السلطة الجزائرية تجهّز أذرعها الحزبية تحسبا لتمرير الدستور الجديد
تسارع السلطة الجزائرية بتجهيز أذرعها السياسية تحسبا لتمرير الدستور الجديد، الذي كشفت عن مسودته قبل بضعة أسابيع، والتي أثارت جدلا واسعا، في وقت اعتبره الكثير غير مناسب، لتزامنه مع انتشار فايروس كورونا، وحظر أنشطة العمل السياسي من قبل الحكومة.
أعلن حزب التجمع الوطني الديمقراطي عن تزكية وزارة الداخلية والجماعات المحلية لنتائج المؤتمر المنعقد نهاية شهر مايو المنقضي، والذي أفضى إلى انتخاب الطيب زيتوني خلفا للأمين العام السابق عزالدين ميهوبي، ليكون بذلك الحزب الثاني بعد جبهة التحرير الوطني التي تلقت تزكية قيادتها الجديدة من طرف الوزارة المذكورة.
وحاول الأمين العام الجديد الطيب زيتوني، المدعوم سابقا من طرف الرجل القوي في السلطة السابق سعيد بوتفليقة، الذي وضعه على رأس بلدية العاصمة، ثم على رأس مؤسسة المعارض الحكومية، الظهور في ثوب المعارض للأمين العام السابق المسجون أحمد أويحي، من أجل استمالة قواعد الحزب التائهة، والتخفيف من غضب الشارع على واحد من أكبر الأحزاب السياسية في البلاد والاستفادة من الانتخابات المزورة.
وأثار الترخيص للحزبين المواليين للسلطة، بعقد أشغال مؤتمريهما نهاية الشهر الجاري لغطا كبيرا في الساحة الجزائرية، رغم إجراء حظر الأنشطة السياسية والثقافية من طرف الحكومة في إطار مكافحة وباء كورونا.
ويعتبر حزب التجمع الوطني الديمقراطي، الذي تأسس العام 1997، الحزب الثاني للسلطة، بعد جبهة التحرير الوطني، ويعرف بحزب “أبوالشوارب”، نتيجة ولادته القوية، حيث حاز على الأغلبية في الانتخابات النيابية التي جرت عام تأسيسه، وقاد الحكومة لعدة مرات.
وظل طيلة العقدين الماضيين، أحد أركان التحالف الحزبي الداعم للرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، قبل أن يدخل في أزمة نظامية نتيجة تمرد القيادي السابق صديق شهاب، وإيداع أمينه العام ورئيس الحكومة السابق أحمد أويحيى، السجن بتهم فساد مالي وسياسي، فضلا عن دخوله تحت طائلة الأطراف السياسية المغضوب عليها من طرف قوى الحراك الشعبي، التي دعت إلى حل أحزاب السلطة.
متابعون يرون أن مقاربة التجديد التي اعتمدتها السلطة تريد توسيعها إلى الأذرع السياسية التقليدية من خلال الدفع بجيل جديد من القيادات إلى الواجهة.
ولمّح البعض إلى تواطؤ السلطة مع الحزبين العتيدين، من خلال الترخيص لهما في الظروف الصحية الاستثنائية لانتخاب قيادات جديدة، ومسارعة وزارة الداخلية لتزكية نتائج المؤتمرين، بينما لا تزال العديد من الأحزاب (قيد التأسيس) تنتظر الضوء الأخضر من الوزارة منذ عدة سنوات للحصول على الاعتماد الرسمي.
ويرى متابعون للشأن الجزائري أن مقاربة التجديد التي اعتمدتها السلطة، تريد توسيعها إلى الأذرع السياسية التقليدية، من خلال الدفع بجيل جديد من القيادات إلى الواجهة مقابل الوفاء والولاء لعقيدة السلطة، من أجل شراكة سياسية في المحطات القادمة.
ويعتبر الاستفتاء الشعبي على الدستور الجديد قبل نهاية العام الجاري، أكبر امتحان للسلطة، ولذلك سارعت لرسكلة أذرعها الحزبية تحسبا لتمرير المشروع، لاسيما وأن الوثيقة المعروضة للإثراء والنقاش لم ترض حتى الوعاء الذي دعم الرئيس عبدالمجيد تبون في الاستحقاقات الرئاسية المنتظمة في شهر ديسمبر الماضي.
وأظهرت القيادات تناغما مع خطاب السلطة من خلال رسائل الدعم المعبر عنها على هامش المؤتمرين المنعقدين نهاية الشهر الماضي، بما فيها التدابير غير الشعبية المتخذة من طرف الحكومة في قانون المالية التكميلي، المصادق عليه بالأغلبية النيابية التي يحوز الحزبان على أغلبيتها.ورغم أن رئيس الدولة حاول الظهور في موقع المحايد والواقف على مسافة واحدة بين جميع الأحزاب السياسية، بما فيها الحزب الذي ينحدر منه (جبهة التحرير الوطني)، إلا أن التزكية السريعة لوزارة الداخلية لنتائج المؤتمرين وعدم تسجيلها لأي اعتراض ولو جزئي، يوحيان بأن السلطة بصدد استعادة أذرعها التقليدية، بعد ظهور بوادر تمرد أو انشقاق داخل التيار الشعبي الذي دعمها أثناء المرحلة الانتقالية أو الانتخابات الرئاسية.
ويذكر عن القيادي السابق في الحزب المذكور شهاب صديق، مقولته الشهيرة التي لخصت الوضع وعبرت عنه بصدق، لما سئل عن دعم حزبه والأحزاب الأخرى لمشروع الولاية الخامسة لبوتفليقة التي فجرت الوضع بالبلاد، “لقد كنا عمى بصيرة”، في إشارة إلى عدم تقدير الأحزاب المذكورة للموقف وللعواقب، وهو السيناريو الذي قد ينطبق على المشهد الجديد، في ظل استمرار ما أسماه بـ”عمى البصيرة”.