التأويل المتطرف للفقه فهم داعشي يفتقد للرحمة

شكل انتحار الناشطة المصرية سارة حجازي اختبارا أخلاقيا وقيميا لعدد من المسلمين شرقا وغربا يتجاوز الجدل الدائر حول إلحادها أو قناعاتها الفكرية الجريئة، حيث إن حياة سارة حجازي عرفت منعطفا كبيرا عندما تحوّلت من مسلمة إلى ملحدة تدافع عن حقوق المثليين وانتقالها من بيئة شرقية قد ترعرعت فيها إلى كندا حيث تختلف الثقافة والحضارة والجغرافيا.

يطرح انتحار سارة، تاركة رسالة مقتضبة تتحدث فيها عن “قسوة تجربتها الحياتية التي لم تستطع مقاومتها”، العديد من الأسئلة حول مدى اقتناعها بالخطوة التي قامت بها لإنهاء نمط حياتها، وهل كانت مستعدة نفسيا وفكريا للممارسة الفعليّة والتّطبيق العملي لما اختارته؟ وهل حرضها محيط ثقافي وأيديولوجي بعينه على ذلك؟ الإجابة على هذه الأسئلة بشكل حاسم صعبة بصعوبة تجربة سارة وخطورتها.

هناك من فسر التعاطف مع سارة حجازي بغض النظر عن معتقدها وما تؤمن به بأنه خاضع لحسابات أيديولوجية. وفي هذا الصدد يقول إدريس الكنبوري، الباحث في الفكر الديني، إن سارة حجازي يبدو أنها سقطت ضحية جماعة من ذئاب الإلحاد وذئاب السياسة وتجار الدين الذين يتلقون ثمنا مقابل التحريض عليه، ويتقاضون عمولة عن كل شخص أقنعوه بالتخلي عن دينه، فاصطدمت بالواقع المرّ والعزلة وتنكّر الجميع لها، لتختار الانتحار.

ومما لا شك فيه إن حادثة انتحار حجازي يختبر الجانب الأخلاقي في المنظومة العقائدية ككل، أمام رفض الكثيرين الترحم على الراحلة. وقد اعترض البعض على الآراء التي تدافع عن سارة حجازي وبرّروا ما حلّ بها لأنها تدافع عن الشذوذ والإلحاد. وحسب الكاتب والشاعر اللبناني، عيسى مخلوف، تعكس هذه الردود ثقافة سائدة رسّختها سياسة تعليميّة ليست من هذا العصر، كما رسّختها لغة التخوين والتكفير والتجريم.

وتعليقا على رفض الترحم على سارة حجازي، يشير سعيد جعفر، الباحث المغربي في سوسيولوجيا الدين، إلى أن “هذا الإسلام الغليظ الشديد القاسي المنتقم ليس هو إسلام الرسول محمد (ص) المعتدل الوسطي الرحيم وهؤلاء الذين يستقوون على الضعفاء بكهنوتهم المرتجف والباطل والمدّعى ليسوا من هذا الإسلام الجميل في شيء”.

وأوضح سعيد جعفر أن خطأ تفسير للآيات القرآنية والتعسف في إسقاطها على حالات مختلفة ومتناقضة، يجعل الآية تأخذ أكثر من دلالة وفي بعض الحالات دلالات ومعاني متصادمة، مع أن لكل آية في القرآن الكريم أسباب نزول خاصة بها ولا تنسحب على غيرها من الآيات إلا من باب المغزى.

من جهته، علق الباحث المغربي في الفكر الإسلامي محمد عبدالوهاب رفيقي، بأن رفض الترحم على الناشطة الحقوقية سارة حجازي هو فهم داعشي للدين لا يختلف كثيرا عن أولئك الذي يسارعون إلى الترحم على الإرهابيين والقتلة باسم الدين.

ولاحظ رفيقي أن فكرة التمييز بين البشر حتى في الدعاء بالرحمة بعد الموت هي فكرة قائمة على الاعتقاد بأن المسلمين أفضل من غيرهم، وأنهم وحدهم يستحقون الرحمة، وأن الجنة حصريا لهم وأن غيرهم في النار، وهذا الإحساس بالعُلويَّة والتمييز على البشر هو نفس فكرة داعش في قتل غير المسلمين.

إن الأمر الطبيعي هو أن “الإنسان عندما يسمع بموت أو مأساة يتألم ويطلب الرحمة، وأن طلب الرحمة من الله حتى للشخص الذي لا يؤمن به لقناعاته الخاصة هو عمل إنساني، نطلب الرحمة لكل شخص يعاني في الحياة كسارة وغيرها، أو قدّم منجزات للإنسانية كستيفن هوكينغ أو كان مناضلا من أجل حقوق الإنسان كنيلسون مانديلا بغض النظر عن ديانتهم أو هل يؤمنون بالله أم لا؟”.

ويختم بالقول “في المقابل لن أطلب الرحمة للبغدادي أو كارازيدش الزعيم الصربي بعد موتهما، لأنهما مجرمان إرهابيان”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: