من يخطط لتحميل بوتفليقة مسؤولية ملفات الفساد في الجزائر
تتواصل في الجزائر أطوار محاكمة مسؤولين كبار ورجال أعمال مقربين من الرئيس السابق، في أجواء تشوبها المفارقات والمفاجآت حول تبديد أموال طائلة من مقدرات البلاد، ووسط تساؤلات عن استمرار غياب الرجل الأول في النظام عن المحاكمات حتى بصفة شاهد، لاسيما وأن الإفادات المقدمة حمّلته كلها مسؤولية ما وقع.
واستدعى القضاء الجزائري عددا من المسؤولين والوزراء ورجال الأعمال، للاستماع إليهم في قضية سوفاك، مما اعتبر إدانة صريحة لنظام الرئيس بوتفليقة، خاصة بعدما أجمعت عدة إفادات على تحميله مسؤولية ما وقع كما هو الشأن بالنسبة لرئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى، ووزير الأشغال العمومية عمار غول.
وتم الاستماع إلى كل من رئيسي الوزراء أويحيى، وعبدالمالك سلال، والوزراء يوسف يوسفي وعمار غول، وعمارة بن يونس، ومحجوب بدة، وبوجمعة طلعي، كمتهمين ومحمد حطاب كشاهد، إلى جانب رجلي المال مراد علمي وعلي حداد.
وتمت إدانة كل من أحمد أويحيى بـ12 سنة سجنا نافذة، ورجل الأعمال مراد علمي بعشر سنوات سجنا نافذة، ووزير الصناعة السابق يوسف يوسفي بثلاث سنوات سجنا نافذة وغرامة بمليون دينار، ونفس العقوبة المسلطة في حق عمر بوذياب الرئيس المدير العام السابق للقرض الشعبي الجزائري، إلى جانب أحكام غيابية في حق كل من وزير الصناعة السابق عبدالسلام بوشوارب، وفتيحة بن موسى زوجة مراد عولمي بـ20 سنة سجنا نافذة.
ويستمر تحييد الرئيس الجزائري الأسبق عبدالعزيز بوتفليقة عن المحاكمات المفتوحة ضد عدد من المسؤولين ورجال المال المقربين منه، رغم أن إفادات قدمت في ملف “سوفاك”، حملته مسؤولية ما وقع من تبذير وتبديد للأموال العمومية، باعتباره المسؤول الأول عن الدولة الذي كان يحتكر كل القرارات السياسية والاقتصادية.
ولا يزال غياب المحكمة المختصة عائقا أمام إمكانية استدعاء الرجل للمحاكمة كشاهد أو كمتهم، حيث قضت التعديلات التي جرت في 2016 على الوثيقة الدستورية الأولى في البلاد، على إنشاء محكمة خاصة للنظر في شخص رئيس الجمهورية، إلا أن المحكمة المذكورة لم تؤسس إلى حد الآن.
استحواذ مسؤولين وضباط في الجيش ورجال أعمال على أموال ضخمة من الخزينة العمومية
وكشفت الإفادات المقدمة في قضية “سوفاك” (شركة خاصة لتركيب السيارات)، عن مفارقات صادمة للرأي العام، بعدما أكدت ما ذهب إليه في وقت سابق تقرير لصحيفة الوطن المحلية الناطقة بالفرنسية حول ما أسمته بـ”جمهورية الأبناء”، في إشارة إلى استحواذ أبناء وأقارب المسؤولين الكبار وضباط في الجيش ورجال أعمال على امتيازات استثمارات وأموال ضخمة من الخزينة العمومية.
وفيما استفاد رجل الأعمال المسجون علي حداد من قروض بنكية تقدر بـ18 مليار دولار، استحوذت ريم سلال ابنة رئيس الوزراء السابق عبدالمالك سلال، المتواجد هو الآخر في السجن، على امتيازات عقارية قدرت بسبعة آلاف هكتار في عدد من محافظات الجمهورية، بينما استفاد مالك شركة سوفاك رجال الأعمال مراد علمي من أكثر من مليار دولار.
وأطلق مدونون على شبكات التواصل الاجتماعي العنان للتعليق على مفارقات تبديد مقدرات البلاد، بتقدير امتيازات ابنة رئيس الوزراء عبدالمالك سلال، بمساحة إحدى الدول العربية، بينما علق آخر بالقول “كنا نقيم على تراب ريم سلال ونحن لا ندري!”.
وتواصل السلطة ممارسة التعتيم على أطوار المحاكمة المثيرة، حيث قامت سلطة ضبط السمعي البصري، باستدعاء مدير مجمع الشروق الإعلامي الخاص لإنذاره عما تم نشره في الصفحة الرسمية للقناة على شبكة فيسبوك، بخصوص الإفادة التي قدمها رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى.
ورغم تغييب الموت لشقيقه ومحاميه العيفة أويحيى الاثنين، والحضور المثير للرجل إلى جنازة شقيقه بعدما سمح له القضاء بذلك، وتسويقه في صورة مهينة ومذلة وهو مكبل اليدين وممسوك من طرف عناصر الدرك، إلا أن أحمد أويحيى، ظهر متوازنا في المحاكمة وقدم إفادة ألمح فيها إلى “تحميل المسؤولية للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، على اعتبار أنه كان صاحب القرار الأول في البلاد”، كما أشار إلى “استنزاف الأجانب لأموال ضخمة في قطاع البناء”، وهو اتهام مبطن للرئيس الحالي عبدالمجيد تبون، باعتباره كان وزير السكن والعمران لسنوات طويلة خلال حقبة بوتفليقة.
ويعتبر قطاع تركيب السيارات المستحدث العام 2014، من أكبر القطاعات فسادا في البلاد، وتبديدا لمخزون العملة الصعبة، حيث احتكره عدد من رجال الأعمال المقربين من الرئيس السابق، ومن مستشاره الشخصي وشقيقه الأصغر سعيد بوتفليقة، الذي يبقى هو الآخر مبعدا عن قضايا الفساد المالي والسياسي، رغم أنه كان الحاكم الفعلي للبلاد بالنيابة عن الرئيس الفعلي منذ العام 2013. ويقضي سعيد بوتفليقة عقوبة سجن لمدة 15 عاما نافذة، في سجن البليدة العسكري، بعدما اتهم بتدبير مؤامرة لقلب النظام والمساس بقيادة الجيش، إلى جانب كل من رئيسي جهاز الاستخبارات السابقين محمد مدين (توفيق)، وعثمان طرطاق (بشير)، ورئيسة حزب العمال لويزة حنون، التي برأت بعدها أثناء استئناف الحكم.
وبقي الرجل الذي أدار خيوط اللعبة السياسية في البلاد، منذ إصابة شقيقه بوعكة صحية العام 2013، إلى غاية أبريل 2019، بعدما أجبر الجيش الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة على التنحي عن السلطة تحت ضغط احتجاجات الحراك الشعبي، بعيدا عن ملفات الفساد رغم أن تقارير مختلفة تتحدث عن ثروة للرجل تقدر بمليارات الدولارات، وهو الذي كان نقابيا لأساتذة التعليم الجامعي قبل قدوم شقيقه إلى قصر المرادية في 1999.