وزارة الدفاع الجزائرية محاولة للتغطية على جريمتها في أقصى جنوب الجزائر بمعلومات مغلوطة
أعادت حادثة مقتل مدني في منطقة تينزواتين الواقعة على الحدود الجنوبية للبلاد مع مالي والنيجر جدلا متجددا حول الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والتنموية الصعبة التي تعيشها المنطقة والتي تدفع السكان للاحتجاج المتكرر ضد المعالجة الأمنية للوضع، ورغم أن وزارة الدفاع قد قالت إن المدني قتل “جراء إطلاق نار مجهول المصدر” إلا أن الجزائريين شككوا في هذه الرواية.
يخيم هدوء حذر على منطقة تينزواتين، الواقعة على الحدود الجنوبية بين الجزائر وكل من مالي والنيجر، وسط تضارب في الروايات بين السلطات المركزية والسكان المحليين حول خلفيات التصعيد الاحتجاجي الذي أودى بحياة مدني من سكان المنطقة إثر مواجهات اندلعت بين الأهالي وأفراد من الجيش المرابطين في المنطقة.
ونفت وزارة الدفاع الجزائرية أن تكون عناصرها تسببت في وفاة أحد سكان بلدة تينزواتين. وذكر بيان للوزارة بأن “إطلاق النار من مصدر مجهول من إخرابن (المنطقة الموازية لتينزواتين في التراب المالي) باتجاه مواقع حرس الحدود أدى إلى إصابة أحد الأشخاص المتجمهرين، وأن أفراد حرس الحدود سارعوا إلى إجلائه للتكفل به من طرف المصالح الصحية غير أنه فارق الحياة نتيجة خطورة الإصابة”.
غير أن التسجيلات التي نقلت على شبكات التواصل الاجتماعي أظهرت طلقا ناريا متكررا وكثيفا في بعض الأحيان وحالة من الذعر وسط المدنيين فضلا عن أظرفة لرصاص حي، ما جعل المتابعين يرجحون فرضية استعمال أفراد الجيش للرصاص الحي في مواجهة المحتجين.
ولفتت وزارة الدفاع إلى أن “مصدر إطلاق النار هو بعض الأشخاص المعروفين في المنطقة والذين يمارسون نشاطات مشبوهة تتعلق بالتهريب والجريمة المنظمة، وأنهم حاولوا تخريب الجدار الحدودي العازل وتحريض السكان على العنف والتظاهر لفك الخناق على مصالحهم المشبوهة في المنطقة”.
وأعادت أحداث تينواتين حقيقة الوضع الاجتماعي والتنموي في المناطق الحدودية الجزائرية إلى الواجهة بشكل يدين تقصير السلطات المتعاقبة خاصة خلال العقدين الماضيين، حيث تركت السكان يعانون البطالة وغياب الخدمات ومعرضين لمختلف المؤثرات الخارجية خاصة المتعلقة بعصابات التهريب والجماعات الجهادية.
خلفيات الوضع المتأزم يعود للجدار العازل الذي أقامه الجيش في المنطقة حيث لم يراع خصوصياتها الاجتماعية والاقتصادية
وتسجل المناطق الحدودية أرقام بطالة قياسية وندرة في الخدمات الحكومية كالصحة والتعليم، فضلا على النقص الفادح في توفر المواد الغذائية والماء الصالح للشرب، فيجد غالبيتهم نفسه مخيرا بين رعي الماشية أو تهريب السلع إلى البلدان المجاورة.
وذكر عضو المجلس الشعبي الولائي لولاية تمنراست (هيئة منتخبة) بوجمعة بَلاّوي، في تسجيل صوتي تم تداوله على نطاق واسع في شبكات التواصل الاجتماعي، بأن “خلفيات الوضع المتأزم في المنطقة يعود للجدار العازل الذي أقامته السلطات العسكرية، حيث لم تتم مراعاة خصوصياتهم الاجتماعية والاقتصادية، كونه يخترق النسيج السكاني لتينزواتين، مما حوّلها إلى منطقة عسكرية يختلط فيها أفراد الجيش بالسكان المدنيين”.
وأضاف “السكان المحليون هم من البدو الرحل أو رعاة الماشية الذين يحتاجون إلى مساحات واسعة للتحرك، ولأن الجدار الحدودي لم يقم في الشريط الحدودي الحقيقي بين البلدان الثلاثة (الجزائر ومالي والنيجر)، فإن تحرك السكان في المساحات المتواجدة خلف الجدار والتي تتراوح بين 50 و120 كلم، جلب لهم متاعب كثيرة مع أفراد الجيش، وأن معاملتهم السيئة والمشينة والتي تمس بكرامة الأشخاص مهما كانوا بوثائق رسمية أو غيرها، خلق حالة من الاحتقان والتوتر في المنطقة”.
وكانت مراسلة لمجموعة من أعضاء البرلمان أطلقت على نفسها تسمية “نواب الصحراء” ، وجهت لرئيس الوزراء خلال شهر مارس الماضي قد تحدثت عن “مقتل شاب كان يستقل سيارة تحمل بعض المواد الغذائية بعد إطلاق النار عليه من عسكريين في إحدى نقاط المراقبة على الجدار الحدودي رغم أنه امتثل
للأوامر”.
ودعا الموقعون على المراسلة إلى “عدم تكرار الحادثة ومعاقبة المتسببين فيها”، وحضّوا رئيس الوزراء على “إسداء تعليمات ميدانية للوحدات العسكرية العاملة هناك، من أجل حسن معاملة المواطنين واحترام تنقل الأشخاص والتفريق بين المواطنين العاديين وبين المهربين فضلا عن إعادة توزيع حواجز المراقبة بغية السماح برعي المواشي في المناطق المتواجدة خلف الجدار، وفتح معابر محددة لذات الغرض، وإدماج شباب المنطقة في المؤسسات الرسمية خاصة الجيش للمساهمة في حماية الحدود على اعتبار أنهم أعرف الناس بالتضاريس الجغرافية للمنطقة”. كما كرر نواب البرلمان مطالب فتح أبواب المؤسسات الرسمية أمام السكان المحليين ودعم فرص العمل والاستثمار والخدمات.
وجاءت حادثة القتل الجديدة لتزيد من تفاقم الأوضاع في المنطقة، خاصة في ظل الظروف الاستثنائية التي تعيشها البلاد على الصعيد الداخلي والإقليمي والحديث عن تغيير عقيدة الجيش في ما يتعلق بالمهام الخارجية، حيث لا زالت عملية قتل أمير ما يسمى “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” أبومصعب عبدالودود على الحدود المالية تثير الاستفهامات حول كيفية وصوله إلى هناك وقطعه لمسافة 2000 كلم في التراب الجزائري دون أن يتم الانتباه له.
وفرضت الأوضاع الأمنية المتدهورة في بعض دول الجوار على السلطات الجزائرية في السنوات الأخيرة تكثيف الوحدات العسكرية على الشريط الحدودي وإقامة جدار عازل بينها وبين النيجر ومالي إلى غاية ليبيا، بغية حماية الأمن الداخلي من المخاطر القائمة في المنطقة.
وكان ناشطون في المجتمع المدني المحلي قد رفعوا خلال الأيام الأخيرة عرائض للسلطات المحلية والمركزية من أجل إعادة النظر في مسار الجدار الحدودي بسبب اختراقه للنسيج العمراني لبلدة تينزواتين وحرمان السكان من الوصول إلى مصادر التزود بالماء الصالح للشرب أو رعي الماشية في الأراضي التي تقع خلف الجدار.
ووصفت وزارة الدفاع الجزائرية المواد التي تم تداولها على شبكات التواصل الاجتماعي بأنها “ادعاءات باطلة ” و”تحريضية”، لكنها في المقابل أصدرت أوامرها لقيادة الجيش بإجراء تحقيق في مقتل المدني في تينزواتين.
ودعت إلى “توخي الحذر من مثل هذه الإشاعات والمعلومات المغلوطة التي تسعى من ورائها أطراف معادية لتأجيج الوضع في هذه المنطقة”.
وقال نشطاء من تينزواتين، إن بيان وزارة الدفاع الجزائرية محاولة للتغطية على جريمتها بمعلومات مغلوطة، فسكان المنطقة لا علاقة لها بالإرهاب والتطرف، والقتيل والجرحى كانوا مسالمين من داخل أزقة البلدة.
وقالت مصادرنا من داخل البلدة إن المسيرة كانت سلمية للمطالبة بعيش كريم وتوفير مياه الشرب، ورغم ذلك تمت محاصرتها بالجيش واستعمل الرصاص الحي من طرف الجيش لوقفها.
ويقول مراقبون إن ما تعيشه الجزائر من أزمات واحتجاجات ليس سببه خارجي كما تسوق له رئاسة الجمهورية ووزارة الدفاع وإنما من تداخل السلطة بالمال والمؤسسة العسكرية وما نتج عنه من قضايا فساد.
وأوضحت مصادرنا السياسية أن ما يحدث بالجنوب بشكل خاص وتحذير الرئيس عبدالمجيد تبون، بأن هناك «أياد تحرض بعدة وسائل»، بمثابة ذر الرماد على العيون بخصوص ملف القائمة السوداء التي تورط فيها عدد من الجنرالات والسياسيين القريبين منه.