أظهر لقاء جمع وزير الخارجية التونسي نورالدين الري بسفيري الولايات المتحدة في تونس وليبيا وجود تحركات ومساع تهدف إلى تعديل موقف تونس من الملف الليبي، وهو موقف بدا أقرب إلى الرؤية الفرنسية بعد التصريحات التي أطلقها الرئيس التونسي قيس سعيد خلال زيارته لباريس ودعا فيها إلى ضرورة وقف إطلاق النار وإجراء انتخابات تُجدّد الشرعية.
وكان الرئيس التونسي قد قال “السلطة القائمة في ليبيا تقوم على الشرعية الدوليّة، وهي شرعيّة مؤقّتة لا يمكن أن تستمر ويجب أن تحل محلها شرعية جديدة وشرعية تنبع من إرادة الشعب الليبي” الأمر الذي ينزع “الشرعية” عن حكومة الوفاق المدعومة من تركيا والولايات المتحدة.
وبحث وزير الخارجية التونسي، الثلاثاء، آخر مستجدات الأزمة الليبية، مع سفير الولايات المتحدة بتونس دونالد بلوم، وسفيرها بليبيا ريتشارد نورلاند، وفق بيان لوزارة الخارجية التونسية.
وقال بيان الوزارة إن “المحادثة تطرقت إلى مستجدات الأوضاع في ليبيا والجهود الهادفة للدفع في اتجاه التسوية السياسية الشاملة للأزمة في هذا البلد الشقيق”.
وأضاف أنه “جرى خلال اللقاء تبادل وجهات النظر بخصوص المساعي الرامية للتوصل إلى اتفاق نهائي وشامل لوقف إطلاق النار في ليبيا والإسراع باستئناف العملية السياسية برعاية الأمم المتحدة”.
وعارضت تونس في تصريحات سابقة للرئيس قيس سعيد التدخلات الخارجية في الملف الليبي، رافضة أي وجود أجنبي على أراضيها يمكن أن يستفيد منه طرف لتحقيق أجندته في ليبيا، وهو ما اعتبر على نطاق واسع موقفا ضد التدخل التركي والأطراف الإقليمية والدولية المساندة له.
وفيما بدأت تركيا بفرض اتفاقيات اقتصادية على حكومة الوفاق، أخذت الولايات المتحدة على عاتقها مهمة إعادة بناء وزارة الداخلية في طرابلس وسط تساؤلات بشأن سماح واشنطن بإعادة تأهيل الميليشيات المقاتلة وضمها إلى جهاز رسمي ليبي بالرغم من تعارضها مع إستراتيجية الولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب.
ويتساءل مراقبون عن المهمة التي يطلب من تونس أن تتولاها في الملف الليبي، وهي تتعارض مع مواقف الرئيس قيس سعيد، وهل أن الأمر يتعلق بوجود أمني أجنبي على الأراضي التونسية، أم يتعلق باحتضان فعاليات أو لقاءات لترتيب الوضع في ليبيا بما يخدم حلف الإسلاميين والأتراك الذي يلقى الدعم من الولايات المتحدة؟
وتسارعت التحركات نحو تونس بالرغم من أن الوضع في غرب ليبيا، أي المنطقة القريبة من تونس، حُسم عسكريا لفائدة تركيا وحكومة الوفاق، وهو ما لم يفعلوه في عز عملية تحرير طرابلس التي كان يتولاها الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، وكانت “الوفاق” وقتها تحتاج إلى مثل هذه التحركات.
وكان الرئيس التونسي قد قطع الطريق على راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة الإسلامية، الذي وظف صفته رئيسا للبرلمان في محاولة دفع الموقف التونسي نحو الحلف التركي مع ميليشيات طرابلس.
وجدد الوزير الريّ على هامش لقائه بالسفيرين الأميركيين “التأكيد على موقف تونس الثابت من الملف الليبي والقائم على التمسك بالشرعية الدولية وبقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة”.
كما شدد “على ضرورة المحافظة على المسار السياسي كسبيل أوحد لحلّ الأزمة الليبية وفقا لأحكام الاتفاق السياسي وفي إطار حوار ليبي – ليبي من شأنه أن يفضي إلى حل دائم وشامل لهذه الأزمة”، وفق ما جاء في البيان.
وتابع البيان أن الري “ثمّن الدور الذي تقوم به الولايات المتحدة الأميركية في هذا الاتجاه”.
وأبرز الريّ “أن الدبلوماسية التونسية وانطلاقا ممّا يجمع الشعبين التونسي والليبي من أواصر أخوة متينة وعلاقات تاريخية، تشتغل على تحقيق هذا الهدف حفاظا على وحدة وأمن واستقرار ليبيا والمنطقة”.