خيار تهدئة السلطة الجزائرية مع الحراك على المحك
استمرار الاعتقالات بحق المنتفضين في الجزائر مقابل إطلاق سراح نشطاء معارضين بارزين.
بدأت الشكوك تحوم حول مصداقية تعهد السلطة الجزائرية بالتهدئة مع الحراك المستمر منذ أكثر من عام وذلك بعد الأحكام القضائية الأخيرة في حق الناشطين السياسيين، حيث تطلق سراح البعض وتعتقل البعض الآخر وهو ما قد يعمق الفجوة بين الطرفين.
تشير القرارات القضائية الأخيرة في الجزائر إلى تضارب في خيار التهدئة الذي تسعى السلطات إلى توخيه مع الحراك الذي أطاح برئاسة عبدالعزيز بوتفليقة.
ففيما أُطلق سراح عدد من المساجين السياسيين، يجري اعتقال ومحاكمة نشطاء آخرين لأسباب مختلفة، وإن تم تخفيف نسبي للإجراءات المتبعة إلا أن الضغط لا يزال متواصلا، مما يثير الغموض حول مستقبل المشهد السياسي في البلاد.
وأطلق قضاء بسكرة (جنوب)، سراح الناشط شرف الدين شكري، بعد توقيفه على خلفية الانتقادات التي وجهها للسلطات المحلية حول تعاطيها مع إصابات وباء كورونا في المحافظة التي تعرف في الآونة الأخيرة انتشارا ملحوظا لكوفيد – 19.
وكان شكري قد وجه انتقادات للسلطات الصحية المحلية، في تسجيل صوتي على شبكات التواصل الاجتماعي بسبب ما أسماه بـ”الفشل والإهمال الذي يحيط بالمصابين، وعجز المصالح الطبية عن توفير العدد اللازم من الكوادر، مما استدعى تدخل متطوعين لمساعدة المرضى”.
وأثار توقيفه استياء كبيرا لدى الرأي العام، الذي أطلق عريضة وقع عليها المئات من المدونين والناشطين والأكاديميين، الذين طالبوا بإطلاق سراحه الفوري وغير المشروط.
وبالتوازي مع خطاب التهدئة الذي ينتهجه الرئيس عبدالمجيد تبون منذ التصريح الذي أدلى به لقناة “فرانس 24″، تم توقيف عدد من الشبان الناشطين وإحالة البعض الآخر على المحاكمة، وسط توقعات بالإفراج عنهم، كما هو الشأن بالنسبة للإعلامي خالد درارني، الذي برمجت قضيته لإعادة تكييف التهم الموجهة له، حسب ما أعلن عنه المحامي والحقوقي عبدالغني بادي.
بالتوازي مع خطاب التهدئة الذي ينتهجه تبون، تم توقيف عدد من الشبان وإحالة البعض الآخر على المحاكمة
ولم يتأخر الناشط السياسي المعارض، ورئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي كريم طابو، الذي أطلق سراحه مؤخرا، في التعبير عن مقاربته لحلحلة الأزمة السياسية، خلال تصريح أدلى به لقناة تلفزيونية محلية.
وقال كريم طابو “أفضل طريقة لتحقيق الربيع هي بخروج جميع الطيور من الأقفاص، وإن السلطة تريد وضعنا في أقفاص، هذا هو الفخ. طالما أن الناس يغنون في الأقفاص، هذا لا يزعجهم.. أدعو إلى تحطيم الأقفاص لإحلال الربيع الحقيقي”.
ويعد طابو أحد أبرز وجوه الحراك الشعبي الذين يحملون خطابا راديكاليا تجاه السلطة وجزءا من الطبقة السياسية التي وصفها بـ”المهترئة”.
ودعا المتحدث في تصريحه السلطة إلى الدخول في “عملية سياسية حقيقية”، دون أن يكشف عن تفاصيل أكثر، أو معالم العملية التي يقصدها، لكن السلطة التي تغافلت في السابق عن عشرات الخطط التي اقترحها الكثير، لا يبدو أنها مستعدة للتعاطي مع دعوة طابو، إلا إذا كانت فترة السجن قد أفضت إلى اتفاق ما بحسب ما تتداوله بعض الدوائر.
وكان المتحدث قد أعلن لمحاميه أنه “مورست علي سياسة العصا والجزرة”، وحتى إمكانات بلورة اتفاق ثنائي بينه وبين السلطة من أجل وقف احتجاجات الحراك الشعبي، إلا أنه قابل المقترح بـ”الرفض”، ونصح محاوريه بالذهاب إلى الشارع لبحث حلول الأزمة مع المحتجين. وعلق المتحدث على اعتقاله بالقول “السجن هو مصنع لتغيير الغضب من حالة وجدانية إلى طاقة سياسية، وإن التضامن وسلمية الشعب الجزائري هما السلاحان الحادان اللذان سيركعان جبروت الحكام”.
وحض الجزائريين على البقاء “متحدين وسلميين ومصممين وحضاريين ومنظمين، من أجل تحقيق الرسالة الحقيقية للحراك الشعبي”، في إشارة إلى الصمود في وجه حملات التشكيك والتفكيك التي تمارسها السلطة، من أجل وقف الاحتجاجات السياسية المعلقة منذ منتصف شهر مارس الماضي بسبب وباء كورونا.
وذهب ناشطون معارضون إلى حد التشكيك في تعاطي السلطة مع الوباء، لإطالة مدته بغية استمرار تعليق الاحتجاجات والوصول إلى تفكك داخلي للحراك، مقابل الأجندة التي تعتزم السلطة تنفيذها كتعديل الدستور والاستفتاء عليه الخريف القادم. وكان كريم طابو قد أفرج عنه مؤخرا، إلى جانب كل من سمير بلعربي وأميرة بوراوي، كما عفا الرئيس تبون نهائيا عن عدد من المعتقلين الآخرين، في انتظار عفو آخر بحسب ما أدلى به للقناة الفرنسية.