المرأة الجزائرية الماكثة في البيت: بضاعة انتخابية

المرأة الجزائرية الماكثة في البيت تبقى رهينة الخطابات السياسية الجوفاء، فمنذ العقد الأول من الألفية الجديدة وهي في انتظار خطوات جادة وملموسة للاهتمام بها والتكفل بانشغالاتها.

على الرغم من وقوف المرأة الجزائرية إلى جانب الرجل بساحات المظاهرات وقيادة الحراك السياسي وإظهارها قدرة على صياغة المطالب الشعبية، فإنها تظل عاجزة عن نيل أبسط حقوقها، حيث لا تزال النساء الماكثات ببيوتهن يناضلن من أجل معالجة المنحة المخصصة لهن وتحويل الوعود السياسية بشأنها إلى واقع ملموس حتى لا تظل حبرا على ورق.

تعاقبت السلطات والحكومات في الجزائر، وبقي وضع المرأة الماكثة بالبيت على حاله، فالوعود التي أطلقها هؤلاء لم تتعد حدود الخطابات الانتخابية الزائفة، فرغم الإجماع على الاعتراف بمهامها ودورها في المجتمع، وتخفيف الضغط على الحكومات في مجال التشغيل، إلا أنها تبقى من آخر اهتمامات السياسات الاجتماعية المنتهجة، خاصة في ما تعلق بالمنحة التي حولتها إلى بضاعة انتخابية تُسوق في الاستحقاقات المختلفة.

وتفاجأ كمال كرفاح، الذي شغل منصبا حكوميا حديثا، حين ذهب للاستفسار عن منحة المرأة الماكثة في البيت، حيث أبلغ أنها تقدر بأقل من نصف دولار، ما لم ترزق بأولاد، وأنها تصبح بمعدل سبعة دولارات مع ميلاد الطفل الأول، وهي صورة تعكس حجم الإهمال الذي تتعرض له هذه الفئة من المجتمع، وكم الضغوطات التي تمارس على المرأة حتى تخرج للبحث عن عمل في ظل تضاعف متطلبات الأسر.

ورغم مساهمة المرأة الماكثة في البيت في تخفيف العبء عن كاهل الحكومات في مجال توفير فرص الشغل للأشخاص، واكتفائها بالمهام المنزلية وتربية الأبناء ومساعدتهم في مسارهم الدراسي، إلا أنها تبقى عرضة للإهمال من طرف السياسات الاجتماعية، قياسا بالمنحة الرمزية التي لا تلبي لها أدنى حاجاتها الخصوصية

لم تحظ الفئة المذكورة بالاهتمام والتكفل المنشود، من أجل تشجيع المرأة على البقاء في البيت، قياسا برغبة الكثيرات في ذلك، واضطرارهن إلى العمل خارج البيت بسبب الحاجة إلى مدخول إضافي للتكفل بنفقات الأسرة، وأنهن يفضلن المكوث لو تم تشجيعهن بمنحة محترمة من طرف الحكومة.

وعلى مر عقود متعاقبة ظلت المنحة المذكورة حبيسة الخطابات السياسية خلال المواعيد الانتخابية، ولم يتحقق أي شيء في هذا المجال، وآخر تلك الوعود التعهد الذي أطلقه الرئيس عبدالمجيد تبون، خلال حملته الانتخابية وخلال الاحتفالية التي انتظمت بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، حيث شدد أمام الرأي العام على ضرورة إقرار منحة محترمة للمرأة الماكثة كاعتراف من السلطة بدور وخدمة هذه الفئة للمجتمع.

وذهب حينها رئيس البلاد إلى ضرورة تخصيص “قروض مصغرة” للمرأة الماكثة في البيت، لأن “الواجب يقتضي مساعدتها على التحول إلى عنصر فاعل ومنتج في المجتمع”.

وذكر آنذاك بأن “تنظيم الاحتفال بعيد المرأة هذه السنة تحت شعار ‘المرأة الجزائرية.. عمل وإبداع’، جاء للإشادة بمساهمتها المبدعة في بناء الدولة الجزائرية الجديدة، والحفاظ عليها وتفوقها عبر كل الحقب التاريخية التي عرفتها”. وأضاف “لا يفوتني أن أقف معكن اليوم، وقفة تقدير للشجاعة ومستوى الوعي السياسي اللذين تحلت بهما المرأة الجزائرية في الهبة الوطنية التاريخية السلمية، ووقوفها جنبا إلى جنب مع أخيها الرجل”.

ولفت إلى أن التعهدات التي التزم بها في برنامجه الانتخابي، “تستهدف تحقيق تغيير شامل لبناء جمهورية ديمقراطية جديدة ومزدهرة، تكون فيها لجميع المواطنات والمواطنين مكانتهم المستحقة في كنف التضامن وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية”.

إلا أن المرأة الماكثة في البيت لا تزال تنتظر تجسيد وعود رئيس البلاد، وهي التي تعودت على الانتظار طيلة العقود الماضية، حيث لا تزال تعتبر نفسها بضاعة انتخابية تتم مغازلتها في المواعيد الانتخابية لا غير، بينما تفتك مختلف الفئات الاجتماعية الأخرى مطالبها وانشغالاتها تباعا.

وحظيت المرأة الجزائرية بنصيب وفير من الوعود التي أطلقها مرشحو الانتخابات الرئاسية الأخيرة، فجميعهم ركزوا في حملاتهم الدعائية على سبل وآليات كسب صوتها، واسترسلوا في الحديث عن تلبية مطالبها، لاسيما تلك المتصلة بالمرأة الماكثة في البيت، التي أجمع هؤلاء على ضرورة توفير منحة اجتماعية محترمة لها.

وفيما تعهد عزالدين ميهوبي بـ”سن قوانين صارمة للتصدي لكل أشكال العنف ضد المرأة الجزائرية في حال انتخابه رئيسا للبلاد، إضافة إلى رفعه منحة المرأة الماكثة في البيت بضعفين”، وعبر علي بن فليس عن التزامه بـ”تخصيص منحة للمرأة الماكثة في البيت مقابل جهودها في تربية الأسرة، ومنحها قروضا وتشجيعها على إنشاء نشاطات اقتصادية وتجارية مصغرة”، فإن الفئة المذكورة والرأي العام عموما لا يزال يتذكر أن الرجلين كانا في حكومات مختلفة ولم يبديا حينها أي اهتمام  بوضعية المرأة ولا بفئة الماكثات في البيوت، وهو نفس الشيء بالنسبة لمرشحين آخرين واحد كان أيضا في إحدى الحكومات، والآخر على رأس أحد أكبر التنظيمات الطلابية والشبابية (الاتحاد الوطني للطلبة الجزائرييين، والاتحاد الوطني للشبيبة الجزائرية).

فعبدالقادر بن قرينة، مارس خطاب الإخوان المتلون والمعسول، لما غازل المرأة الجزائرية بمزايا اجتماعية، تثمينا لدورها في “الثورة التحريرية، والمضحية خلال العشرية السوداء”، لكنه تغافل عن تحميل مسؤولية العشرية الدموية التي أزهقت النساء ورملتهن وأفقدتهن أقاربهن إلى الخطاب الإسلاموي الذي أرعب النساء في مناصب عملهن وحتى في بيوتهن.

وبذلك تبقى المرأة الجزائرية الماكثة في البيت رهينة الخطابات السياسية الجوفاء، فرسائل الغزل ما تلبث أن تتبخر سريعا كما يتبخر مفعول العطر الذي تستعمله، فمنذ العقد الأول من الألفية الجديدة وهي في انتظار خطوات جادة وملموسة للاهتمام بها والتكفل بانشغالاتها، وحتى الوعود التي أطلقها الرئيس الحالي لا تزال حبرا على ورق.

فقد تعهد تبون بـ”تحسين وضعية المرأة بصفة عامة والماكثة بالبيت بصفة خاصة، لتمكينها من تحقيق الرفاهية لنفسها ولعائلتها، إن كانت سيدة أو آنسة، وذلك بفتح بنك لاستثمارات المرأة”.

وذكر في أحد خطاباته في مدينة ورقلة الجنوبية، “لقد قررت فتح بنك للمرأة الماكثة بالبيت ليكون لهذه الفئة من النساء حظ في التنمية ولتمكينها من العمل من بيتها، في مشاريع صغيرة تحقق لها الاكتفاء والرفاهية، وتسهل عليها مساعدة زوجها إن كانت ربة بيت، أو نفسها في حال ما كانت غير المتزوجة”.

ويذكر مهتمون بالشأن الاجتماعي في الجزائر بأن الكثير من النساء الماكثات في البيوت يجهلن قدر المنحة المخصصة لهن في رواتب أزواجهن، وأن اعتقاد هؤلاء بأن “الأزواج يستولون على منحهن هو اعتقاد خاطئ، لأنها منحة رمزية منها ما يعود إلى تشريعات الاستقلال، لما قدرت منحة المرأة الماكثة دون أطفال بأقل من دولار، وبأطفال حوالي ثمانية دولارات”.

وتطالب العديد من السيدات المتزوجات والماكثات في البيت أزواجهن بتخصيص مبلغ مالي لهن كمصروف شهري معتبرات أن ذلك حق من حقوقهن لكون الدولة تصرف لهن منحة تدخل ضمن راتب الزوج، غير أنهن يجهلن أن المبلغ الحقيقي لهذه المنحة التي تكون في الغالب سببا في نشوب حرب بين الزوج والزوجة هو إهانة حقيقية لها.

البحث عن الكرامة الضائعة

وعود زائفة للتغطية على منحة مهينة ورثتها النساء عن التشريع الاستعماري الفرنسي
وعود زائفة للتغطية على منحة مهينة ورثتها النساء عن التشريع الاستعماري الفرنسي

ويدرج نقابيون وناشطون اجتماعيون “منحة المرأة الماكثة في البيت في خانة الإهانة لكرامة الفئة المذكورة”، ومع ذلك لم يتم أخذ الانشغال بها بشكل جاد من طرف النقابات أو الجمعيات المختصة، رغم ما تجسده الوضعية من هضم صريح لحقوق المرأة التي يتغنى بها السياسيون والرسميون في الأحزاب والسلطة والتنظيمات المدنية.

وتصف سامية لعنابي، رئيسة الاتحادية الوطنية للمرأة الموظفة، في النقابة المستقلة لمستخدمي الإدارة، المنحة المذكورة بـ”الإهانة الحقيقية للمرأة الماكثة في البيت والمرأة الجزائرية بصفة عامة، خاصة وأن هذه المنحة هي إرث استعماري”.

ولفتت لعنابي إلى أن “النقابة بصدد عمل مشروع تعتزم تقديمه لوزارة العمل حول الاختلالات الموجودة في قانون العمل، وستتم إثارة مسألة منحة الزوجة الماكثة في البيت والتي تصب مباشرة في مرتب الزوج، وأن المشروع يتضمن مطلبا برفعها إلى نحو 40 دولارا كحد أدنى، ورفع التمييز بين المرأة الماكثة في البيت ولديها أطفال، وبين التي لم تنجب بعد”.

وذهبت بعض الأصوات إلى ضرورة “الفصل بين منحة المرأة الماكثة في البيت، وبين راتب الزوج، بوضعها مباشرة في حسابها الخاص”، ومع ذلك يبقى المقترح تمييزيا في حد ذاته، كونه يتبنى منحة المرأة التي يحوز زوجها على وظيفة، بينما يتجاهل المرأة التي زوجها عاطل عن العمل أو ليس في وظيفة حكومية، فضلا عن تغييب المرأة الماكثة غير المتزوجة.

وأشارت نادية دريدي، رئيسة جمعية حماية الشباب والمرأة، إلى أن “المنحة التي تقدمها الدولة للزوجة الماكثة في البيت والتي ليس لها مدخول تمثل إهانة لكرامتها، فحجمها الرمزي لا يغطي جميع احتياجاتها وبات من الواجب رفعها لعدة أضعاف، خاصة وأن جميع الفئات افتكت مطالبها ولو بشكل نسبي”.

وكانت مجالات مساهمة المرأة الجزائرية الماكثة بالبيت في تحقيق التنمية الاقتصادية محور دراسة اجتماعية ميدانية لمؤسسة اقتصادية، شملت عينة من الماكثات في البيت بالعاصمة، حاولت تقديم فهم مناخ المرأة الماكثة في البيت، باعتبارها فاعلة ومدمجة في المنظومة الاقتصادية والاقتصاد الوطني وتحقيق التنمية الوطنية في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة.

فضلا عن الإجابة على إشكالية كيفية مساهمة المرأة الجزائرية الماكثة بالبيت في تفعيل عجلة التنمية وتحقيق الهدف الاقتصادي، من خلال التخطيط الأمثل لموارد الأسرة، خاصة وأن المرأة الجزائرية تعتبر جزءا من النظام الاقتصادي، ولا بد من أن ينظر إليها من منطلق العلاقة التي تبنيها، أثناء تخطيطها لموارد أسرتها من أجل تحقيق الاكتفاء الغذائي وحرصها على التوفير وتحقيق التنمية الاقتصادية، كون ما نسبته 80 في المئة من قرارات شراء السلع الاستهلاكية تتخذه المرأة، كما أن النمو الاقتصادي تحركه المرأة.

وعمدت الدراسة إلى إجراء مسح ميداني على عينة من الماكثات في البيت، باعتبار أن المرأة الجزائرية بفضل تطور تكنولوجيا الإعلام والاتصال، أصبحت أكثر وعيا بالوضع الاقتصادي الراهن مما جعلها فاعلة في العلاقات الاقتصادية ومنتجة ومشاركة في العملية التنموية، كونها مدركة لدورها الأساسي في النشاط الاقتصادي والنمو والرفاهية، وباعتبارها حارس بوابة لمنزلها، قد ساهم في جعلها مؤشرا لانطلاق ثورة اقتصادية ناجحة بامتياز، نظرا لاتباعها السلوك الاقتصادي الرشيد في الاستهلاك والادخار، والاستثمار والمشاركة الاقتصادية الفعالة.

وبقيت المرأة المذكورة في نظر الدراسة مجرد أرقام ومؤشرات اقتصادية واستهلاكية، فهي محرك للدورة الإنتاجية والاستهلاكية، حيث يراهن على دورها في التحريض والتدبير في شؤون البيت لتحقيق رغباتها خدمة للسوق، وليس لكرامتها الضائعة.

ورغم خطاب ترقية المنتوج المنزلي وتثمين دور المرأة الماكثة في البيت، فإن تقريرا للوكالة الرسمية أفاد بأن “المرأة لا تزال تبحث عن فضاءات تجارية لعرض مختلف منتجاتها بهدف المحافظة على استقلاليتها المالية، وضمان مردودية مفيدة للمجتمع”.

تعطيل الطاقة الكامنة

المرأة الماكثة في البيت لا تزال تنتظر تجسيد وعود رئيس البلاد
المرأة الماكثة في البيت لا تزال تنتظر تجسيد وعود رئيس البلاد

ونقل عن عدد من النسوة على هامش معرض المنتوج المنزلي المنتظم في العاصمة، إجماعهن على أن المرأة الماكثة بالبيت هي “طاقة إنتاجية كامنة لم تحظ إلى حد الآن بالمكانة التي تستحقها في سوق الشغل”، وعلى “حاجتهن إلى فضاءات تجارية لائقة بغرض تسويق أعمالهن الحرفية واليدوية، حفاظا على استقلاليتهن المالية ومردودية مفيدة للمجتمع”.

ولا تزال هؤلاء النسوة يبحثن عن “فرص تسويقية ناجعة وضامنة لاستقلالية مالية دائمة، لاسيما وأنهن ربات أسر تختلف حالاتهن الاجتماعية من واحدة إلى أخرى، ففيهن المطلقة والأرملة والأمهات لأبناء معاقين، وأخريات مررن بتجارب حياتية عسيرة”.

وقالت نورية عجال، رئيسة مصلحة العائلة والتلاحم الاجتماعي بمديرية النشاط الاجتماعي والأسرة لولاية الجزائر، إن “الهدف من هذه المعارض هو إقحام المرأة في شبكة علاقات مهنية تسمح لها بتأسيس منهجية عمل فاعلة”، في إشارة إلى آليات التسويق واستعمال وسائل الاتصال الحديثة، كالإنترنت والبطاقات الترويجية والتعليب.

وتعترف عجال بأنه في ظل “غياب بطاقة ولائية تحدد ملامح هذا النشاط المتنامي للنساء في بيوتهن، تبقى شبكة العلاقات الشخصية والنشاط الجمعوي المنفذ الوحيد لهذه النسوة لتفعيل عملهن الحرفي واليدوي، علما أن جلهن غير مسجلات في الغرفة الولائية للصناعات التقليدية، ولا ينتمين إلى الصناديق الاجتماعية”.

وإذا كان هذا هو شأن المرأة الماكثة في البيت بالعاصمة، فإن الأمر سيكون أكثر تأزما في المناطق الداخلية للبلاد، مقارنة بالإمكانيات المتفاوتة، وهيمنة التقاليد الاجتماعية، حيث لا يمكن للمرأة هناك ولوج عالم المعارض والتسويق والحديث مع الزبائن، وتكتفي في غالب الأحيان بالحرف التي تلبي حاجيات أفراد البيت والأقارب كنسج بعض الألبسة التقليدية وصناعة أوان فخارية أو طينية، أو تربية رؤوس مواش ودواجن، وحتى جني بعض المحاصيل الزراعية لفائدة البيت، أو لأفراد الأسرة.

 

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: