ارتباك السياسات الحكومية يعمق أزمة الخطوط الجزائرية
تزايدت محنة المسؤولين لإنقاذ الخطوط الجزائرية الغارقة في أزمات كثيرة منذ سنوات وضاعفت من حدتها أزمة الوباء نتيجة استمرار إغلاق المجال الجوي أمام الرحلات، ما جعلها تتكبد خسائر بملايين الدولارات خلال ثلاثة أشهر مع غياب الحلول العاجلة لتفادي شبح إفلاس الشركة الحكومية.
فاقمت جائحة كورونا الأزمة، التي تتخبط فيها الخطوط الجوية الجزائرية، منذ سنوات بسبب غياب استراتيجيات واضحة تجعل من الشركة الحكومية تعمل على أسس مستدامة حتى في أوقات الأزمات.
ورغم دخول جميع الأطراف الحكومية والنقابية في هدنة مؤقتة منذ الإعلان عن حزمة التدابير الوقائية وعلى رأسها حظر حركة الطيران الداخلي والخارجي، إلا أن الشركة تكبدت خسائر كبيرة، يتوقع أن تزيد من حدة الاختلالات المالية للشركة.
وتشير التقديرات الرسمية إلى أن الشركة تعرضت لخسائر منذ بداية إغلاق المجال الجوي في أواخر شهر مارس الماضي، خشية تفشي فايروس كورونا، بلغت بنحو 350 مليون دولار.
ودخلت الخطوط الجزائرية في استعدادات حثيثة تحسبا لرفع قرار حظر الملاحة الجوية، والعودة إلى الناشط العادي، أملا في تدارك الحد الأقصى من الخسائر التي تكبدتها خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة.
واعتبر خبراء أن الشلل الذي ضرب رحلات الخطوط الجزائرية ما هو إلا قمة جبل المشكلات، التي تعاني منها الشركة الحكومية والتي تخفي وراءها أزمات مزمنة خلفتها السياسات المرتبكة للحكومات المتعاقبة.
وأفاد الناطق الرسمي للشركة الأمين الأندلسي بأن “الجوية الجزائرية شرعت في عملية تجديد صلاحية أكثر من نصف مليون تذكرة سفر تخص رحلات داخلية ودولية، كان قد تم شراؤها ولم تستهلك بسبب تعليق النقل الجوي في الـ18 من مارس الماضي”.
ولفت إلى أنه منذ صدور قرار حظر الملاحة الجوية في البلاد، في إطار مواجهة وباء كورونا، تم إلغاء 17 ألف رحلة، تتضمن نحو 600 ألف تذكرة.
وأوضح الأندلسي أنه تمت تعبئة وكالات الشركة في أربع ولايات كمرحلة أولى والعاصمة ووهران وقسنطينة وعنابة، وقد تم تسجيل حضور أعداد من الزبائن بغرض تمديد صلاحية تلك التذاكر.
ورغم ربط مسؤولي الشركة مسألة عودة نشاط الخطوط الجزائرية بالوضعية الصحية وبما تقرره السلطات العليا للبلاد، إلا أن تحضيرات لافتة تمت معاينتها على مطارات البلاد وعلى طائرات النقل، مما يرجح فرضية العودة القريبة لاسيما وأن الشركة لم يعد بإمكانها تحمل المزيد من الخسائر.
ويتطلع المسافرون وعمال ومسؤولو الشركة إلى عودة قريبة للنشاط تكون مطلع الشهر المقبل، خاصة مع حرص الخطوط الجزائرية على احترام قواعد السلامة والتباعد الاجتماعي وإمكانية تقليص طاقة الاستيعاب إلى الثلثين أو النصف، وإن كان الإجراء نفسه لم يتضح من يتحمل خسائره: الشركة أو المسافرون؟
وحفاظا على تنافسية الشركة مع شركات الطيران الدولية، كشف الأندلسي أن معظم التذاكر طلب أصحابها تأجيلها إلى ما بعد شهر سبتمبر المقبل، وأن تغيير التواريخ يتم بصفة مجانية في نفس الدرجة وطوال فترة صلاحية التذكرة قبل تاريخ الرحلة.
وأكد أن زبائن الشركة يستفيدون من تعديلات دون تكلفة في نفس المقصورة وإلى كل الوجهات في نفس البلد، بالنسبة للرحلات الممتدة إلى غاية 31 مارس من العام القادم، وأن التذكرة قابلة للتعويض في حالة عدم الاستخدام بعد هذا التاريخ.
واضطرت إدارة الشركة إلى تقليص رواتب موظفيها خلال الأشهر الأخيرة، بسبب الخسائر الناجمة عن قرار وقف الملاحة الجوية، وتم إشراك النقابات الناشطة في القرار تفاديا لأي ردود فعل من الموظفين والعمال، خاصة وأن الشركة عانت في السنوات الأخيرة من سلسلة اضطرابات متجددة لأسباب مختلفة.
وتعيش الخطوط الجزائرية وضعية اقتصادية ومالية هشة، بسبب ارتباطها بالقرار السياسي في البلاد، مما كلفها إمكانية المنافسة مع شركات الطيران الدولية العاملة بالبلاد في مجال الأسعار ومستوى الخدمات.
ولا تزال الحكومة مترددة في الانضمام إلى اتفاقية السماوات المفتوحة قياسا بشركتي الطيران الحكومتين في كل من تونس والمغرب من خلال الترويج لتبريرات تتعلق بمحاولاتها إنقاذ الشركة من شبح الإفلاس.
وكثيرا ما تتلقى الشركة انتقادات شديدة من المسافرين المحليين والمهاجرين، بسبب غلاء الأسعار مقارنة بشركات الطيران في المنطقة، مما حرم بعضهم من التضحية بإجازاتهم السنوية في مسقط رأسهم أو ببعض أفراد العائلة، نظرا للتكلفة الكبيرة لسفر عدة أفراد من عائلة واحدة إلى بلادهم.
وسبق للمستشار في إدارة الشركة محمد شارف أن اعترف بدخول الخطوط الجزائرية في أزمة معقدة بسبب التوتر المهني والاجتماعي السائد وغياب الثقة بين الإدارة والشركاء الاجتماعيين.
لا تزال الجزائر ترفض الانضمام إلى اتفاقية السموات المفتوحة خشية انهيار شركة الطيران الحكومية
واضطرت الشركة أحيانا للجوء إلى القضاء لإبطال شرعية الإضرابات المتكررة، لعلمها المسبق بانحياز القضاء لصالح الشركات الحكومية.
ويرى مختصون في النزاعات القانونية أن لجوء الشركات الحكومية ومنها الخطوط الجزائرية إلى القضاء للحد من الإضرابات لن يحل المشكلة لأنه يبقي أسباب الاحتقان قائمة وإمكانيات العودة إلى إضرابات أخرى ممكنة بقدر ما يضمن وتيرة العمل داخل الشركة.
وتعاني الشركة من تخمة في تعداد العمال والموظفين حيث ناهزت القوى العاملة فيها سقف العشرة آلاف موظف، ولا تزال عاجزة عن القيام بأي عملية تسريح لاستعادة توازناتها المالية نظرا لكلفة الرواتب الباهظة.
وأكبر عائق سجلته الإدارات المتعاقبة على الشركة، هو اصطدامها في كل مرة بالضغوط الفوقية، نظرا لاستغلال الشركة من طرف النافذين في مؤسسات الدولة لتوظيف أبنائهم وأقاربهم في المناصب المهمة والمسؤولة.
وسبق لجمعية مهاجرة في فرنسا، تتشكل من جالية جزائرية، أن نشرت لائحة طويلة بأسماء وهوية المسؤولين في مؤسسات وفروع ومكاتب الشركة وجميعهم يرتبطون عائليا بمسؤولين كبار في الدولة وبجنرالات وضباط الجيش وبوزراء في الحكومة.
وتحتكر الشركة الحكومية النقل الجوي الداخلي والخارجي، وهو القطاع الوحيد الذي تهيمن عليه الحكومة بشكل كامل، بعد استبعاد القطاع الخاص بشكل نهائي قبل 16 عاما.
واضطرت السلطات في عهد نظام عبدالعزيز بوتفليقة إلى اتخاذ ذلك القرار إثر فشل تجربة شركة خليفة آيروايز الخاصة، التي أسسها رجل الأعمال الجزائري عبدالمؤمن رفيق خليفة في 1997 بسبب ارتباطه بفضيحة فساد تسببت في خسائر تقدر بنحو 5 مليارات دولار للدولة والمساهمين.
ورغم أن الشركة تستحوذ على أكثر من 90 في المئة من حركة الملاحة الجوية في البلاد، إلا أنها اضطرت في أكثر من مرة إلى جدولة ديونها لدى البنوك المحلية، في إطار عملية تجديد أسطولها الجوي التي بدأت العام 2013.
لكن مصادر نقابية حملت مرارا إدارة الخطوط الجزائرية مسؤولية الاختلالات المالية التي تعيشها الشركة، بسبب ما تصفه بـ”التغافل عن تحصيل مستحقاتها لدى مؤسسات رسمية”.