المغرب والبرلمان الأوروبي بين الطموح الكبير والغياب الدائم

لن يختلف إثنان على أن البرلمان الأوروبي يعد أكبر برلمانات العالم، فهو مؤسسة ديموقراطية تعبر عن الإرادة المباشرة لمواطني الاتحاد الأوروبي، كما يشكل إلى جانب مجلس الاتحاد الأوروبي السلطة التشريعية للاتحاد الأوروبي، وهو أقوى هيئة تشريعية في العالم، يتألف من 751 عضوا، ينتخبون في ثاني أكبر انتخابات ديموقراطية في العالم بعد الانتخابات التي تجرى في دولة الهند.

ومثل أي مؤسسة سياسية ديموقراطية في العالم، فإن البرلمان الأوروبي له شراكات و اتصالات مع دول عديدة، سواء عبر الدبلوماسية الرسمية أو البرلمانات الوطنية، مثل المغرب، الذي يتوفر طبعا على اتصال مع البرلمان الأوروبي، غير أن حضوره يكون منعدما في كواليسه وهو المعروف بلوبيات قوية تشتغل في مختلف المجالات، وتعمل على صناعة المواقف والتأثير عبر العالم، حضور المغرب في هذا التكثل الإقليمي يبقى غير وازن في الوقت الذي نرى سقف طموحه عاليا.

من يتحدث عن البرلمان الأوروبي أو أي مؤسسة دولية وعلاقتها بدولة ما، يتحدث أساسا عن مدى دفاعه عن قضايا هذه الدولة الدبلوماسية، وفي مقدمة قضايانا الدبلوماسية، نجد ملف الصحراء المغربية، الذي نعتبره جميعا قضيتنا الوطنية الأولى. فخلال أولى سنوات هذه القضية، كانت تحركات الانفصاليين كثيرة داخل البرلمان الأوروبي بمساعدة الجزائر، في الوقت الذي كان المغرب غائبا والتواجد بالبرلمان الأوروبي لا يوجد ضمن أجندات إدريس البصري الذي كان مكلفا بملف الصحراء طيلة سنوات خلت عندما تقلّد مقاليد الإشراف على وزارة الداخلية التي كان في عهده تشرف على ما هو خارجي أيضا.
البصري لم يكن يعر أي اهتمام للبرلمان الأوروبي، حتى بلغ إلى علمه عن طريق الإعلامي الصديق معنينو، أن المغرب غائب عن البرلمان الأوروبي، مما يترك المجال فارغا أمام الدبلوماسية الجزائرية المدعمة للانفصاليين، حسب ما توصل إليه معنينو من أصدقائه الصحافيين الأوروبيين. كما أن عددا من البرلمانيين الأوروبيين يصبحون في ظل غياب المغرب، مدافعين مستمتين عن أطروحة الانفصال في ظل وجودها فقط، وغياب أطروحة نقيضة، والحال بقي على ما هو عليه إلى حدود اليوم. وهناك بدأ اتصال المغرب بالبرلمان الأوروبي عبر زيارات متكررة للصديق معنينو إلى ستراسبورغ، وحده ومع شخصيات وطنية وصحافيين وغيرهم من الشخصيات.
هذه الصورة التي توصل إليه معنينو خلال سنوات الثمانينيات من القرن الماضي، لازالت قائمة إلى حدود اليوم، فالمغرب لم يستطع تقوية علاقاته بشكل كبير داخل البرلمان الأوروبي، وحتى إبان إشراف الطيب الفاسي الفهري عن الخارجية المغربية، فقد أصدر البرلمان الأوروبي قرارا يضرب المصلحة العليا للمغرب، تناقلت حينه وسائل إعلام مغربية وأجنبية غضبة ملكية عن البرلمانيين، بسبب ضعف أدائهم الدبلوماسي، الشيء الذي دفع الملك للاستفسار حول الأمر، وتلقى جوابا بأن هناك غياب تنسيق بين الخارجية والبرلمان، دفع الملك محمد السادس إلى إعطاء تعليماته لوزير الخارجية الطيب الفاسي الفهري، بإيجاد حل لهذه الإشكالية، حيث تم خلق ما يسمى بمديرية الدبلوماسية العامة والفاعلين الغير حكوميين، عوض مديرية التواصل كما كان سابقا في الهيكل التنظيمي للخارجية.
هذه المديرية تكلفت بالتنسيق بين جميع الفاعلين الغير حكوميين و الخارجية، من أجل أي تحركات خارج المغرب، وبدأ العمل على مجموعات الصداقة البرلمانية والحضور في عدد من المؤسسات، غير أن الغياب داخل البرلمان الأوروبي يبقى كبيرا، وملموسا.

فواقعنا اليوم، يبين أن علاقة المغرب بالبرلمان الأوروبي تتمثل في تمثيلية بستراسبورغ يشرف عليها قنصل المغرب هناك، ولجنة برلمانية مشتركة، أصبحت تنحصر تحركاتها في ملف الاتفاق بين المغرب والاتحاد الأوروبي في مجالي الفلاحة والصيد البحري، مع إغفال تحركات داخل ردهات البرلمان الأوروبي مع لوبيات قوية لضحد أطروحة الانفصال وترويج ما يقوم به المغرب وخصوصا الماركوتينغ السياسي لملف الوحدة الترابية.

خلال سنوات الثمانينيات قدم معنينو عددا من الاقتراحات التي أجدها لازالت صالحة إلى حدود اليوم، مثل تأسيس إطار مكون من عدد من البرلمانيين الأوروبيين ووضع صفارات إنذار كما وصفها، بتعاون مع موظفين بالبرلمان الأوروبي والصحافيين، وإحداث خلية لمتابعة العلاقات مع البرلمان الأوروبي، يمكن أن تكون داخل الخارجية أو مديرية العلاقات الخارجية بالبرلمان، ووضع لائحة للبرلمانيين الأوروبيين الذين يمكن للمغرب أن يعتمد عليهم في تصريف مواقفه السياسية، ودعوة صحافيين أوروبيين للمغرب والقيام بزيارات متبادلة بين الصحافيين المغاربة والأوروبيين، فضلا عن إحاطة البرلمانيين الأوروبيين عبر منشورات تصدر بلغات متعددة لإحاطتهم بكل ما يجرى بالمغرب.

فمن بين المشاكل هو غياب الصورة الواضحة عن ما يقع في المغرب سواء في المشاريع التنموية، حقوق الإنسان، الإصلاحات السياسية والمؤسساتية، عن البرلمانيين الأوروبيين، وهذا دور البرلمان المغربي الذي يجب أن يفعل دوره في الدبلوماسية البرلمانية بشكل قوي خصوصا مع هذا التكثل الذي يعد أكبر برلمانات العالم، كما أن الخارجية يجب أن تطور تمثيلية المغرب بستراسبورغ لتشمل ما هو دبلوماسي، سياسي، لوبيينغ، واقتصادي عوض الاقتصار عن العمل القنصلي بدائرة ستراسبورغ.

خلاصة القول، هو أن البرلمان الأوروبي يشكل تجمعا مهما للدفاع عن قضيتنا الوطنية، وأن الدبلوماسية المغربية سواء الرسمية منها أو الموازية لا يجب أن تبقى في سباتها العميق تجاه التحركات داخل البرلمان الأوروبي، فالمواقف الصادرة من بعض أصدقائنا لم تعود كافية بتاتا في معركة كبيرة، وأن اللوبييغوالعمل على تعزيز حضور المغرب في ردهات البرلمان الأوروبي وغيرها من المؤسسات هو الحل، يجب أن نبتعد عن كل ما هو رسمي، فالانفصال ينشط كثيرا بمساعدة الدبلوماسية الجزائرية، وما على المغرب إلا أن يتحرك عبر دبلوماسييه، برلمانييه، وصحافييه، لمواجهة الأطروحة الإنفصالية داخل البرلمان الأوروبي والآليات التي قدمها الصديق معنينو خلال سنوات الثمانينيات من القرن الماضي لازالت صالحة في القرن الحالي…

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: