تفشي كورونا يعمق الأزمة بين السلطات والشارع في الجزائر

تبادل اتهامات بين الحكومة والشارع حول أسباب فشل استراتيجية التصدي لكوفيد – 19

دخل رئيس الوزراء الجزائري، في أول اختبار ميداني منذ تنصيب الحكومة مطلع العام الجاري، حيث يزور عدة محافظات جنوبية وصحراوية كتندوف وأدرار، وسط لغط متصاعد حول أداء الحكومة وتخبطها أمام التحديات التي طرحها وباء كورونا، والشرعية السياسية المهزوزة.

وشد رئيس الوزراء عبدالعزيز جراد، الرحال إلى محافظات جنوبية كتندوف وأدرار، في أقصى الجنوب والجنوب الغربي، في أول زيارة عملية بعد غياب طويل للحكومة عن الشأن الميداني، وذلك وسط تحذيرات من الرئيس تبون، من فشل تلك الزيارات في مد قنوات الثقة بين السلطة والشارع، في ظل الغضب المتنامي والاحتجاجات الشعبية بسبب تدهور شروط الحياة الكريمة وتدني الخدمات. وتأتي زيارة رئيس الوزراء في أجواء استثنائية فرضها التفشي اللافت لوباء كورونا في الآونة الأخيرة، مما استدعى الإبقاء على حالة الحجر الصحي والإجراءات الاحترازية المتصلة بها إلى غاية منتصف شهر يوليو الجاري، وذلك وسط اتهامات متبادلة بين الحكومة والشارع حول مصدر توسع انتشار العدوى. ويبدو أن أزمة الحكومة الجزائرية أعمق من مجرد تحديات اقتصادية واجتماعية وحتى صحية، بعد تسلل الغسيل الداخلي إلى الخارج، غداة طرح مسألة الوزراء الأقوياء والوزراء الشكليين من طرف كاتب الدولة لشؤون رياضة النخبة نورالدين مرسلي، الذي أقيل في التعديل الأخير.

وصرح العداء العالمي الذي لم يعمر في منصبه أكثر من ستة أشهر، لتخلفه الرياضية سليمة سواكري، بأن “كاتب الدولة في أميركا أو أوروبا هو منصب عملي ومحترم، وأنا جئت لهذه الوزارة من أجل نقل خبرتي العملية وتجسيدها لإنتاج رياضيين نخبويين وليس من أجل بريق المنصب”.

وأضاف “صورتي وسمعتي الرياضية مدونة في كل المدونات العالمية، ولم آت للوزارة من أجل الأضواء أو المزايا، ولذلك شددت دوما على ضرورة توفير الإمكانيات والصلاحيات اللازمة للنهوض بالقطاع، ولا يمكن أن أقبل بأن أكون مجرد واجهة لتجميل صورة ما”.

وأعاد تصريح كاتب الدولة مرسلي، مسألة موقع ونفوذ الوزراء داخل الحكومة الواحدة، الذي ظل بعيدا عن التداول، حيث ظل الوزراء المدعومون من طرف جهات قوية يستحوذون على القرار، بينما يوظف آخرون في إخراج صورة شكلية لا غير.

وكان الرئيس عبدالمجيد تبون، قد حذر وزراءه في اجتماع مجلس الوزراء الأخيرة، مما أسماه بـ”الزيارات الاستعراضية والتصريحات غير المحسوبة”.

الحكومة الجزائرية تراجع إجراءات رفع الحظر الجزئي
الحكومة الجزائرية تراجع إجراءات رفع الحظر الجزئي

وبرر ذلك بـ”حاجة البلاد إلى إرساء قواعد ثقة بين المسؤولين والشعب، وإضفاء المصداقية على خطاب وأداء الحكومة”، وهو ما يوحي باستشعار الرجل لعواقب الثقة المهزوزة في المؤسسات الرسمية المنبثقة عن انتخابات الرئاسة الأخيرة، وتفاقم حالة الغضب والاستياء لدى الشارع الجزائري، من إخفاقات الحكومة في التكفل بالانشغالات المتراكمة، حيث شكلت الاحتجاجات الأخيرة التي عرفتها بعض البلدات الجنوبية أجراس انذار حقيقي من انفجار اجتماعي وشيك.

وفيما أكد جراد في مدينة تندوف، على أننا “سنصلي في المساجد لمّا يرفع عنا الوباء”، ردا على منتقدي استمرار غلق المساجد وحظر صلاة الجمعة والجماعة، فإنه عاد وحمّل مسؤولية العودة القوية لوباء كورونا في الأيام الأخيرة، إلى من أسماهم بـ”المتهورين من المواطنين”، ولـ”الراغبين في بث الفوضى في البلاد”.

وتجددت بذلك التهم المتبادلة بين الحكومة والشارع حول المتسبب في الانتشار الواسع للجائحة في الآونة الأخيرة، بعد الاعتقاد أن البلاد سائرة نحو التعافي التدريجي من العدوى، لكن الصعود المطرد للوباء أعاد الوضع إلى مربع الصفر ودفع الحكومة إلى مراجعة تدابير الرفع التدريجي للحظر المتخذ منتصف الشهر المنقضي.

وصرح رئيس الوزراء من محافظة أدرار، “هناك فئة من المواطنين غير واعية بالمخاطر الصحية تتحمل مسؤولية تطور جائحة كورونا ببلادنا في الأسابيع الأخيرة، ومن لا يحترم شروط الوقاية ووضع الكمامة، يتحمل مسؤولية غير مباشرة في وفاة بعض الجزائريين ما داموا لم يحموا أنفسهم”.

وأضاف “الناس الذين يشجعون غيرهم وخاصة من الشباب للخروج دون كمامة ودون وقاية، لهم خلفيات أخرى وهم لا يقيمون بالجزائر، ولا يمكن أن نقبل بوجود أشخاص يريدون أن تصل البلاد إلى الفوضى ولهم أغراض أخرى”.

وألمح رئيس الوزراء في تصريحه، إلى بعض الناشطين الراغبين في العودة إلى الاحتجاج السياسي، واتهامهم للحكومة بتوظيف الجائحة في تفكيك الحراك الشعبي، وهو ما أفضى إلى تسجيل مظاهرات شعبية في مدينتي بجاية وتيزي وزو “القبائل” خلال الأسابيع الأخيرة، في حين ارتفعت العديد من الأصوات من أجل فتح المساجد في ظل السماح لفضاءات أخرى بفتح أبوابها أمام الأشخاص.

ومع بقاء احصائيات الوفيات في حدود السقف المسجل منذ بداية العدوى، إلا أن البلاد سجلت أرقاما قياسية في عدد الإصابات التي فاقت الـ300 حالة في اليوم، مما دفع الحكومة في مجلس الوزراء الأخير، إلى مراجعة إجراءات رفع الحظر الجزئي والعودة إلى تدابير أكثر تشدد، خاصة تلك المتصلة بمسألة التباعد الاجتماعي.

 

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: