لماذا تبغض الإمارات شعوب المغرب العربي؟
كشف سعد الدين العثماني رئيس الحكومة المغربية والأمين العام لحزب العدالة والتنمية أن «هناك دولاً تحسد المغرب على نجاحاته، وتحاول أن تتدخل في ملفاته وتشوش عليه وتهاجم قياداته»، وأنها «تريد أن تتدخل في شؤون المغرب الداخلية، وتمليَ عليه قراراتها». ورغم أن العثماني تجنب تسمية دولة بعينها، فقد كان واضحاً أنه يقصد الإمارات على خلفية الحملات الإلكترونية والإعلامية التي طالته شخصياً وألمحت كذلك إلى الملك المغربي محمد السادس، ويُعتقد على نطاق واسع أن أجهزة أبو ظبي تقف خلفها.
وإذا كان العثماني قد كسر الصمت إزاء تلك الحملات خلال خطبة ألقاها أمام مؤتمر تنظمه شبيبة حزبه، فإن تصريحاته تمثل أول تعبير مغربي رسمي على هذا المستوى الرفيع حول الأزمة الصامتة بين المغرب والإمارات، والتي بدأت بوادرها الأولى مع مغادرة السفير الإماراتي لدى الرباط في أبريل 2019 بناء على «طلب سيادي عاجل» من أبو ظبي، حيث ردّ المغرب بإعادة سفيره لدى الإمارات مع ثلاثة من كبار دبلوماسييه. وفي تفسير هذا التأزيم الإماراتي كان المراقبون قد توقفوا عند سبب عامّ هو موقف المغرب الحيادي تجاه الحصار الذي فرضته السعودية والإمارات والبحرين ومصر على قطر في يونيو 2017، كما نسبوا التصعيد الأخير إلى مشاركة المغرب في المناورات العسكرية التي نظمتها قطر ضمن استعدادات تأمين كأس العالم 2022.
لكن هذا الموقف الإماراتي من المملكة المغربية عموماً، وحكومة العثماني بصفة خاصة، لا يعود إلى هذين السببين فقط وإنما يدخل في إطار استراتيجي أعرض هو سياسات التدخل الإماراتية في بلدان المغرب العربي إجمالاً، وتتجلى مظاهره بوضوح تام في ليبيا وتونس والمغرب والجزائر. والركيزة الأولى في هذه السياسات هي نوازع العداء لكل وأي انتفاضة شعبية عربية، وكذلك الرهاب المسبق من التيارات الإسلامية حتى إذا صعدت بطريقة ديمقراطية وعن طريق صناديق الاقتراع، ثم مصادرة استقلالية القرار الوطني السيادي للدول التي لا تسير في ركاب الحصار على قطر.
والتأييد الإماراتي للمشير الليبي الانقلابي خليفة حفتر لم يعد سراً منذ أن ابتدأ على أصعدة عسكرية وسياسية ومالية، وذلك رغم أن العديد من الميليشيات السلفية تقاتل في صفوف حفتر وهذا يفضح زيف الادعاءات الإماراتية بخصوص مناهضة التشدد الإسلامي والحركات الجهادية. كذلك افتُضح الموقف الإماراتي المعادي لانتفاضة الشعب الجزائري، بل تردد أنّ غرفة استخباراتية وعسكرية إماراتية – سعودية مشتركة شُكلت خصيصاً لإفشال الحراك الجماهيري ومساندة قوى الثورة المضادة. وأما في تونس فإن تأييد الإمارات لحزب هامشي يحلم بإحياء نظام بن علي البائد ويصف انتفاضات العرب بأنها «ربيع الخراب»، هو قاع الحضيض الذي انحدرت إليه سياسات التدخل الإماراتية.
الآن جاء الدور على المغرب البلد الذي اتخذ مواقف سيادية مستقلة ورفض الإذعان للابتزاز السياسي والمالي، وعلى حكومة العثماني الذي تعرف أجهزة أبو ظبي أنه على رأس الحكومة بإرادة الشعب المغربي وضمن سيرورة انتخابية ديمقراطية، سواء على نطاق وطني عبر صناديق الاقتراع أو بموجب المنظومة الداخلية لحزب العدالة والتنمية. وهذه تقاليد تجهلها تماماً عقلية محمد بن زايد، بل وتبغضها وتبذل الجهد والمال لتشويهها أو تعطيلها، حتى عن طريق الذباب الإلكتروني. ولا عجب بالتالي، حتى إذا عُرف السبب.