شكوك في جدية مبادرة تبون للصلح مع المغرب
مواقف الرباط واضحة ومعلنة، وتصريحات الجزائر ضبابية وتحمل الكثير من التناقض.
أكدت الدبلوماسية المغربية في كل المناسبات أنها تمد يدها من أجل الصلح مع الجزائر ووضع حد لكل الخلافات بن البلدين. لكن هذه المبادرة الإيجابية لم تلق أيّ تفاعل من النظام الجزائري ويبدو أن الرئيس عبدالمجيد تبون يسير على نهج أسلافه في هذا الملف، فتصريحاته الأخيرة حول قبول مبادرة الصلح المغربية قوبلت بتشكيك المراقبين بشأن مدى جديتها.
شككت الأوساط السياسية ومراقبون في مدى جدية الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بخصوص حديثه عن ترحيبه بمبادرات المغرب لحل الخلافات بين البلدين، حيث شددت على أن ضبابية موقفه تؤكد غياب أي نية لديه في التفاعل الإيجابي مع مبادرات الرباط.
وقالت مصادر دبلوماسية، لـ” أخبارنا الجالية ، إن المغرب منفتح على كل المبادرات الجدية وقنواته الرسمية وغير الرسمية مفتوحة أمام جميع مقترحات الجزائر إذا كانت تخدم التعاون المشترك المبني على حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية بما يهدد وحدة التراب المغربي.
وتعتقد شريفة لموير، الباحثة في العلوم السياسية، أن تصريحات الرئيس الجزائري بخصوص استعداد بلاده لقبول أي مبادرة مغربية لتجاوز المشكلات بين البلدين لا تعدو أن تكون مجرد تصريحات للاستهلاك الإعلامي فقط فهي خالية من الجدية والالتزام وترمي إلى تلميع صورة النظام بخصوص العلاقات المغربية الجزائرية.
وأعرب تبون، في ظهوره الإعلامي الأخير، عن ترحيبه بأي مبادرة مغربية لتجاوز التوتر مع بلاده.
وقال تبون في ما يتعلق بطبيعة العلاقات بين بالجزائر والمغرب، إنه “إلى حدود الآن، التوتر ما زال لفظيا، ونرى أن الأشقاء المغاربة مروا إلى مرحلة أخرى، ونتمنى أن تتوقف الأمور عند هذا الحد، وصوت العقل كان دائما الأعلى في علاقات البلدين”.
ويتساءل مراقبون حول مدى جدية الجانب الجزائري في طرح المصالحة وإنهاء الخلافات بين البلدين، حيث لم يتطرق الرئيس تبون إلى مبادرة المغرب التي طرحها في هذا الإطار قبل عامين.
ولم يوضح الرئيس الجزائري ما يقصده بشكل صريح بقوله “مرور المغرب إلى مرحلة أخرى”، مع العلم أن الرباط كانت واضحة في كل المحطات في ما يتعلق بثباتها على أن الدفاع عن الوحدة الترابية للمغرب مسألة وجود بالنسبة لها ولا يمكن السماح لأي طرف بالعبث بأمنها القومي مع التأكيد على أهمية الحوار وتجنب كل ما من شأنه توتير الأجواء.
المغرب منفتح على كل المبادرات الجدية وقنواته مفتوحة أمام مقترحات الجزائر إذا كانت تخدم التعاون المشترك
وأكدت لموير أن المغرب كان دائما سباقا ومبادرا إلى درء الشرخ بين البلدين، في إطار علاقة تنبني على حسن الجوار وتجاوز كل الخلافات والمساهمة الجماعية في إيجاد حل لمشكلة الصحراء، وهو الموقف الذي عبر عنه العاهل المغربي الملك محمد السادس في الكثير من المناسبات كحلّ لإنهاء التوتر بين البلدين.
وعبر متابعون للعلاقات بين المغرب والجزائر عن استغرابهم من تصريحات تبون المبهمة في ظل ظرفية جيوسياسية دقيقة تمر بها المنطقة وتجاهله في الآن ذاته دعوة أعلى سلطة في المغرب دون شروط مسبقة لرأب الصدع بين البلدين.
ولم يتفاعل النظام الجزائري بشكل جدي مع المبادرة الحقيقية التي أطلقها الملك محمد السادس، في خطاب المسيرة الخضراء لعام 2018، من أجل إحداث آلية سياسية مشتركة مع الجزائر للحوار والتشاور. وكانت هذه المبادرة قد لاقت صدى دوليا وإقليميا طيبا.
ولم تتجاوب الرئاسة الجزائرية مع المبادرة رغم تأكيدات سياسية ودبلوماسية رسمية على إرادة المغرب الصادقة لخلق إطار لحوار ثنائي مباشر ودون شروط، من أجل تبديد جميع الخلافات بين البلدين واستئناف تعاونهما والتركيز على التحديات الإقليمية.
وجدد الملك محمد السادس نفس المبادرة تجاه الجزائر في خطاب عيد العرش لعام 2019، بتأكيده على “التزام المغرب الصادق بنهج اليد الممدودة تجاه الأشقاء في الجزائر، وفاء منه لروابط الأخوة التي تجمع الشعبين الشقيقين”.
وترى لموير أن تصريحات الرئيس الجزائري ينقصها الوضوح وتحمل الكثير من التناقض ما يعني أن أهدافها غير صادقة وجاءت لمجرد الاستهلاك الإعلامي خصوصا أن المنبر الذي صرح من خلاله الرئيس تبون هو منبر دولي. في المقابل، كانت مبادرات المملكة المغربية دائما مطروحة بوضوح.
وتزامنت تصريحات تبون بخصوص العلاقات مع المغرب مع إحياء الجزائر لذكرى استقلالها.
وهنأ العاهل المغربي الجزائر بهذه المناسبة مؤكدا على متانة روابط الأخوة التي تجمع الشعبين. وقال الملك محمد السادس في رسالته إن العلاقات بين الشعبين الجزائري والمغربي “تستمد قوتها من ذلك التضامن الأخوي الصادق الذي أذكى نضالهما البطولي من أجل الحرية والاستقلال، وأيضا من إيمانهما الراسخ بوحدة المصير المغاربي المشترك”.
واعتبر مراقبون أن رسالة التهنئة للجزائر تعد بمثابة موقف دبلوماسي للمملكة المغربية تستند فيها على المشترك التاريخي والهوياتي الذي يجمع الشعبين، وحرصها على كل ما يجمع ويوحد المواقف والغايات. وأكد هؤلاء أن الرسالة تطالب ضمنيا النظام الجزائري بالقيام بخطوات أكثر جرأة في سبيل كسب ثقة المغرب، ومنها التخلي عن كل ما من شأنه تهديد الوحدة الترابية للمملكة.
ويعرف عن الرئيس تبون تصريحات ومواقف غير ودية وغير مشجعة تجاه المغرب ما أدخل العلاقات المغربية الجزائرية في نفق آخر من الأزمة المستمرة بين البلدين سببتها سياسة النظام الجزائري الداعمة للجبهة الانفصالية “البوليساريو” وعدائها للوحدة الترابية للمملكة.
وما يزيد من ضبابية الموقف الجزائري التسريبات التي قامت بها جهات سيادية للصحافة المقربة من أصحاب القرار، تؤكد أن الجزائر عازمة على بناء قاعدة عسكرية قرب الحدود مع المغرب.
ورد الرئيس الجزائري على تساؤل حول مدى صحة هذه المعلومات بقوله “لا أؤكد ولا أنفي ذلك”، على الرغم من أنه يملك كل المعطيات العسكرية والأمنية بصفته يجمع بموجب منصبه صلاحيات رئيس البلاد ووزير الدفاع في الوقت نفسه.