تراجع أحزاب المعارضة يغذي تغول السلطة في الجزائر
دفع التغول المتنامي للسلطة الجديدة في الجزائر، إلى تراجع لافت للطبقة السياسية خاصة أحزاب المعارضة، فرغم تراجع مناخ الحريات واشتداد القبضة الأمنية تجاه النشطاء السياسيين، إلا أنه لم تسجل مواقف صريحة أو مبادرات من طرف الأحزاب التي كانت تصنف نفسها في خانة المعارضة الراديكالية.
ويكشف تحميل رئيسة حزب العمال اليساري لويزة حنون، السلطة مسؤولية تعرضها إلى أي مكروه، التراجع اللافت للحريات السياسية في البلاد، وتعقد مناخ العمل السياسي بسبب اشتداد القبضة الأمنية في التعاطي مع نشطاء المعارضة، وتقلص مساحات التعبير عن المواقف والتصورات.
وشنت لويزة حنون، هجوما قويا على محتوى إحدى القنوات التلفزية الخاصة، على خلفية ما وصفته بـ”البلطجة الإعلامية”، بعد تخصيص نقاش سياسي كامل حولها وفي غيابها.
ورفعت المتحدثة في تصريح بمناسبة انعقاد هيئة المكتب السياسي لحزب العمال، نداءها لسلطة ضبط السمعي البصري والقضاء لوقف ما وصفته بـ”الانحراف”، وحمّلت السلطة “مسؤولية أي مكروه قد يلحق بي لأن هذه الممارسات لا يمكن أن تحدث إلا إذا كان أصحابها يتمتعون باللاعقاب وبالتالي حماية ما”.
وأكدت المتحدثة على أن “حزب العمال لم يناد بالحجر الصحي ولا لرفعه لأن الموضوع ليس من اختصاصه، لكن في نفس الوقت ندد بالاستغلال السياسي للحجر الصحي لتمرير مشاريع السلطة كقانون المالية وقانون العقوبات”.
وقضت رئيسة حزب العمال قرابة عام في سجن البليدة العسكري، بعدما وجهت لها تهمة التآمر على أمن البلاد والمساس بسلطة المؤسسة العسكرية، في إطار قضية مستشار الرئاسة السابق سعيد بوتفليقة، والمديرين السابقين لجهاز الاستخبارات محمد مدين، وعثمان طرطاق، إلى جانب وزير الدفاع السابق الفار خالد نزار.
وحافظ حزب العمال المقرب من دوائر السلطة السابقة، على مواقفه التقليدية لاسيما بعد سجن زعيمته بتهم وصفها بـ”الباطلة”، حيث عبرت لويزة حنون في هذا الشأن عن مخاوفها من “اغتيال ثورة 22 فبراير، من خلال سجن أو شتم أو تهديد كل سياسي أو صحافي أو نشط أو مواطن، يعبر عن رأي يختلف عن رأي السلطة أو يعارضه”.
ومع تنديدها باعتقال وسجن العديد من الناشطين السياسيين، فإنها شددت على أن “السجن الذي عرفته في عدة مرات خلال مسيرتها السياسية في المعارضة، لن يثنيها أو يحملها على التراجع عن مواقفها، وأنه لا يمكن أن يوقف تفكيرها السياسي ولا أي شيء آخر يمكن أن يوقفها عن النضال والتفكير سوى الموت أو العجز الجسدي”.
ولم تسجل الجزائر وضعا مماثلا من التضييق على الحريات طيلة العقود الأخيرة، كما تشهده في الظرف الذي جاء بعد الانتخابات الرئاسية التي جرت في ديسمبر الماضي، ومع ذلك تبقى الأحزاب السياسية المعنية الأولى بمناخ الحريات في وضع المتفرج، حيث لم يصدر عنها إلى حد الآن أي موقف ينتقد السلوك الاستبدادي للسلطة.
وباستثناء التصريحات المعزولة لحزبي العمال والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، فإن حالة من السكون تخيم على المشهد السياسي القائم قد تكون مؤشرا على تنازلات أو نوع من التخاذل عن المكاسب المتبقية من مكاسب الديمقراطية المحتشمة في البلاد.
ولم يعد لمطلب “إجراءات التهدئة” الذي رفعته قوى سياسية وشخصيات مستقلة، أي محل من أدبيات الطبقة السياسية والحزبية، فرغم حملة الاعتقالات والسجون المفتوحة ضد ناشطي الحراك الشعبي، إلا أنه لم يسجل أي موقف أو مبادرة فردية أو جماعية، ورغم بادرة الانفراج التي حملها حزب جيل جديد، حول قرب إطلاق سراح الناشطين كريم طابو وسمير بلعربي، بتدخل من رئيس الجمهورية، إلا أن الحكم بالسجن على الناشطة أميرة بوراوي الاثنين، من طرف قضاء العاصمة، نسف آمال انفراج الوضع السياسي في البلاد.
ويبدو أن السلطة الجديدة نجحت بفضل القبضة الأمنية والتغول السياسي، من تفكيك غير مسبوق للطبقة الحزبية، لاسيما بعد استقطاب العديد منها عبر وعود أو مكاسب حكومية، على غرار حزب جيل جديد الذي تحول إلى داعم لها، وحزب العدالة والحرية الذي عارض الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
وخلافا لسلطة الرئيس الأسبق عبدالعزيز بوتفليقة، التي حفزت قوى وأحزابا سياسية على تجاوز مرجعياتها الفكرية والأيديولوجية، والتموقع لسنوات تحت لواء تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي، التي جمعت علمانيين وقوميين وإسلاميين، فإن الوضع الذي أفرزه الاستحقاق الرئاسي الأخير، تمكن من تفكيك كل الأحزاب والتيارات فحتى الإسلاميون أنفسهم لم يعودوا على قلب رجل واحد كما في السابق.