن محاولات السلطات الجزائرية إنقاذ البلاد من ورطة تراجع عائداتها النفطية وما تبعه من انعكاسات على دخل المواطنين السنوي، الذي سجل تراجعا لأول مرة منذ 2008، ستزيد من تعقيد المهمة التي وصفت بـ”المستحيلة”، في ظل الظروف الراهنة بسبب جائحة كورونا

بدأت انعكاسات الأزمة المالية في الجزائر تتجلى بوضوح في مؤشرات عديدة بينها دخل الفرد، تنذر بصعوبات معقدة تنتظر الجبهتين الاقتصادية والاجتماعية.

وتتزايد ضبابية الخروج سريعا من المشكلة في ظل استمرار تعثر جهود البحث عن بدائل للريع النفطي، حيث فقد الفرد الجزائري قدرا من الدخل السنوي، في ظل تسارع تبخر مدخرات النقد الأجنبي.

وقدم الخبير الاقتصادي محمد حميدوش، مؤشرات مقلقة عن مصير الوضع العام في البلد النفطي العضو في منظمة أوبك، بسبب الإحصائيات السلبية، الأمر الذي سيضع السلطات المختصة أمام اختبارات صعبة في المدى القريب، في ظل غياب بدائل حقيقية لتوفير الحاجيات الضرورية للبلاد.

وذكر أن المؤشر الديموغرافي ما فتئ يتصاعد، حيث تشير أحدث البيانات أن عدد السكان بلغ في مطلع الشهر الجاري أكثر من 44 مليون نسمة، يقابله نمو في الناتج المحلي الإجمالي قدر في العام الماضي، بنحو 0.7 في المئة.

ومن المنتظر أن يواصل مستوى النمو الاقتصادي الانحدار حتى نهاية العام الجاري إلى أكثر من ناقص 5 في المئة، وهو اختلال سيؤدي حتما إلى هزات خطيرة على الاستقرار الداخلي.

وتوقع حميدوش في تدوينة له على  فيسبوك أن يصل عجز الميزانية إلى نحو 20 في المئة إلى الناتج المحلي الإجمالي مع نهاية العام الجاري.

ويُضاف إلى ذلك دين عام ينتظر أن يصل إلى أكثر من 60 في المئة بنهاية العام الجاري، قياسا بأكثر من 43 في المئة العام الماضي.

محمد حميدوش: المؤشر الديموغرافي يتصاعد ويقابله انحدار في النمو
محمد حميدوش: المؤشر الديموغرافي يتصاعد ويقابله انحدار في النمو

كما أشار إلى أن احتياطات النقد الأجنبي قد تصل إلى مستوى متدن يبلغ نحو 36 مليار دولار في نهاية هذا العام، أي ما يكفي لثمانية أشهر من الاستيراد فقط، بعدما كان في حدود 62 مليار دولار.

ويبدو أن كل تلك المؤشرات سوف تضع الجزائر أمام منعطف اقتصادي واجتماعي وحتى سياسي صعب ومعقد لا يمكن أن تعالجه الخطة التي أعلنت عنها الحكومة في وقت سابق هذا الأسبوع.

وبدأت تداعيات المؤشرات المذكورة تتجلى في فقدان الفرد الجزائري لقدر من الدخل الإجمالي السنوي، وفق الإحصائيات التي كشف عنها البنك الدولي مؤخرا، لتنزل بذلك الجزائر من درجة في الأعلى إلى الأسفل، ضمن خانة الدول ذات الأجور المتوسطة.

وصنف البنك الدولي، الجزائر إلى جانب كل من السودان وسيريلانكا، في الشريحة الأدنى من لائحة البلدان المتوسطة الدخل، بعدما كانت في العام الماضي ضمن الشريحة العليا، وقدر متوسط التقلص بحوالي 90 دولارا للفرد الواحد.

ووفق الدراسة التي أعدها الخبيران عمر سراج الدين وندى حمادة، بعنوان “تصنيفات البنك الدولي الجديدة للبلدان حسب مستوى الدخل: 2020 – 2021”، فإن الدخل الإجمالي تراجع إلى مستوى مقلق.

وأشار الخبيران إلى أن نصيب دخل المواطن الجزائري تراجع مع بداية الشهر الجاري ليصل إلى 3970 دولارا قياسا بنحو 4060 دولارا بمقارنة سنوية.

والتقدير الخاص بالبنك الدولي يتم على أساس مراجعة التصنيفات المعتمدة من قبل هيئة بروتون وودز في حساب ترتيب الدول حسب مستويات الدخل.

وبناء على التصنيف فإن البنك يقسم العالم إلى 4 مجموعات هي البلدان منخفضة الدخل، الشريحة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل، والشريحة العليا من البلدان متوسطة الدخل، والبلدان مرتفعة الدخل.

ولفتت الدراسة إلى أن تحرك المعطيات المعتمدة في التصنيف، دحرجت الجزائر إلى تصنيف جديد أقل من التصنيف السابق في حساب الدخل.

وهذا التصنيف الجديد برسم عام 2019 لا يأخذ بعين الاعتبار آثار جائحة كورونا، مما يرشح العديد من الدول في أن تعرف تغيرا خلال تقييم السنة المقبلة.

ويعد تراجع الجزائر في التصنيف الأول منذ 2008، حيث ظلت البلاد منذ تلك الفترة وإلى غاية العام 2018 ضمن الشريحة العليا من البلدان متوسطة الدخل، بعدما كانت في الشريحة الأدنى بين سنوات 2004 و2007.

وتعتمد الهيئات المتخصصة في إعداد تصنيفات نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، بعد قسمة الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية على عدد السكان ويؤخذ بهما لقياس التنمية الاقتصادية لدول العالم.

وتكمن أهمية مؤشر نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بأنه أحد مؤشرات قياس مستوى الرفاه الاجتماعي لمواطني الدولة، فدخل الفرد السنوي يستخدم عادة للمقارنة بين بلد وآخر حيث إن ارتفاعه يشير إلى أن الاقتصاد يتجه للنّمو والعكس في حالة التراجع.

عجز الميزانية يصل إلى نحو 20 في المئة
عجز الميزانية يصل إلى نحو 20 في المئة

وأمام هذه المؤشرات السلبية، تتوجه الحكومة إلى رسم سياسة اقتصادية للإفلات من التداعيات المحدقة بالبلاد، حيث عكف الرئيس عبدالمجيد تبون، على الالتقاء بطاقمه الوزاري الثلاثاء الماضي، من أجل بلورة مخطط للإنعاش الاقتصادي، قبل إحالته على مجلس الوزراء.

وبدأت معالم المخطط تتجسد في بعض الآليات كالزراعة الصحراوية، التي يراهن عليها لتحقيق الأمن الغذائي، وإطلاق مؤسسة الديوان الصحراوي للحبوب الاستراتيجية.

وأجبر تسارع انخفاض عائدات النفط والغاز خلال فترة الإغلاق بسبب أزمة الوباء، السلطات على السير في طريق خفض الإنفاق العام وتأجيل مشاريع استثمارية مزمعة في قطاعات بما في ذلك قطاع الطاقة.

وقال تبون إن “بناء اقتصاد حقيقي جديد يستلزم تغيير الذهنيات وإطلاق المبادرات وتحريرها من القيود البيروقراطية، ومراجعة النصوص القانونية الحالية أو تكييفها بروح واقعية تنطلق من المنطق الاقتصادي بدل الممارسات الآنية”.

وأكد أن ذلك الأمر “سيمكن من استعمال الذكاء الوطني، وعدم التمييز في خلق الثروة وتوفير فرص العمل بين القطاعين العام والخاص”.

واللافت أن الخطة الجديدة ستبقي على سياسة الدعم في البلاد دون تغيير لتفادي انفجار اجتماعي أكبر مع استمرار الحراك الشعبي رغم أزمة كورونا.

وتدعم الحكومة كل شيء تقريبا من المواد الغذائية الأساسية إلى الإسكان والأدوية والوقود، لكن مع تقلص مواردها قد تجد نفسها في ورطة محتملة على المدى البعيد.

وتواجه العديد من القطاعات الكثير من التحديات، كما أن الحديث عن كون السياحة تعافت خلال السنوات الأخيرة وأن هناك خططا لتطويرها لا يعكس جدية السلطات في التعامل مع الأزمة الاقتصادية بالشكل المطلوب.

ولذلك تتزايد الشكوك في فرص نجاح محاولات السلطات لتحفيز النمو الاقتصادي بعيدا عن عوائد صادرات النفط، في ظل استمرار ارتباكها في حل المشاكل المزمنة.

وتوقع خبراء أن تتعدى مداخيل الخزينة الجزائرية من العملة الصعبة الـ30 مليار دولار، في ظل تهاوي أسعار النفط في الأسواق العالمية، لاسيما وأنه يشكل مصدر الدخل الوحيد للبلاد.

وكانت السلطة الجزائرية قد راجعت المنظومة التشريعية للمحروقات والاستثمارات، بوضع حوافز جديدة للرأس المال الأجنبي، إلا أن عدم الاستقرار السياسي في البلاد أطال من عمر الترقب، قبل أن تدخل تداعيات جائحة كورونا على الخط وتهوي بكل التوقعات والآمال في النهوض بالاقتصاد المحلي.

وشكل استمرار الاحتجاجات الشعبية المطالبة بإنهاء أيّ وجود للنظام السابق، إضافة إلى أزمتي النفط ووباء كورونا المستجد، أبرز التحديات التي واجهت الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون خلال المئة يوم الأولى منذ توليه سدة الحكم.

وخلطت هذه الأزمات، وخاصة وباء كورونا، أوراق ساكن القصر الرئاسي الجديد لتجبره على إعادة ترتيب أجندته السياسية بما يتناسب مع الوقائع الجديدة.

 

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: