الإسلاميون ينفخون في نار الحرب الأهلية في فرنسا

تعيش فرنسا ظاهرتين خطيرتين: أولا المظاهرات ضد العنصرية المطالبة بمعاقبة رجال الشرطة المتهمين بقتل الشاب من أصول أفريقية أداما طراوري منذ أربع سنوات بضاحية باريس، وثانيا العنف بين الإثنيات كما جرى في مدينة ديجون أخيرا.

عصابات تتقاتل في وضح النهار وتحت أضواء المدينة الكاشفة ليلا في ديجون لمدة ثلاثة أيام، استعملت فيها كل أنواع الأسلحة البيضاء وحتى الكلاشنيكوف والمسدسات ولا تدخلات حاسمة لمصالح الأمن لبسط سيادة الدولة بسبب تردد المسؤولين وخوفهم من انتفاضة المهاجرين.

وليست هذه هي المرة الأولى، فقد حدث ذلك في مدينة نيس منذ مدة حيث انتقم شبان من الشيشان انتقاما عنيفا من آخرين من أصول مغاربية. وقد حدثت حرب بين مجموعات غجرية وأخرى مغاربية في مدينة بيربينيان وكذلك في الأحياء الفقيرة شمال مدينة مرسيليا. وفي باريس تظاهر عدة مرات التجار الآسيويون تنديدا بالاعتداءات اليومية الإجرامية والعنصرية التي تطالهم.

ولا تشير وسائل الإعلام الفرنسية إلى تلك الأحداث إلا قليلا بسبب الرقابة الذاتية أو خوفا من اتهامها بالعنصرية والإسلاموفوبيا. صدامات لا تنتهي بين شيشان وألبان، ومغاربة وآسيويين ومناصرين للفلسطينيين ويهود وأفغان وسودانيين. الصراعات العرقية والإثنية والدينية لم تعد شيئا غريبا في فرنسا بل باتت عادية تعود عليها المشهد السياسي والأمني.

لعب اليسار دورا كبيرا في تشويه المفاهيم وزرع الابتذال، لقد أقنع بكثير من الخبث أهل الضواحي أن العنصرية لا تكون حقيقية إلا إذا كان مصدرها الرجل الأبيض الغربي والذي هو وحده مصدر الشر من بين البشر. في حين أنه هو المعتدى عليه أكثر اليوم في فرنسا والأقل اعتداء على الآخرين. علاوة على أن الاعتداءات العنيفة التي هي في معظم الأحوال بين الأقليات كما حدث أخيرا في مدينة ديجون.

تعيش فرنسا في الحقيقة مرحلة ما قبل الحرب الأهلية منذ مدة. في سنة 2016، صرح رئيس المديرية العامة للأمن الداخلي باتريك كالفار أمام لجنة تحقيق برلماني حول اعتداءات 13 نوفمبر 2015 “نحن على أبواب حرب أهلية”. وأضاف “من واجبنا أن نستبق الأحداث ونسد الطريق أمام الجماعات التي تريد في لحظة أو أخرى أن تشعل فتيل المواجهات بين الإثنيات على أرضنا”.

وقبل ذلك بعام، نشر الكاتب الصحافي افان ريوفول كتابه “الحرب الأهلية قادمة” حذّر فيه من خطة الإسلاميين في زعزعة النظام العام بإشعال الصراع بين الأقليات في ما بينها وبين الفرنسيين. أما وزير الداخلية السابق في حكومة ماكرون جيرار كولومب فقد تنبأ بحدوث “مواجهات” و”مشاكل عظمى”.

وربما ما يؤكد ذلك التنبؤ هو ما جرى في مدينة ديجون حيث التقى ممثلو المغاربيين والشيشان الدينيين في مسجد برئاسة محمد عاتب، إمام تونسي من الإخوان المسلمين ممثلا لمقاتلي مدينة ديجون وإمام شيشاني جاء من مدينة دول البعيدة ليمثل المقاتلين الشيشان وتم التوقيع على وقف إطلاق النار والاتفاق على عقد هدنة بين “الطائفتين”.

ولكن يبدو هذا مجرد شكليات فالأخبار تقول إن المفاوضات جرت بين العصابتين ونجمت عنها تعويضات وغيرها بعيدا عن الإمامين.

أما في ما يخص المظاهرات ضد العنصرية التي تنظم رغم المنع من طرف عائلة أداما طراوري ومناصريها وبغض النظر عن حق هذه العائلة في المطالبة القانونية بمعرفة ما جرى لابنها ذات عام، فكثيرون، إسلاميون وتجار مخدرات يستغلون مأساة ذلك الشاب الذي توفي في ظروف غامضة لتصفية حساباتهم مع رجال الأمن، البعض دفاعا عن تجارتهم السرية والبعض دفاعا عن مشروعهم الظلامي في تلك الأحياء المأهولة بالمهاجرين المنحدرين من بلدان إسلامية.

فكلاهما وجد في قضية طراوري ذريعة لمحاولة منع الشرطة من دخول تلك المناطق أو على الأقل التقليل من حضورها. الهدف هو جعل الشرطة لا تتدخل في ما يفعلون. وقد تحالف الطرفان مع اليسار المتطرف الذي يبتغي استخدام الحركات الاحتجاجية العنيفة في الضواحي زاعما زعزعة الدولة “البورجوازية”. ويعمل ثلاثتهم على جرّ سكان الضواحي إلى نضالاتهم المزيفة تحت مسميات متنوعة وجمعيات تهدف إلى ضرب “العيش المشترك” ونشر القلاقل من أجل ابتزاز الدولة الفرنسية والحصول على المناصب والامتيازات والمزيد من الضربات للعلمانية.

فرنسا “تتلبنن” شيئا فشيئا ولم تعد كلمة “اللبننة” تخيف إلا إعلام اليسار المخاتل. لقد استوردت فرنسا الطوائف ولم تعمل على إدماجها وهي اليوم قادرة على إعلان الحرب على بعضها وقد علت صرخات “الله أكبر” من الجانبين وهما يتقاتلان كما شاهدنا في مدينة ديجون. ويبقى المواطنون المعتمدون على حماية القوة العمومية لقمة سائغة في فم الميليشيات الطائفية وقد بدأ التفكير عن إمكانية الشروع في الدفاع الذاتي عن النفس. وهذا ما يسمى مرحلة “ما قبل الحرب الأهلية”.

يبدو واضحا أن السلطات الفرنسية قد فقدت السيطرة على الوضع أمام تغوّل الطوائف المهيكل بحقد دفين على بعضها البعض وعلى المجتمع والدولة “العيش معا” وعلى خلفية تهريب المخدرات والمتاجرة بالممنوعات والدفاع عن مناطق محتلة.

مع تهاون السياسيين الفرنسيين لأسباب سياسية انتخابية، أصبحت أغلب الضواحي الفرنسية مناطق بعيدة عن قوانين الجمهورية خاضعة لزعماء عصابات المخدرات والإسلاميين.

حملة تأثيم الفرنسيين متواصلة منذ سنوات لجعلهم يعتقدون في قرارة أنفسهم دون أن يدروا بأنهم مستعمرون جدد وعليهم أن يكفروا عما ارتكبه آباؤهم بالتنازل عن قيمهم الحضارية المتشبعة بالحرية والعلمانية وفتح الباب أمام القيم البالية الوافدة وجعلها مساوية لقيمهم. وقد بدأت نتائج الآلة التأثيمية تظهر للعلن في خطاب المسؤولين الفرنسيين إذ صرحت وزيرة العدل نيكول بلوبي “يحمل كل فرنسي خطر العنصرية في مكان ما من ذاته”.

وبهذا تؤكد الوزيرة دون أن تشعر ما تقوله أطروحات الإسلاميين وكل الحركات المناهضة للجمهورية الفرنسية التي تتهم كل فرنسي بأنه عنصري إلى أن تثبت براءته ويصبح كفلول اليسار المتطرف يسبح بحمد البروليتاريا الرثة التي وجدها في الضواحي ولدى المهاجرين بعدما لفظته الطبقات العمالية الفرنسية.

من اللامسؤولية ومن الشطط القول إن كل فرنسي عنصري بالقوة. ومن المؤسف أن ترتكب وزيرة عدل في حكومة فرنسية هذا الخطأ الفادح ألا وهو التمييز بين الفرنسيين: الفرنسي الأصلي الذي يمكن أن يمارس العنصرية على الفرنسي الآخر!

متى تفهم السلطات الفرنسية أن الذين ينددون اليوم بالعنف البوليسي هم أنفسهم الذين يذكون الحرب بين البيض والسود وبين المسلمين واليهود… وأن هؤلاء الذين يتظاهرون اليوم ضد عنف الشرطة المفترض هم الأكثر دوسا على القانون؟

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: