مساعدات تندوف: من الأمم المتحدة إلى السوق السوداء
تلاعب السلطات الجزائرية والبوليساريو بالمساعدات الأممية والمتاجرة بها على حساب احتياجات سكان تندوف يُثير قلقا أوروبيا.
عاد إلى دائرة الضوء ملف اختلاس المساعدات الإنسانية الدولية الموجهة لمخيمات تندوف، بعد أن فضحت تقارير إعلامية أوروبية صدرت مؤخرا، ضلوع الجزائر وجبهة البوليساريو الانفصالية في نهب المساعدات الأممية.
وكشف محمد شريف لعروسي أحمد سالم، العضو السابق في جبهة البوليساريو، أن السكان المحتجزين بتندوف يستعملون كعملة للمقايضة يتم بواسطتها تسول المساعدات التي يتم بيعها بعد ذلك في السوق السوداء.
وتابع محمد شريف لعروسي أحمد سالم، للموقع الإخباري الأوروبي “إي يو توداي” أن “الدولة الجزائرية شريكة في هذا الاحتيال، عبر الاستفادة من الضريبة التي تفرضها بشكل ممنهج على المساعدات، دون احتساب التضليل الذي تبقيه هذه الدولة حول العدد الحقيقي للمحتجزين الذين تحاصرهم على أراضيها بتندوف”.
واستنادا إلى أدلة، كشف الموقع الأوروبي أن الجزائر والبوليساريو استغلتا انشغال العالم بمواجهة جائحة كورونا، للاستيلاء مجددا على المساعدات المخصصة لسكان مخيمات تندوف وتحقيق ربح مادي كبير.
وأوضح أحمد سالم، الذي شهد شخصيا عملية لبيع المساعدات الغذائية الأوروبية في السوق الموريتانية، أن الأرباح التي يتم جنيها من هذه التجارة تتيح مراكمة ثروات شخصية وصيانة المعدات العسكرية المتهالكة التي تشمل دبابات وصواريخ ومركبات قتالية ممنوحة من طرف الجزائر.
ولفت تقرير موقع “إي يو توداي” إلى أن “التضليل المتعمد حول عدد اللاجئين بمخيمات تندوف هو حجر الزاوية في تحويل المعونات الغذائية وسلع الاستهلاك اليومي”، معتبرا أنه في غياب تعداد من واجب الجزائر القيام به، تشير البوليساريو إلى وجود ما بين 155 و170 ألف شخص في مخيمات تندوف، بينما منظمات مستقلة ومراقبون محايدون يقدرون عددهم الحقيقي بين 70 و90 ألف شخص.
وإلى جانب الاختلاس، تمثل المساعدات الإضافية الناتجة عن هذه الأرقام الزائفة هامش ربح كبير لجبهة البوليساريو والجزائر.
وحسب هشام معتضد، الباحث المتخصص في الدراسات والسياسات الأمنية الدولية، فإن المساعدات الموجهة لمخيمات تندوف يوجه الجزء الكبير منها للقياديين الذين يسهرون على تدبير الشأن اليومي في المخيمات وللمسؤولين على تطبيق التعليمات داخل الجبهة وتنفيذ التوجهات السياسية والإملاءات الخارجية. وأوضح معتضد، في تصريح لـ”العرب”، أن “الاسترزاق الممنهج بالمساعدات يدخل في إطار السياسات الابتزازية لضمان مصالح شخصية على حساب حقوق المحتجزين، للاستمرار في تطبيق أجندات خارجية مقابل أرباح وامتيازات من أطراف لها حسابات جيواستراتيجية بعيدة عن الحقائق التاريخية والبنية الفعلية للمنطقة”.
وشرح التقرير الأوروبي مسار تحويل المساعدات الإنسانية من ميناء وهران إلى المشتري النهائي في أسواق المنطقة.
وسجل المكتب الأوروبي لمكافحة الغش، أن القمح الكندي الموجه إلى مخيمات تندوف يستبدل بحبوب أقل جودة بينما يتم بيع القمح عالي الجودة، كما تباع منتجات الدواجن بدلا من إيصالها إلى السكان المهمشين في مخيمات تندوف.
ويدعم برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة سكان مخيمات تندوف إذ يوفر لكل شخص حصصا غذائية شهرية تشمل الحبوب (الأرز والشعير ودقيق القمح)، والقطاني، وزيت الزيتون، وبقية الأطعمة المخلوطة المحصنة، لكن تقارير أوروبية رسمية فضحت تورط مسؤولين جزائريين وقيادات البوليساريو في المتاجرة بهذا الدعم باستغلال ملف نزاع الصحراء إضافة إلى استغلالهم حالة الطوارئ الصحية العالمية.
وأكد بيورن هولتين، الخبير لدى البرلمان الأوروبي، أن تحويل المساعدات الإنسانية ليس أمرا جديدا بل هو ممارسة شائعة، مشيرا إلى أن قادة البوليساريو يعملون بشكل ممنهج على اختلاس المساعدات الإنسانية ويراكمون ثروات هائلة وعقارات فاخرة، لاسيما في إسبانيا.
وأثار تلاعب السلطات الجزائرية والبوليساريو بالمساعدات الأممية والمتاجرة بها على حساب احتياجات سكان المخيمات إضافة إلى رفض إحصاء رسمي للسكان، قلقا أوروبيا.
وفي هذا الصدد أبرز الخبير والناشط الجمعوي النرويجي، إيريك كاميرون، رئيس منظمة العمل العالمي من أجل اللاجئين، أن اختلاس المساعدات الإنسانية الموجهة للسكان المدنيين من طرف الجزائر والبوليساريو دون محاسبة، أصبح ممكنا بسبب رفض الجزائر المتعنتِ السماحَ بإحصاء سكان مخيمات تندوف في تحد للقرارات التي اعتمدها مجلس الأمن منذ عام 2011.
من جهته يرى هشام معتضد أن عدم قبول الجبهة الانفصالية بإحصاء سكان المخيمات ليس فقط لإطالة أمد النهب الممنهج والمتاجرة بالمساعدات، بل يدخل في إطار الحسابات السياسية المفروضة على القيادة من الطرف المتحكم في القرارات الجوهرية للبوليساريو، بهدف عرقلة مسار التسوية برعاية الأمم المتحدة.
وعلى الرغم من المخاوف والتحذيرات، لم تلتزم المفوضية الأوروبية بوعود قطعتها لوضع حد لهذه الاختلاسات بطرق قانونية وسياسية ضاغطة على الجزائر. ولفت متخصصون في الشأن الصحراوي، إلى أن مراقبة هذه المساعدات تكاد تكون مستحيلة نظرا للحصار الذي تفرضه الجزائر التي ترفض إجراء عملية إحصاء دقيقة لعدد السكان على الرغم من النداءات المتكررة من مجلس الأمن الدولي.
ويتمثل الخطر الأكبر حسب الموقع الإخباري الأوروبي “إي يو توداي” في أن المحتجزين في مخيمات تندوف يخضعون للابتزاز والاستغلال، حيث يضطر الرجال إلى أداء الخدمة العسكرية أو العمل الشاق مقابل الحصول على المساعدات الغذائية، والتي تعتبر من حقهم، ناهيك عن النساء اللواتي يقعن ضحية الاعتداءات، وجرائم الاغتصاب وجميع أشكال الاستغلال المهينة وغير الإنسانية.
ويستنتج الباحث هشام معتضد، أن “استغلال المحتجزين بمخيمات تندوف واحتياجاتهم كورقة مساومة يعتبر من الأساليب التقليدية التي تعتمد عليها قيادات البوليساريو على طاولة المفاوضات مع مختلف الأطراف المتدخلة في هذا الملف على المستوى الإقليمي والدولي”.