أيها_المغتربون_لا_تؤجلوا_متعة_الغربة_إلى_الوطن_لأن_هناك_لامكان_لنا_سوى_قبور_خالية

باريس _ نجاة بلهادي بوعبدلاوي

لما قررت ان أخوض تجربة الإغتراب لم يخطر ببالي هذا السؤال الغريب لأن ظروفي الصحية لم تكن تسمح بذلك، لكن مع مرور السنين بدأ هذا السؤال يطفوا فوق سطح أفكاري، نعم بدأ يزعجني ويارٌق مضجعي، سؤال أظن أن كل المغتربين لم يطرحوه على انفسهم يوما ما، نعم لم يسأل المغتربون عن أوطانهم الأم هذا السؤال ولم تتح لهم فرصة الإجابة عليه، لعلهم يغيرون نظرتهم إلى الحياة في الغربة..
السؤال هو هل أنا كمغتربة أقوم بتأجيل الحياة في بلاد الاغتراب من أجل الاستمتاع بمستقبل خيالي في بلادي عندما أشتغل ليل نهار وأفوٌت عليٌ فرصة الاستمتاع بالحياة، لكي أحصدالأورو أو الدولار أو….
صدقوني مهما طالت سنوات الغربة لدى البعض، فإنهم يظلٌون يعتقدون أن غربتهم عن أوطانهم مؤقتة، ولابد من العودة إلى الوطن حيث ذكريات الصبا والشباب يوما ما للاستمتاع بالحياة، وكأنما سنوات الغربة جملة اعتراضية لا محل لها من الإعراب، هيهات كم من السنين تمر دون استمتاع بالحياة، كم من العمر يمضي ونحن نمنٌي النفس بما هو في علم الغيب.
لاشك أنه شعور وطني جميل، لكنه أقرب إلى الكذب على النفس وتعليلها بالآمال الزائفة منه إلى الحقيقة، فكم من المغتربين قضوا نحبهم في بلاد الغربة وهم يتمنون العودة إلى وطنهم الأم، وكم منهم ظل يؤجل العودة إلى مسقط الرأس حتى غزا الشيب رأسه دون أن يعود في النهاية، ودون أن يستمتع بحياة الاغتراب، وكم منهم قاسى وعانى الأمرّين، وحرم نفسه من ملذات الحياة خارج الوطن كي يوفر الأموال التي جمعها كي يتمتع بها بعد العودة إلى دياره، ثم طالت به الغربة، وانقضت السنون، وهو مستمر في تقتيره ومعاناته وانتظاره، على أمل التمتع مستقبلاً في ربوع الوطن، كما لو أنه قادر على تعويض الزمان!.
في المقابل كم من المغتربين عادوا فعلاً بعد طول غياب، لكن لا ليستمتعوا بما جنوه من أرزاق في ديار الغربة، بل لينتقلوا إلى رحمة ربهم بعد عودتهم إلى بلادهم بقليل، وكأن الموت كان ذلك المستقبل الذي كانوا يرنون إليه! لقد رهنوا القسم الأكبر من حياتهم لمستقبل ربما يأتي، وربما لا يأتي أبداً، وهو الاحتمال الأرجح! لقد عرفت أناساً كثيرين تركوا بلدانهم، وشدوا الرحال إلى بلاد الغربة لتحسين أحوالهم المعيشية، ولكنهم رغم كل ما حققوه من تكديس المال ندموا على عمرهم الذي ضاع في جمع المال…
انا لا أريد أن أكون مثل هؤلاء أفني عمري في انتظار السراب، لا أريد أن أعود لوطني وأنا محملة على النعش، لا أريد جمع المال، أريد أن أنعم بحياتي أعيشها بالطول والعرض، لا أريد أن ابخل على نفسي بشيء، سأعيش عمري المتبقي حرٌة طليقة كالطير الحر احلق في سماء الوطن الذي اختضنني…

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: