عهدة خامسة دون بوتفليقة أكثر تعسفا واستفزازا
في 22 فبراير 2019 نزل الجزائريون إلى الشوارع تنديدا بالعهدة الخامسة التي كان بوتفليقة وعصابته يريدون فرضها مرددين شعارا قويا “ما تزيدش دقيقة يا بوتفليقة”، ارحل لا يمكنك البقاء في الحكم ولو دقيقة واحدة أخرى. وقد رحل بوتفليقة مخلوعا من طرف العسكر الذين جاؤوا به سنة 1999 تحت ضغط الشارع. ولكن هل مع رحيل بوتفليقة تخلص الجزائريون من عهدته الخامسة أم هي مسألة مراوغة سياسية كما اعتاد النظام أن يفعل كلما تأزمت أوضاعه مع الشعب؟
حتى وإن زج ببعض رموزه في السجن ومحاكمة آخرين لايهام الجزائريين ولتصفية حسابات قديمة بين زُمره، لا يزال النظام قائما وليس هذا فحسب بل يفرض أيضا عهدة خامسة دون بوتفليقة، هي أشد رداءة و تعسفا ومخادعة.
يتفق الملاحظون وكل المناضلين والناشطين السياسيين والمثقفين الأحرار على أن أسلوب الحكم لم يتغير مثقال ذرة، فلا تغيير ملموسا على أرض الواقع، كما أن الجزائر لم تتخلص بعد من حكم عبدالعزيز بوتفليقة، بل منذ تعيين عبدالمجيد تبون رئيسا، والأمور تزداد سوءا، إذ لا بوادر لانفراج سياسي أو ترشيد اقتصادي تلوح في الأفق تبعث بعض أمل في نفوس الجزائريين. بل هناك من التلاعب ومن الاستفزازات ما يؤجج حنقهم ومن التضييق على الحريات أشد مما كانت عليه الجزائر في عهد الرئيس المخلوع. وقد عبّر كثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي عن ندمهم في المشاركة في انتخابات 12 ديسمبر 2019 التي قاطعها معظم الجزائريين وهم يشعرون بأن النظام قد غرر بهم.
لا يمر يوم إلا ويعتقل مناضلون شبان من مختلف جهات الوطن بتهم فضفاضة كالمساس بالوحدة الوطنية أو إهانة رئيس الجمهورية أو التحريض على التجمهر في مناشير على مواقع التواصل الاجتماعي. وقد وصل عدد الموقوفين إلى ما يقارب المئتين.
في عهد عبدالمجيد تبون استمرار لسياسة خنق حرية التعبير بسيطرة محكمة على وسائل الإعلام العمومية وإسكات الصحف والقنوات الخاصة بالتهديد بالموت الرحيم، بمعنى تركها تموت بحرمانها من الإعلانات العمومية والخاصة، وغلق كل وسيلة إعلامية لا تريد الرضوخ لإملاءات النظام والوقوف في صفه. وإن كان صحيحا أن بوتفليقة قد سيطر على الإعلام وشجع الصحف الرديئة والقنوات المتأسلمة لنشر الدروشة وتغييب الوعي، إلا أنه لم يصل به الأمر إلى اعتقال شبان ينشرون تعاليق على فيسبوك. في الجزائر اليوم 162 نشرية إعلامية يبذر فيها المال العام، إنها مجرد دكاكين لملء جيوب أحباب النظام، هدفها تلميع وجهه البوتفليقي.
من البديهي أن تعيين عبدالمجيد تبون في مكان بوتفليقة لا يعني القطيعة مع نظام بوتفليقة، الرجل الذي خرج ويعيش معززا مكرما وكأنه غير مسؤول عما وصل إليه البلد من خراب شامل طيلة عشريتين كاملتين من حكمه. ولا نقد رسميا وجه إليه ولا محاسبة في حين أن كل الجزائريين يعرفون أنه هو رأس الفساد. فلماذا لا يحاكم ولو غيابيا ويصدر ضده حكم ليبقى في التاريخ ويكون عبرة للأجيال القادمة؟
لئن تفّهم الجزائريون أن حالته الصحية لا تسمح له بالمثول أمام المحكمة أو تنفيذ عقوبة السجن، فإنهم لا يتقبلون أن يروا وزراء من وزرائه الخدومين الطيعين يتبخترون في الحكومة الحالية وأشخاصا يوظفون في رئاسة الجمهورية اليوم كانوا يؤلهون بوتفليقة، وبعضهم طاعن في السن.
كيف لا يغضبون وهم يرون البرلمان بغرفتيه المفبرك من طرف بوتفليقة ذاته في انتخابات مزورة، يصادق على ميزانية الدولة وهو الذي سيصادق أيضا على التعديلات الدستورية في الأيام القادمة!
في عز وباء كورونا وفي الوقت الذي يطالب فيه رئيس الجمهورية الجزائريين باحترام الحجر الصحي يسمح للحزبين، جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي – الحزبين اللذين كانا مجرد جهازين تحت تصرف بوتفليقة طوال حكمه – بتنظيم تجمعين في قاعتين جمعتا مئات الأشخاص في استهتار كامل بقانون الحجر الصحي!
ومع ذلك يخرج الرئيس السابق اليامين زروال الذي يحظى باحترام الكثير من الجزائريين المخدوعين عن صمته ويعلن تأييده للنظام بقبول دعوة الرئيس تبون لزيارته في قصر المرادية وليس هذا فحسب، بل أيضا صرح إثر لقائهما بأنه لمس لدى الرئيس عبدالمجيد تبون “إرادة قوية وصلبة لبناء الدولة الجزائرية الجديدة، الدولة القوية التي حلم بها الشهداء ونادى بها ملايين الجزائريين والجزائريات خلال قيامهم بثورتهم السلمية”.
فهل تبنى هذه الدولة ببرنامج اقتصادي أبرز ما فيه هو تضخيم الفواتير وسرقة المال العام والحد من الاستيراد وبرنامج سياسي لا يهدف سوى إلى القضاء على الثورة السلمية بتخوين وتوقيف المواطنين لمجرد التعبير عن آرائهم؟ هل تبنى الجزائر الجديدة باستغلال فايروس قاتل لتكميم الأفواه وتمرير ما يريد المتسلطون؟ هل يريد عبدالمجيد تبون أن يبني “جزائره الجديدة” التي يعد بها دائما في خطاباته بوجوه بوتفليقية قديمة وبانتهاج المواجهة؟ هل من المعقول أن يرفع الرئيس تهمة العمالة لأياد خارجية كسابقيه في وجه كل من يعارض النظام؟ ألا يعتبر ذلك استفزازا مباشرا للجزائريين؟
ولكن ألم يقسم عبدالمجيد تبون نفسه بالثلاث متحديا الجزائريين لمّا كان وزيرا في حكومة الرئيس المخلوع بأن برنامج الرئيس بوتفليقة هو الذي سيطبق؟