جدل في الجزائر بشأن تولي مزدوجي الجنسية للمناصب السامية
تتالت سقطات السلطة الجزائرية في الآونة الأخيرة بشكل لافت، مما يعزز حالة الارتباك التي يدار بها الشأن العام، ويعمق الشكوك القائمة حول تعدد الرؤوس الفاعلة في هرم النظام، وهو ما يقدم ذريعة مجانية لخصومها الذين يستغلون سقطاتها في الشرعية الشعبية النسبية التي أفرزت عبدالمجيد تبون رئيسا للبلاد في انتخابات ديسمبر الماضي.
وأثار تنازل النائب البرلماني عن الجالية الجزائرية في فرنسا سمير شعابنة، عن منصب كاتب دولة لدى رئيس الوزراء مكلف بشؤون المجموعة الوطنية في المهجر، جدلا واسعا في الشارع الجزائري، ليعيد بذلك سيناريو سابق سجل خلال إحدى حكومات الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، لمّا أعلن عن تسمية مسعود بن عقون وزيرا للسياحة، ثم تم التراجع عن القرار غداة تنصيبه.
وأكد بيان صادر عن الرئاسة الجزائرية، إلغاء تعيين سمير شعابنة، في منصب كاتب دولة مكلف بشؤون الجالية، وبرر ذلك بـ”رفض الرجل التنازل عن جنسيته الثانية، وفق مقتضيات البند الـ63 من الدستور الساري”، وهو ما أثار انتقادات شديدة للسلطة بسبب ما وصف بـ”التهاون في المسائل السيادية”، وعلق مدونون بالقول “اللوم لا يوجه لشعابنة، بقدر ما يوجه للجهة التي عينته، حيث أبانت بهذا الخلل عن تفريط كبير في إدارة الشأن العام”.
وتزامن تنازل شعابنة عن حقيبة كتابة الدولة، مقابل الاحتفاظ بجنسيته الثانية (الفرنسية)، على اعتبار أن الدستور الساري يحظر شغل مزدوجي الجنسية لأي منصب سام في الدولة، مع سجال بين وزير الاتصال والناطق الرسمي للحكومة عمار بلحيمر، ووزير العدل بلقاسم زغماتي، على خلفية الحضور المثير للجدل، من قبل رئيس الوزراء السابق المسجون أحمد أويحيى، لجنازة شقيقه المحامي العيفة أويحيى.
وذكر مصدر مطلع، أن “سمير شعابنة كان متحمسا لشغل منصب تنفيذي في الحكومة، ولم تُثَر مسألة الجنسية الثانية سواء قبل التنصيب أو بعده، إلا أن الجهة الأمنية المخولة بالتحقيق في الشخصيات، أبلغت رئاسة الجمهورية متأخرة عن سلبية ملف الرجل”، ولم يتسن لـ”أخبارنا الجالية ” التأكد من طبيعة السلبية، إنْ كانت تتعلق بقضية الجنسية الثانية أم بشيء آخر.
ولم يصدر أي توضيح أو تعليق من طرف المعني إلى حد الآن، ليعيد بذلك طرح جدل مزدوجي الجنسية، في ظل حمل الكثير من المسؤولين السامين في الدولة لجنسية ثانية، وتتحدث بعض الإحصائيات عن 50 ألف مسؤول جزائري يحملون جنسية فرنسية إلى جانب جنسيتهم الأصلية.
وإذ ارتبط القرار المذكور بأمزجة سياسية بين الفاعلين في سلطة بوتفليقة، فإنه قدم صورة قاتمة عن كيفية إدارة الشأن العام في البلاد وأساء لسمعتها، وكان واحدا من الروافد التي غذت ثورة الجزائريين السلمية في وجه النظام، وتكرار نفس السيناريو مع سمير شعابنة يؤكّد ثبات السلطة على تقليدها وممارساتها المثيرة.
وجاء السيناريو في أعقاب تعديل حكومي أجراه الرئيس عبدالمجيد تبون، على طاقم رئيس الوزراء عبدالعزيز جراد، تم بموجبه إنهاء مهام عدد من الوزراء وعلى رأسهم وزير المالية عبدالرحمن راوية، وتغيير مناصب وزراء آخرين كشمس الدين شيتور، الذي نقل من حقيبة التعليم العالي إلى حقيبة جديدة للطاقات المتجددة.
وفيما كان الرأي العام يتطلع إلى تقليص عدد الوزراء وكتاب الدولة، تماشيا مع الوضع الاقتصادي المتعثر الذي تعيشه البلاد، وحتمية اللجوء إلى خيار التقشف كملاذ وحيد لعقلنة نفقات الدولة، فاجأ الرئيس تبون الجميع بالكشف عن طاقم يتشكل من 39 وزيرا وسبعة كتاب دولة.
وفيما أثار الإعلان عن تعيين سمير شعابنة، مقدمة للتراجع عن البند الذي يحظر على مزدوجي الجنسية شغل أي منصب سام في الدستور القادم، فإن قرار التنازل أثار موجة من الاستفهامات حول خلفياته الحقيقية، إذا ما كانت تتصل برغبة الرجل في عدم التفريط في جنسيته الثانية، رغم مغريات منصب كاتب الدولة، أم تتعلق بتراجع من طرف المقرر في آخر المطاف.
ورغم ارتباط المسألة بقضية السيادة الوطنية في خطابات السلطة، إلا أن الممارسة الخفية لهؤلاء هزت صدقية الخطاب، مما استدعى إدراج حظر ازدواج الجنسية في المناصب السامية في تعديلات العام 2016 لدستور البلاد، غير أنه لقي انتقادات كبيرة بدعوى “تعمد إقصاء الكفاءات التي اضطرت إلى الهجرة وإلى حمل جنسية ثانية”.