الزيارة المرتقبة لملك إسبانيا لسبتة ومليلية توتر العلاقة مع المغرب

سبتة ومليلية.. نزاع مغربي إسباني لا بوادر لحلّه

أكدت مصادر سياسية تعرّض ملك إسبانيا فيليب السادس إلى ضغوط للقيام بزيارة رسمية لمليلية وسبتة، وذلك بإدراج القصر الثغرين المحتلين ضمن جولة ملكية مرتقبة للأقاليم التي تتمتع بحكم ذاتي، كالأندلس وجزر الكناري وغيرها.

ونقلت صحيفة “إلفارو” واسعة الانتشار في سبتة، عن المتحدث باسم قصر “ثارثويلا” الملكي خبر إعداد البلاط الإسباني لزيارة المدينتين دون تحديد موعد نهائي، مبررا الأمر بكون الأجندات لا تزال مغلقة نتيجة الوضع الصحي الحالي الناتج عن تفشي الوباء.

ولم ينف القصر الملكي بشكل قاطع الزيارة المتوقعة حيث أفاد المتحدث باسم القصر أنه “لا توجد أخبار رسمية حول هذه الزيارة الافتراضية التي سيقوم بها دون فيليب ودونا ليتيزيا إلى سبتة ومليلية نهاية يوليو”، معتبراً أنّ “القصر الملكي الإسباني لم يتخذ في الوقت الحالي أيّ قرار بشأن سبتة ومليلية”.

وأوضحت مصادر دبلوماسية لـ”أخبارنا الجالية ”، أن “القصر الإسباني حريص على أن يُبقي قناة حوار موثوقة بين مدريد والرباط”، ولهذا لا يريد الملك فيليب القيام بمغامرة غير محسوبة العواقب، وقد تلاقي رد فعل مغربي قد ينعكس سلبا على مستقبل التعاون بين البلدين في مختلف الميادين.

وسبق للملك فيليب السادس زيارة جميع مناطق إسبانيا بما في ذلك جزر الكناري، لكنه أجل في كثير من الأوقات زيارته لسبتة ومليلية المحتلتين. وفي ديسمبر من العام الماضي أعلن إدواردو دي كاسترو، حاكم مليلية، أنه وجه دعوة للعاهل الإسباني من أجل زيارة المدينة، حتى أنه أخبر وسائل إعلام إسبانية بأن استجابة الملك ليست إلا “مسألة وقت فقط” وبأنها مرتبطة بـ”الأجندة الملكية”، مضيفا أن فيليب السادس “بدا متحمسا للفكرة وأخبره أنه بالفعل كان يخطط لزيارة المدينة”.

وأجل العاهل الإسباني الزيارة إلى مدينة سبتة المحتلة بعد دعوة من حاكمها خوان بيباس، ما دفع مصادر دبلوماسية وسياسية إلى استنتاج أن الملك فيليب لا يريد أن يكرر ما قام به والده الملك السابق خوان كارلوس، وأن يتسبب مرة أخرى في تشنج علاقات بلاده مع المغرب، ويسعى للحفاظ على علاقة الصداقة التي تجمعه بالعاهل المغربي الملك محمد السادس.

ورغم التأجيلات المتكررة إلا أن مراقبين لا يستبعدون رضوخ الملك فيليب السادس لضغوط أطراف وازنة يمينية، للقيام بالزيارة، ما يعني تأزم العلاقات المغربية الإسبانية مرة أخرى على شاكلة العام 2007 عند زيارة رسمية قام بها العاهل الإسباني السابق خوان كارلوس.

المغرب أوقف الأنشطة التجارية عبر المعابر الحدودية البرية مع اسبانيا

ويرى مراقبون أن الضغوطات الإسبانية على المغرب ازدادت بعد تنفيذ الاتفاق الأميركي – المغربي الموقع قبل سنة حول تزويد الرباط بـ24 من مروحيات “الأباتشي”، وما سيشكله ذلك من تغيير مهم في موازين القوى العسكرية بين الرباط ومدريد في أفق العام 2024. وبناء عليه، يرى مهتمون بالعلاقات الإسبانية المغربية، أن هناك من يريد توتير الأجواء بين البلدين خصوصا بعد التقارب في وجهات النظر في عدد من القضايا من ترسيم الحدود البحرية ومواقف الحكومة والقضاء الإسباني مؤخرا في ما يتعلق بملف قضية الصحراء المغربية.

ولا تنظر جهات سياسية وأمنية إسبانية بعين الرضا لقرارات المغرب في ما يرتبط بالثغرين المحتلين سبتة ومليلية، بعدما شرعت الرباط إجراءات جديدة تستهدف وقف التهريب المعيشي بصورة نهائية ووقف الأنشطة التجارية عبر المعابر الحدودية البرية ومنع الدبلوماسيين وممثلي السلطتين التشريعية والتنفيذية المغاربة من دخولهما بواسطة جواز السفر المغربي، إلى جانب إنشاء منطقة اقتصادية بديلة بمدينة الفنيدق.

وتدرك المؤسسات الرسمية الإسبانية مدى جدية المغرب في قراراته بشأن سبتة ومليلية وكذلك تأمين حدوده البحرية والبرية، لهذا تحاول الدوائر المؤثرة إرباك الرباط بالتلويح بهذه الزيارة كإشارة سيادية من طرف الجارة الشمالية.

وتقع كل من سبتة ومليلية المحتلتين على الضفّـة الجنوبية للبحر المتوسط وتعتبرهما إسبانيا الجزء الترابي الوحيد الذي يربطها بالقارة الأفريقية، لكن الاتحاد الأوروبي الذي التحقت به إسبانيا عام 1986، رفض اعتبار المدينتين جزءا من التراب الأوروبي، فيما يؤكد المغرب مسألة مغربية المدينتين وهي محلّ إجماع رسمي وشعبي.

ولاعتبارات دستورية، فإن زيارة العاهل الاسباني إلى سبتة ومليلية لا يمكن القيام بها إلا بموافقة الحكومة أو بطلب منها، رغم أن الملك فيليب قد تكون له رؤية أخرى لاعتبارات الصداقة التي تربطه بالعاهل المغربي الملك محمد السادس، وقد تستجيب لها رئاسة الحكومة في ما يتعلق بالأهداف المرجو تحقيقها والثمن المدفوع على حساب أمن واستقرار منطقة جبل طارق.

ويأخذ الإسبان بعين الاعتبار طريقة الرد المغربي القوي والمتشدد بعد زيارة الملك السابق خوان كارلوس لسبتة ومليلية، والذي كانت تربطه علاقات قوية مع العائلة الملكية المغربية، حيث تم استدعاء السفير للتشاور ولأجل غير محدد كما عبّـرت آنذاك الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني عن استنكارها ورفضها للزيارة.

وارتباطا برد الفعل المغربي الذي تأخذه دبلوماسية مدريد بعين الاعتبار في خطوتها المقبلة، تأكيد العاهل المغربي الملك محمد السادس، عند افتتاح مجلس وزاري عقد يوم 6 نوفمبر 2007، عن إدانته القوية واستنكاره الشديد لتلك الزيارة التي وصفها بـ”الحنين لعهد مُـظلم مضى وانقضى”، محمّلا “السلطات الإسبانية مسؤوليتها عن المجازفة بمستقبل وتطوّر العلاقات بين البلدين وعن الإخلال الجسيم للحكومة الإسبانية بمنطوق وروح معاهدة الصّداقة وحُـسن الجِـوار والتعاون، المبرمة سنة 1991” بين البلدين.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: