الضغوط تتزايد على المغرب لترويض السوق الموازية

اقتصاد الظل يمثل أكثر من 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للمغرب.

عاد ملف الاقتصاد الموازي إلى الواجهة في المغرب، بعد أن تعالت الأصوات خلال الفترة الأخيرة مطالبة الحكومة بوضع استراتيجية عاجلة لإدماجه ضمن الاقتصاد الرسمي وفق أسس مدروسة لتعزيز معدلات النمو خاصة وأن الفرصة سانحة الآن لتفادي أي مشكلات أعمق بسبب تداعيات كورونا

تزايد قلق الخبراء من أن يؤدي نشاط السوق الموازية في المغرب إلى نتائج سلبية أكبر زمن كورونا بعد أن وجد العاملون فيه أنفسهم دون عمل إثر إقرار الحكومة خطة الحجر الصحي في مارس الماضي.

وساهمت الإجراءات الاحترازية في فقدان المزيد من فرص العمل ما زاد من تعميق مشكل البطالة، والتي تعد من بين الأسباب المباشرة لازدهار التجارة السوداء والتهريب.

واعتبر الباحث الاقتصادي مهدي فقير نشاط القطاع الموازي مشكلة مزمنة ما زالت تراوح مكانها رغم الجهود الحثيثة من طرف الدولة، وقد تزيد مشاكله خلال الفترة المقبلة.

وأكد فقير أنه على الرغم من السلبيات الكثيرة للقطاع على الاقتصاد المغربي لكنه يبقى صمّام أمان مجتمعي وتعيش منه الآلاف من الأسر.

وقال إن “النموذج التنموي ينبغي أن يضع ضمن أولوياته إيجاد حلول وبدائل شاملة من شأنها تنظيم القطاع على المستويات السوسيو ـ اقتصادية، تلعب خلالها الأحزاب والمجتمع المدني والمنظمات أدوارها”.

ويمتص اقتصاد السوق الموازية بطالة العديد من الشباب المؤهل وغير المؤهل، ويساعد على الاستقرار الأسري، في الوقت الذي يشكل فيه تحديا اقتصاديا للسلطات جعلها تخطط لاستيعابهم في إطار مشاريع صغيرة لها الصفة القانونية داخل النسيج الاقتصادي لتقوية قدراتهم المالية والتقنية.

وتوفر السوق الموازية حوالي 2.4 مليون فرصة عمل، تشكل 37 في المئة من العاملين بالبلاد، باستثناء قطاع الزراعة.

مهدي فقير: التجارة الموازية مشكلة ما زالت تراوح مكانها رغم الجهود
مهدي فقير: التجارة الموازية مشكلة ما زالت تراوح مكانها رغم الجهود

وإلى جانب ذلك هناك 233 ألف تاجر في القطاع غير المهيكل يوفر نحو 420 ألف فرصة عمل، بأجور سنوية تبلغ حوالي 11.4 مليار درهم (1.5 مليار دولار).

وتشير التقديرات إلى أن اقتصاد الظل يمثل أكثر من 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للمغرب، دون احتساب القطاع الأولي وهو الزراعة.

كما يمثل نحو 10 في المئة من واردات القطاع المهيكل ويؤثر بشكل متفاوت على مختلف القطاعات الاقتصادية، ويبقى بذلك مزودا كبيرا لسوق العمل.

ويرى بعض المحللين الاقتصاديين، أن هذا القطاع بحجمه الضخم من حيث التوظيف لا يؤثر في الإنتاجية، لكنه يساهم في الاقتصاد الوطني بما مجموعه 185 مليار درهم (19 مليار دولار) سنويا، من البضائع والخدمات، ويحقق نموا سنويا يصل إلى 7.9 في المئة.

وبسبب التأثير السلبي لقطاع السوق الموازية على المداخيل الضريبية وكذلك ضريبة القيمة المضافة، تتكبّد خزينة الدولة خسائر مالية بقيمة 4.1 مليار دولار سنويا.

ويصل عدد وحدات الإنتاج غير المهيكلة إلى 1.68 مليون وحدة، مسجلة تطورا سنويا بأكثر من 19 ألف وحدة إنتاج غير منظمة بشكل سنوي.

ويرى خبراء أن هذا النوع من الاقتصاد يؤدي أيضا إلى عدم استفادة الصناديق الاجتماعية من المساهمات التي يفترض أن تزيد من خزائنها.

كما أنه يؤدي إلى تقلص في عائدات الشركات المحلية بسبب الفارق الكبير في التنافسية والسعر عبر عدم دفع الضرائب والرسوم بما في ذلك الضريبة على القيمة المضافة.

وتراهن الدولة على تنظيم قطاع السوق الموازية كمحور أساسي من خلال البحث عن آليات وبدائل تمكن من إدماج القطاع في الدورة الاقتصادية المنظمة، لكبح تأثيراته السلبية على الاقتصاد الرسمي الوطني.

ومن التدابير التي تود الحكومة الانخراط فيها لمواكبة القطاع الموازي، إدماج وحدات الإنتاج غير المهيكل في الاقتصاد الرسمي من خلال وضع إطار تنظيمي محفز.

وتتضمن تلك الخطط مواكبة تحول وحدات الإنتاج الموازية للمرور إلى القطاع الاقتصادي الرسمي من خلال دعم دخولها إلى الأسواق وبناء قدراتها.

وحسب إحصائيات الاتحاد العام لشركات المغرب، فإن 54 في المئة من حصة الاقتصاد الموازي موجودة في قطاع النسيج والألبسة و32 في المئة في قطاع نقل البضائع برا، و31 في المئة في البنية التحتية، و26 في المئة في الصناعة الغذائية والتبغ.

واقترح خبراء الاتحاد تجفيف منابع التهريب عبر تهيئة الظروف لنقل العاملين في التهريب إلى العمل المنتج بالقطاع الاقتصادي الرسمي وتعزيز المراقبة، فضلا عن تحسيس المستهلكين بأضرار الاقتصاد الموازي.

ويتوقع أن تتم مواكبة انتقال 100 ألف صاحب شركة صغيرة يعملون في السوق الموازية، إلى القطاع الرسمي في غضون السنوات الأربع المقبلة.

الحكومة تتجه إلى إصلاح قانون العمل
الحكومة تتجه إلى إصلاح قانون العمل

ويقول رئيس الحكومة المغربية سعدالدين العثماني “إن تصور الحكومة هو أن امتصاص القطاع الموازي لا يمكن أن يتم بمجرد اتخاذ تدابير ضريبية قد لا يكون لها وقع كبير”.

وتتجه الحكومة إلى تسجيل إنشاء المؤسسات، وإصلاح قانون العمل، وتعزيز التحفيزات الضريبية لتشجيع الانتقال من القطاع الموازي إلى القطاع الاقتصادي الرسمي.

وستقوم أيضا بتيسير الحصول على التمويل، بما في ذلك تحسين نظام المعلومات الخاص بالقروض، وتحفيز الشباب على إحداث الشركات الخاصة.

وفي إطار العمل على إعادة هيكلة هذا القطاع، أحدثت الحكومة نظاما خاصا بأصحاب الشركات الصغيرة الخاصة يتضمن تسهيلات وتحفيزات من أجل مساعدة الشباب على تأسيس مشاريعهم وإدماجهم تدريجيا في سوق العمل الرسمي.

وبالإضافة إلى ذلك سيتم تشجيع القطاع الموازي على الاندماج في النسيج الاقتصادي المنظم حتى يتمكن من الاستفادة من المزايا الاجتماعية والجبائية والولوج إلى التمويلات المتاحة.

ويعتقد فقير أن حلول معالجة السوق الموازي يجب ألا تكون إجرائية فحسب، بل أيضا من خلال التأطير واعتماد مبادئ التأطير العام، ومن ثم اعتماد الآليات الضرورية التي تكون دائما تحت الاختبار.

ومنذ الانطلاق الفعلي لهذا النظام في يناير 2016 تم إحداث نحو 30 شركة صغيرة، ولتعزيز هذه الإنجازات تؤكد الحكومة أنها واعية بكون القطاع الموازي يعتبر أكثر تعقيدا، حيث تتداخل فيه مجموعة من العوامل، منها ما هو مرتبط بالإصلاح الضريبي والحصول على التمويل والسياسة التجارية.

 

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: