عبدالمالك درودكال.. إرهابي تركتُه تفتح بابا واسعا لعودة داعش

بعد سنوات من الرصد والتتبع الإلكتروني والاستخباراتي الدقيق تم الإعلان مؤخرا عن مقتل زعيم تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي عبدالمالك درودكال المكنى بأبي مصعب عبدالودود، في تل خندق بشمال غرب مدينة تساليت المالية، نتيجة عمل استخباراتي فرنسي وإقليمي وأميركي طويل ومراقبة للجماعة المتطرفة التي يقودها.

وصفه مقربون منه بأنه قوي ذو عقل رياضي نفاذ، يجمع في أيديولوجيته بين الإسلام السياسي والقومية العربية، ما جعل منه شخصية كاريزمية بقدرات ممتازة أهلته للخطابة أمام الجمهور وتنظيمه، طموحاته ليكون في أعلى هرم القاعدة خلقت منه شخصا لا يرحم منافسيه حيث أزاح أعضاء في صفوف تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الذين ثبت أنهم يعارضون تعليماته أو مواقفه وتصوراته الأيديولوجية.

جند الأهوال

تخصص درودكال، المولود في العام 1970، بداية علاقاته بالجماعات الجهادية بصنع المتفجرات نظرا لخلفيته العلمية بعدما عمق دراسته بجامعة البليدة فرع التكنولوجيا، وقبل تخرجه بعام واحد كان درودكال قد قام بربط الاتصال بالسعيد مخلوفي أمير حركة الدولة الإسلامية حيث التحق بهم في ذروة العشرية السوداء بالجزائر.

ونظرا لخبرته في كل ما يتعلق بالمواد الكيميائية والقواعد الميكانيكية، تم تكليفه برئاسة كل ورشات التصنيع العسكري لـ”جند الأهوال” التابع للمنطقة الثانية، بعدها أُمِّر على كتيبة “القدس”، ثم اشتغل بالتصنيع والتعليم والتكوين العسكري للمسلحين، وتمثلت خطورة درودكال، إلى جانب قسوته، في تمكنه من مهارات متقدمة في الأجهزة الكهربائية، إذ أنشأ في العام 2007 وحدة متقدمة تكنولوجيا متخصصة في التفجيرات الانتحارية.

التائبون

زعيم داعش أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، سيعمل بعد مقتل درودكال، على محاولة استقطاب قواعد وقيادات القاعدة في المغرب الإسلامي

حدد اتفاق تم توقيعه، قبل ثلاثة أعوام، بين فرنسا والجزائر ومالي الخطوط الرئيسية لتجفيف منطقة الساحل من الإرهابيين، مع السماح للمحققين الجزائريين بالتواصل مباشرة مع الهاربين في شمال مالي، وفتح ممرات آمنة في هذه المنطقة لـ”التائبين” لمنعهم من القتل على يد القوات الفرنسية أو المالية أو الأفريقية، وأخيرا إنشاء تنسيق حقيقي لدفع قادة الجماعات المسلحة إلى الاستسلام.

وقد تعرضت القيادة المركزية للقاعدة بالمغرب الإسلامي إلى عدد من الغارات قضت على معظمها، والتي تتكون من مجلس شورى مؤلف من 14 عضوا، يرأسه الأمير درودكال ويضم قادة إقليميين ورؤساء اللجان السياسية والعسكرية والقضائية والإعلامية. وكانت الضربة التي سددتها فرنسا وحلفاؤها إلى تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي بمقتل درودكال وعدد من قياداته، متوقعة بعدما سبقها إعلان وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي أن القوات الفرنسية المنتشرة في مالي قتلت مطلع أكتوبر الماضي أبا عبدالرحمن المغربي، وثاني أخطر إرهابي ملاحق في منطقة الساحل لاسيما من قبل الأميركيين، والرجل الثاني في “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” التابعة لتنظيم القاعدة.

تم قص أجنحة درودكال التنظيمية، وفقد العديد من القادة التنفيذيين المهمين، مثل بلال كوبي مبعوث درودكال الخاص إلى تونس، بشير بن ناجي أمير تونس، عادل الصغيري رئيس الدعاية، والذين قتلوا خلال عمليات الجيش الجزائري نفذ بعضها بالتعاون مع تونس. قبل أربع سنوات من مقتله تم تضييق الخناق بشكل كبير على التواجد الجغرافي لدرودكال، حيث أنه تسلل إلى تونس في أكتوبر 2016، بعدما أحس بقرب القبض عليه من طرف السلطات الجزائرية حيث كان مختبئا في ولاية سكيكدة شمال شرق الجزائر. ومع ذلك استمر التنظيم الذي لا يزال يحتفظ بهيكل قيادة مستقل إلى حد كبير وتحدد استراتيجية الاستهداف الخاصة بها، ما سيمكنه من التعافي مستقبلا ما دامت شروط بقائه مستمرة تتجلى في بيئة حاضنة وحدود رخوة تنتعش فيها تجارة التهريب بأشكاله إلى جانب حروب غير منتهية في المنطقة تنتج دولا فاشلة تنمويا وأمنيا وسياسيا.

لكن أبا مصعب عبدالودود لن يتمكن لاحقا من إعادة فرض سيطرته على الجناح الجنوبي لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي رغم تعيين العديد من الحلفاء المقربين كقادة إقليميين، حيث استطاع  التحالف الأمني والعسكري الفرنسي والجزائري من ضرب جماعته في العام 2012 كانت نتيجته تفاقم الانقسام، وفي ديسمبر 2013 انشق مختار بلمختار عن القاعدة في المغرب الإسلامي، ليشكل كتيبة الملثمون الإرهابية.

وكانت اجتماعات على أعلى مستوى للقاعدة بالمغرب الإسلامي تتم في الغابات والجبال برئاسة درودكال، وحضور قياديين بارزين معظمهم من أمراء الكتائب والسرايا وقياديين مركزيين ومسؤولي الاتصال، إضافة إلى مسؤولي المالية وأعضاء اللجنة الشرعية، قبل أن تنتقل تلك الاجتماعات التنسيقية إلى صحارى الجنوب حيث سيتم رصد العديد منها من طرف الأميركان الذين أوصلوا المعلومات للفرنسيين.

العدو البعيد والقريب

التنظيم لا يزال يحتفظ بهيكل قيادة مستقل إلى حد كبير تحدد استراتيجية الاستهداف الخاصة به، الأمر الذي سيمكنه من التعافي مستقبلا ما دامت شروط بقائه مستمرة

تعهد أمير الجماعة السلفية للدعوة والقتال في خريف العام 2003، بالولاء لبن لادن والملا عمر، وبعد خمس سنوات من هجمات 11 سبتمبر، أعلن الظواهري أن الجماعة انضمت إلى القاعدة وحثها على أن تصبح “عظمة” في صليب الصليبيين الأميركيين والفرنسيين، ثم أعلنت الجماعة بقيادة درودكال أنها أعادت تسمية نفسها بـ”القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، وبقيت تابعة لتنظيم القاعدة الأم متحالفة معه أيديولوجيا، ففي منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، سافر العديد من مقاتلي الجماعة السلفية للدعوة والقتال من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي إلى العراق للانضمام إلى القتال مع تنظيم الزرقاوي ضد “المحتل الأميركي”، وحينها ارتبط درودكال مع الزرقاوي، زعيم تنظيم القاعدة في العراق. فكانت النتيجة تبني تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي مجموعة أساليب عمل تنظيم القاعدة في العراق مثل التفجيرات الانتحارية التي أصبحت حاسمة في ضرب أهداف محصنة مثل مرافق الأمم المتحدة والمنشآت العسكرية المحمية جيدا.

لكن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في عهد درودكال، لم يتخل عن عمليات الخطف والتفجير حيث أعلن مسؤوليته عن اختطاف اثنين من مسؤولي الأمم المتحدة الكنديين في النيجر، وقتل مواطن أميركي في موريتانيا، والتفجير الانتحاري ضد السفارة الفرنسية في موريتانيا، كما حاول أفراد مدججون بالسلاح خطف موظفي السفارة الأميركية في تاهوا، النيجر.

على عكس القاعدة الأم المركزية، تعتبر القاعدة في المغرب الإسلامي فرنسا وإسبانيا، وليس الولايات المتحدة، “العدو البعيد”، وتفضل استهداف الحكومات الإقليمية على الدول الغربية، وعلى الرغم من تهديد تنظيم درودكال في الكثير من الأحيان بمهاجمة فرنسا وسارع بالإشادة بمذبحة تشارلي إبدو في عام 2015، لكن لا يوجد دليل على أنه ارتكب أي هجمات خارج المنطقة المغاربية والساحل والصحراء.

العدو البعيد والقريب كما رآه زعيم القاعدة في المغرب الإسلامي، مرتبط بتصوراته الأيديولوجية، القائمة على أساس أن جميع الحكومات غير الإسلامية لا تتمتع بالشرعية، حيث إنها إفرازات للاستعمار الذي غزا المغرب العربي في القرنين الماضيين، ومكن تلك الأنظمة من الحكم، لذلك بدأت تحكم لحسابه وبالنيابة عنه وتنفذ برامجه وتحمي مصالحه وتحارب الإسلام نيابة عنه. ومع ذلك كان أبومصعب عبدالودود مدركا لخطر التدخل العسكري في المناطق التي توجد بها جماعته، ولهذا أمر قادة تنظيمه والمتحالفين معه صراحة بالامتناع عن استفزاز المجتمع الدولي، إلى درجة الصمت والتظاهر بأن تنظيمه حركة محلية ليس لها مشروع توسعي أو جهادي.

أعلن درودكال عدم الاعتراف بحدود جغرافية أو ديموغرافية، ما دامت هناك أمة واحدة ذات تاريخ مشترك ودين واحد ولغة واحدة، متهما الاستعمار بتقسيم الأرض التي لا تزال ممزقة إلى دول مختلفة، عقيدة تختلف في استراتيجيتها التواصلية مع داعش حول مفهوم وخلاصات الخلافة كنظام سياسي وديني فإقامة الخلافة ليست سوى هدف بعيد عند درودكال ومن سيأتي بعده، ولا يجب التعجيل به.

الحرب مستمرة

القيادة المركزية للقاعدة بالمغرب الإسلامي قد تعرضت إلى ضربات موجعة أفقدتها مجلس شورى مؤلفا من 14 عضواً 

قيادات القاعدة بالمغرب الإسلامي حددت فرنسا كهدف أساسي في فواصلها الإعلامية العديدة، وبالمقابل انتقمت فرنسا لمقتل السائحين الفرنسيين في موريتانيا، واختطاف الرهائن بشكل متكرر، وكذلك التهديدات الكثيرة وتخويف السياح، وإجبار سباق باريس- داكار على الانتقال إلى أميركا الجنوبية. ويرى خبراء في الجماعات الجهادية، أن تعقيد شبكات القاعدة في بلاد

المغرب الإسلامي عبر شمال وغرب أفريقيا الواسع النطاق، يوفر للتنظيم القيادة الاستراتيجية بالمنطقة على المدى البعيد خصوصا في تنسيق الهجمات مع مجموعات إرهابية أخرى كجماعة المرابطون ما يشكل خزانا لوجيستيا وبشريا مهما.

المستفيد من مقتل درودكال بعد فرنسا والجزائر، هو تنظيم داعش بسبب العداء الذي استمر منذ أن أصدر تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في العام 2014، بيانا انتقد فيه إعلان أبوبكر البغدادي خليفة من العراق، وشكك درودكال في شرعية ما يسمى بـالدولة الإسلامية.

وقبل أن يستفحل العداء بين الطرفين بعد مقتل البغدادي كان هذا الأخير مستمرا في محاولاته استقطاب درودكال لأخذ البيعة منه والانقلاب على القاعدة الأم، لكن الرجل كانت لديه مشاريعه الخاصة في الاستمرار في قيادة تنظيمه وقطع الطريق على توسع داعش داخل الصحراء والساحل، ولم تكن لديه مساحات كبيرة للمناورة لإقناع ما تبقى من أنصاره وتحالفاته.

وكان أبوعبيدة عبدالحكيم، عضو مجلس شورى داعش، هو المكلف بمهمة استمالة درودكال حيث بعث إليه برسالة في ديسمبر عام 2014، أبرز خلالها نجاح الخلافة في سوريا والعراق، وعبر درودكال عن اعتراضه على انتخاب خليفة دون موافقة أهل الحل والعقد، وعدم وجود تمكين كمتطلب لتأسيس الخلافة وكسر البيعة التي قدمتها القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي مسبقا للظواهري.

وكشفت عدة تقارير استخباراتية أن درودكال كان من بين معرقلي مشروع داعش إحياء دولة الخلافة المزعومة من قبل عناصر التنظيم الإرهابي بمنطقة الصحراء الكبرى، بهدف التمدد نحو المناطق الجنوبية للجزائر وتونس وليبيا ومصر وشمال موريتانيا والسودان ومالي، الشيء الذي أجج الصراع المسلح بين التنظيمين وأودى بحياة حوالي 250 إرهابيا، وبعد مقتل أبومصعب عبدالودود، سيعمل زعيم داعش أبوإبراهيم الهاشمي القرشي، على محاولة استقطاب قواعد وقيادات القاعدة في بالمغرب الإسلامي.

منافسة داعش والقاعدة بالغرب الإسلامي، قد تشكل فرصة للفرنسيين والأميركيين لتعقب كلا الطرفين، وفي هذا الإطار أعلنت فرنسا بعد يوم واحد من مقتل درودكال أسر “أحد الكوادر المهمين” في تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى، حيث قالت وزيرة الجيوش الفرنسيّة فلورنس بارلي، إن “العمليات ضد تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى، التهديد الإرهابي الآخر في المنطقة، مستمرة أيضا”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: