تحسين أوضاع الأسر أوّل الحلول للتصدي لتشغيل الأطفال في المغرب

تؤكد العديد من منظمات المجتمع المدني في المغرب أن تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للعديد من الأسر المغربية التي تعاني من الفقر والبطالة، هو أوّل الحلول الكفيلة بالتصدي لظاهرة تشغيل الأطفال في البلاد، حيث تعالت نداءات كثيرة تطالب بتوفير الحماية الاجتماعية والقانونية الملائمة لوقف انتهاك حقوق الأطفال واستغلالهم.

ارتفعت أصوات في المغرب تنادي بتوفير الحماية القانونية ضد تشغيل الأطفال وذلك من خلال تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية للأسر التي تعاني أوضاعا تدفعها للاعتماد على عمالة أبنائها.

وأوضحت مريم العثماني، رئيسة جمعية “إنصاف”، الناشطة في مجال حماية حقوق المرأة والطفل، أن تشغيل الطفل القاصر يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون بالسجن، وكذلك جريمة أخلاقية، مؤكدة أنه ليس هناك عذر أو تبرير لتشغيل الأطفال، وأنه ليس لأحد الحق في التضحية بحياة طفل حتى أسرته.

وتم إطلاق خطة عمل لحماية الأطفال من الاستغلال، تفاعلا مع الدعوات المنادية بالتصدي لتشغيل الأطفال. وتشمل هذه الخطة الحماية القضائية والتكفل الطبي والنفسي والرعاية الاجتماعية وإعادة الإدماج في مؤسسات التربية والتدريب.

وتشترك في إطلاق هذه المبادرة كل من وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة ورئاسة النيابة العامة والأجهزة الحكومية والمنظمات الوطنية والجمعيات المتدخلة في مجالي حقوق الطفل والشؤون الاجتماعية.

ويترك غالبية الأطفال الذين يتم تشغيلهم مقاعد الدراسة مضطرين ليعملوا في النجارة والحدادة والتجارة والوحدات الإنتاجية التي تستقطب أطفالا أعمارهم أقل من 15 عاما. وتتركز هذه الظاهرة في القرى والأرياف في إطار المساعدة التي يقدمها الأطفال لأفراد عائلاتهم في القيام بالأعمال الزراعية، أما في الوسط الحضري فتكون القطاعات الأكثر استقطابا للأطفال هي قطاع الخدمات والصناعة التقليدية.

ويؤكد باحثون في العلوم الاجتماعية أن الضغوط المادية ومتطلبات الحياة التي تعجز الأسرة عن تأمينها تدفعها إلى تحميل الأطفال في سن مبكرة مسؤولية إعالتها، كما يعد التفكك الأسري من بين الأسباب الأخرى التي تفاقم هذه الظاهرة الاجتماعية وتزيد في انتشارها.

ويتوقع هؤلاء أن تزيد ظاهرة تشغيل الأطفال والاتجار بهم واستغلالهم، إذا لم تتم معالجتها، بسبب ارتفاع نسبة الفقر والبطالة وفقدان العديد من الأسر موارد رزقها بسبب الأزمات الاقتصادية.

وتخشى الجمعية المغربية لحقوق الإنسان من ارتفاع نسبة تشغيل الأطفال بالمغرب بسبب الانقطاع الطويل عن الدراسة وفشل التعليم عن بعد، وغياب مقاربة للاهتمام بحقوق الطفل عموما، بالإضافة إلى إحالة العديد من أرباب الأسر على البطالة، خاصة العاملين في القطاع غير النظامي والاقتصاد الموسمي، ما يرفع نسب عمالة الأطفال من الذكور والإناث.

وتضطر بعض الأسر إلى دفع بناتها الصغيرات للعمل في خدمة المنازل بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية الهشة دون إدراك المشكلات النفسية والاجتماعية التي ستعاني منها تلك الفتيات بسبب تعرضهن للعنف الجسدي واللفظي والعزل في حالات كثيرة.

الضغوط المادية ومتطلبات الحياة التي تعجز الأسرة عن تأمينها تدفعها إلى تحميل الأطفال في سن مبكرة مسؤولية إعالتها

وينتهك الكثير من مشغلي الفتيات القاصرات القانون بجعلهن يعملن لأكثر من 100 ساعة في الأسبوع، متجاهلين الحماية القانونية التي توفرها الدولة.

وقدرت دراسة مغربية، أجريت في 2009، بأن عدد الخادمات الصغيرات يصل إلى عشرات الآلاف حيث تتراوح أعمارهن بين 8 سنوات و16 سنة. وتقول الدراسة إن هؤلاء يخضعن لسلطة المشغّل ويجبرن على العمل ساعات طويلة وفي ظروف غير إنسانية كحرمانهن من التغذية الجيدة والرعاية الصحية والنفسية، إضافة إلى تعرضهن للعنف اليومي والمعاملة السيئة من طرف ربات البيوت.

وتعتبر أمينة رضوان، الباحثة في العلوم القانونية، أن هناك تشجيعا من طرف المشغلين لظاهرة عمالة القاصرين وذلك لقلة أجورهم وعدم شمولهم بالتأمين الصحي والضمان الاجتماعي، وسهولة الاستغناء عنهم، وأيضا عدم امتناعهم عن الشغل لساعات طوال، إلى جانب عدم مبادرتهم برفع قضايا ضد أرباب عملهم.

وتلفت المؤشرات إلى المزيد من انتشار العمل القسري للأطفال واستخدامهم في الأنشطة غير المشروعة. وأوضح عبدالعالي الرامي، رئيس جمعية منتدى الطفولة، أن ما يشجع ظاهرة تشغيل الأطفال يتمثل في استغلال ظروفهم بأقل التكاليف، وطاعة الطفل لرب العمل، وانتشار ثقافة خاطئة لدى الأسر الفقيرة مفادها أنه لا نفع من الدراسة بما أنها تقود نحو البطالة.

وتتنامى ظاهرة تشغيل الأطفال قسرا رغم المجهودات المبذولة من الدولة والمجتمع المدني للتصدي لهذه الانتهاكات التي تؤثر سلبا على هذه الفئة الضعيفة وتسلبهم حقوقهم في التعلم واللعب وإجبارهم على القيام بأعمال تفوق قدرتهم البدنية والعقلية.

وتشغل مصانع التعليب والقطاع الزراعي والمهن اليدوية الكثير من الأطفال القاصرين. وغالبا ما تكون خادمات البيوت من القاصرات رغم أن المغرب سن قانونا يحدد فيه شروط تشغيل الأطفال والخادمات.

وأكّدت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان على ضرورة تحمُّل الدولة مسؤولياتها في مراقبة استفادة جميع الأطفال، خاصة في الأرياف، من حقهم في تعليم مجاني وجيد وضمان إعادة تأهيلهم ودمجهم اجتماعيا مع أخذ احتياجات أسرهم بعين الاعتبار.

أما الجمعية المغربية لتربية الشبيبة “أميج”، المهتمة بالطفل، فقد أوصت باتخاذ التدابير اللازمة لبلورة خطة وطنية تنفذ على قاعدة بيانات وإحصاءات مفصلة ودقيقة حول وضعية الطفولة في المغرب واستثمارها في وضع سياسات وبرامج لفائدة الطفل مع الحرص على إشراك المنظمات غير الحكومية المهتمة بحقوق الطفل.

وأكدت الجمعية المغربية لتربية الشبيبة على ضرورة العمل على وضع إستراتيجية وطنية تحد من الاستغلال الاقتصادي للأطفال وخاصة تشغيل الفتيات في خدمة المنازل من أجل تجاوز ضعف الآليات الحمائية.

ودعت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان الدولة إلى معالجة الاختلالات العميقة المنتجة لهذه الظاهرة، بالتصدي للهشاشة والفقر والبطالة والأمية ومحو التفاوتات المجالية والاجتماعية الشاسعة، عبر سياسات اقتصادية تروم تحقيق العيش الكريم وإحلال العدالة الاجتماعية.

كما طالبت الجمعية المغربية لتربية الشبيبة منظمات المجتمع المدني المهتمة بحقوق الطفل لرفع قضايا في ما يتعلق بتشغيل الأطفال وتشكيل جبهة وطنية تساهم في خلق مؤسسة وطنية مستقلة تعنى بحقوق الطفل وتتلقى الإشعارات بخصوص الانتهاكات التي تتعرض لها هذه الفئة، إلى جانب العمل على إصدار مدونة خاصة بحقوق الطفل.

وشددت وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والأسرة على الأولوية التي تحتلها الطفولة في سياساتها وبرامجها، مع حرصها على إعطاء الأولوية لمشاريع القرب ذات الأثر المباشر على وضعية الأطفال وأسرهم، سواء عبر إطلاق الأجهزة المحلية لحماية الطفولة ضد مختلف أشكال العنف والاستغلال والإهمال أو من خلال إحداث إسعافات اجتماعية متنقلة للأطفال في وضعية الشارع.

وتطالب منظمة طلائع أطفال المغرب بالمزيد من الصرامة من قبل الجهات المعنية بإعمال واحترام القانون ومعاقبة المشغلين المنتهكين له، وكل من ثبتت إدانته في التحريض أو الوساطة أو المشاركة “بأي طريقة كانت في هذه الجريمة الإنسانية ضد الأطفال بشكل مباشر وأسرهم”.

ويعتبر القانون المتعلق بتحديد شروط العمل في خدمة المنازل، الذي دخل حيز التنفيذ في العام 2018، نقلة نوعية في مجال إقرار الحقوق الأساسية لهذه الفئة نظرا للخصوصيات التي يتميزون بها، حيث يوفر لهم حماية قانونية خلال مزاولتهم لعملهم ويضمن حقوقهم من ضمان اجتماعي وتغطية صحية للنهوض بوضعيتهم الاقتصادية والاجتماعية بشكل عام.

وأكدت العثماني أن ظاهرة تشغيل الطفلات ما زالت مستمرة، لكن بشكل متستر، رغم دخول قانون الخادمات حيز التنفيذ قبل سنتين، وأضافت “لا تعلم الجمعية التأثير الحقيقي لهذا القانون على هذه الفئة الاجتماعية في ظل غياب إحصائيات دقيقة وموثوق بها”.

ويشترط القانون أن يكون العمر الأدنى للعمل في الخدمة المنزلية 18 سنة. لكن منظمة طلائع أطفال المغرب تشير إلى أنه رغم ذلك لم يحل هذا القانون دون انتشار ظاهرة تشغيل القاصرات في خدمة المنازل.

وطالبت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بسن سياسات عمومية وفق إستراتيجية واضحة تكفل احترام حقوق الأطفال، وتسعى إلى القضاء على ظاهرة تشغيلهم وضمان عدم استغلالهم.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: