هل تكون السياحة الداخلية طوق نجاة للاقتصاد المغربي ما بعد الوباء
طرح تحرك المغرب باتجاه التركيز على السياحة الداخلية زمن كورونا الجدل بين أوساط القطاع حول إمكانية أن يتحول إلى طوق نجاة للاقتصاد في الفترة المقبلة، خاصة وأن الوجهة الإسبانية باتت أكثر استقطابا للمغاربة نظرا لقلة تكلفتها مقارنة بالمدن السياحية المحلية.
يراهن المغرب على السياحة الداخلية لتنشيط القطاع وبالتالي إنعاش الاقتصاد المحلي، الذي يعتمد عليه كثيرا رغم إقرار الكثير من المؤسسات الدولية بصعوبة التعافي السريع للسياحة الخارجية في كافة بلدان العالم جراء جائحة كورونا.
وتثير الخطوة الكثير من الجدل هذه الأيام خاصة وأن أسعار الخدمات والمنتجات تبدو أعلى قياسا بوجهات أخرى في المنطقة، مثل إسبانيا، فضلا عن صعوبة تأقلم السائح الداخلي معها.
ويرى برلمانيون ومواطنون أن الأمر يقتضي إعادة النظر سريعا في الأسعار المرتفعة وتحسين الخدمات لنجاح الخطة.
ولم تنتظر وزارة السياحة انتهاء مرحلة الحجر الصحي، إذ أطلقت حملة ترويجية استباقية تحت شعار “إلى الملتقى” استمرت طوال مدة الحجر التي قاربت 3 أشهر، للتعريف ببعض الوجهات السياحة الداخلية بهدف إعادة الروح إلى أحد أكثر القطاعات تضررا من الجائحة.
وأكد يوسف الزاكي، رئيس المجلس الجهوي للسياحة بجهة الشرق، أن المؤسسة التي يشرف عليها، مستعدة للمرحلة المقبلة ووضعت خطة عمل للتعامل مع الوضع. ونسبت وكالة الأناضول للزاكي قوله إن “رهان القطاع خلال الموسم الحالي هو إقناع المغاربة بجدوى السياحة الداخلية”.
وتابع “المنطقة الشرقية التي تضم واحدة من الوجهات السياحية المعروفة كمدينة السعيدية، وضعت مخططا للترويج الواسع على جميع المنصات والوسائل المتاحة لجذب سياح الداخل”.
بالموازاة مع حملة الترويج للوجهة، والتي يجري التحضير لمثيلاتها على مستوى الجهات الأخرى، يقوم المجلس بحملة تحسيسية لدى الفنادق ومؤسسات الإيواء حول كيفية إعادة التشغيل.
وتكبّد القطاع خسائر كبيرة مدفوعا بتداعيات الأزمة الصحية على الطلب العالمي على السفر، حيث أكدت وزيرة السياحة نادية العلوي، أن عدد السياح الوافدين بنسبة انخفاض بنحو 45 في المئة خلال الربع الأول من العام الجاري بمقارنة سنوية.
كما تراجعت الإقامة في الفنادق بحوالي 42 في المئة، وانخفضت عائدات القطاع بنحو 15 في المئة. ودفعت هذه العوامل المسؤولين عن القطاع إلى التفكير في بديل ينسجم مع متطلبات المرحلة، لتنتهي إلى ضرورة التعويل على السياحة الداخلية للنهوض من كبوتها.
وقد استفادت الشركات السياحية، من الإجراءات التي أقرتها الحكومة للتخفيف من وطأة الأزمة؛ من تأجيل سداد قروضها وإرجاء دفع الضرائب، بالإضافة إلى تقديم القروض بأقل فوائد. كما تمتعت الشركات التي سجلت خسائر بتعويضات شهرية عن فترة التوقف لنحو 70 في المئة من المستخدمين بالقطاع.
ووضعت عدة فنادق نفسها رهن الإشارة لإيواء الأشخاص الذين أجلتهم السلطات من الخارج، فيما تستعد من جديد لاستقبال زبائنها العاديين، بعد شروع الحكومة في التخفيف من قيود الحجر الصحي.
ومع استمرار شكوى السياح المغاربة من ارتفاع أسعار الخدمات الفندقية، دعت شريحة من المغاربة إلى تخفيض أسعار الفنادق والخدمات لتشجيع السياحة.
وقال محمد بابا حيدة، وهو موظف حكومي في تدوينة على فيسبوك إن “السياحة الداخلية في المغرب غير مشجعة، نظرا لغياب المنطق في الأسعار المرتفعة مقابل خدمات بلا جودة”. وأضاف “بلغ عدد السائحين المغاربة إلى إسبانيا عام 2008، نحو 900 ألف شخص. وبلغت مصاريفهم هناك 500 مليون دولار، بحسب تقرير سابق لموقع ميديا 24”.
ويرى الموظف الحكومي أن الفرصة سانحة أمام قطاع للتصالح مع السائح الداخلي، بعد رفع الحجر الصحي وعودة الحياة بشكل تدريجي إلى طبيعتها، لأنه المعول عليه لتحريك عجلة القطاع بعد توقفها للأسباب المعروفة.
ويعتقد القيادي بحزب الاستقلال المعارض، عادل بنحمزة، أن العودة إلى الحديث عن السائح المغربي في لحظات الأزمة فقط، أمر غير جدي إذا لم تتم مراجعة شاملة لطريقة التعامل معه.
وكتب في تدوينة على حسابه في فيسبوك يقول إن الكثير من المغاربة يفضلون الوجهة الإسبانية بعدد يقارب مليون سائح، والأمر في غالبيته لا يتعلق بوجاهة اجتماعية، بل فقط لأن الأسعار هناك أقل من مراكش وأغادير ومارتيل.
وتابع “بالإضافة إلى الإطار العام سواء تعلق الأمر بالنظافة أو توفر المواد الاستهلاكية بأسعار عادية، هذا الاختيار يحمل ملايين الدولارات إلى المنطقة الشمالية”.
ولفت إلى أن هذا الوضع سيستمر إذا لم تتم مراجعة حقيقية للأسعار المعتمدة في كل القطاعات المرتبطة بالسياحة لأنها وللأسف تتعامل مع السائح بصفة عامة باعتباره فرصة لا يجب التفريط فيها.
وحتى يتم إنجاح الموسم السياحي بالشكل المطلوب، أعد المجلس الجهوي للسياحة تقريرا مفصلا بشأن أسعار المبيت في الفنادق، وغيرها من الخدمات، وتبين أن بعضها معقول وفي متناول السائح المغربي، فيما البعض الآخر يحتاج إلى مراجعة كفيلة بتحفيز السائح. ويرى الزاكي أن الأزمة الحالية يمكن أن تكون حافزا لتغيير الرؤية، وبلورة استراتيجية شاملة لتنمية السياحة الداخلية.
ويحتل القطاع المركز الأول من حيث عوائد السلع والخدمات بنسبة تبلغ 22 في المئة، بينما يساهم بنحو 7 في المئة من الناتج الداخلي الإجمالي، وهو ثاني أكبر قطاع مساهم في النمو الاقتصادي.
وضعت عدة فنادق نفسها رهن الإشارة لإيواء الأشخاص الذين أجلتهم السلطات من الخارج، فيما تستعد من جديد لاستقبال زبائنها العاديين، بعد شروع الحكومة في التخفيف من قيود الحجر الصحي
كما تعد السياحة أهم قطاع مشغل لليد العاملة التي تزيد عن 550 ألف وظيفة مباشرة، أي ما يقارب 5 في المئة من فرص العمل المتاحة في السوق المحلية. ووفق بيانات وزارة السياحة، استقبل المغرب العام الماضي حوالي 13 مليون سائح، بزيادة 5 في المئة بمقارنة سنوية.
وحقق القطاع نموا في ليالي المبيت بنسبة 5 في المئة، لتبلغ أكثر من 25 مليون ليلة مبيت بعائدات مالية بقيمة 78 مليار درهم (حوالي 8 مليارات دولار). وأشارت دراسة أجراها موقع ترافل نيوز في العام الماضي إلى أن 45 في المئة من المغاربة يقضون عطلتهم في منزل الأهل أو أحد الأصدقاء.
وفي المقابل يقصد نحو 80 في المئة منهم الفنادق، و70 في المئة يقطنون في شقق أو فيلات للإيجار، أما حوالي 30 في المئة منهم فيتوجهون إلى شققهم أو منازلهم الصيفية الخاصة.