أنسنة ملف العشرية السوداء تنكأ جراح الجزائر
تدفع دوائر سياسية بكل ثقلها من أجل إعادة النظر في ملف سجناء “العشرية السوداء” من المحسوبين على الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة، واعتبار هؤلاء سجناء رأي، لكن الذي غاب عن أذهان هؤلاء موقف فئة ضحايا الإرهاب الذين لا زالوا ينظرون للحزب المذكور على أنه وراء مآسيهم العائلية والاجتماعية.
استنكر أفراد مما يعرف بـ”ضحايا الإرهاب” في حديث مع “أخبارنا الجالية ”، الدعوات التي ما انفكت تطلق من حين لآخر، من أجل إطلاق سراح السجناء الإرهابيين المشاركين في تلك الحقبة الدموية، والمتسببين في مآسي المجتمع الجزائري وفي أزمة كبيرة في البلاد، واعتبروها خيانة لتضحيات هؤلاء الذين قدموا حياتهم قربانا لإنقاذ البلاد وراحوا ضحية غدر المشروع الإسلاموي.
يقول موسى بدور “لقد فقدت والدي وأنا طفل صغير، وأذكر أن جدي قضى أياما سوداء بحثا عن جثته، التي عثر عليها بمساعدة أفراد الدفاع الذاتي، في حالة تقشعر لها الأبدان.. وإذا رضيت أنا وعائلتي على مضض بمشروع المصالحة الوطنية بين 1999 و2005، فإنني لن أقبل الآن أن أرى إرهابيين آخرين يطلق سراحهم بدعوى الظروف الإنسانية”.
ويضيف “لقد تجرعت أنا وإخوتي مآسي الفجيعة واليتم غير العادي، ولا أملك تفاصيل عن السجناء الذين يجري الحديث عنهم من أجل إطلاق سراحهم، لكن أرفض العفو عن أي إرهابي تسبب في مأساة، وإذا كانت الدعوى قد وجهت لرئيس الدولة، فالأجدر أن توجه لعائلات الضحايا أولا، فلا أحد يمكن أن يكون وصيا على دماء أهلنا وأقاربنا، ونحن أصحاب الحق الشرعيين الذين يعفون أو لا يعفون”.
ويلفت المتحدث إلى أن “التعاطف مع سجناء الرأي أمر مشروع وإنساني، لأن المسألة تتصل بوضع سياسي تعيشه البلاد منذ أكثر من عام، وبانتفاضة شعبية ضد النظام القائم، ولأن هؤلاء سجنوا لأسباب سياسية واضحة، فإنه لا يتوجب أن يتم الركوب على الموجة من طرف أي كان، أو توظيف الوضع من أجل إلحاق السجناء الإسلاميين بالوضع”.
ويدعو المتحدث فعاليات ونشطاء الحراك الشعبي، إلى رفض أي محاولة لتمييع مطالبهم المشروعة، لأن الالتفاف الشعبي لن يتحقق إلا بتجاوز المرجعيات الأيديولوجية وإفشال مناورات الإسلاميين لتصدر موجة الاحتجاجات المتدفقة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال المقارنة بين سجناء الحراك وبين سجناء العشرية الدموية.
وكان النائب عن حركة العدالة والبناء الإسلامي حسن عريبي، وجه رسالة إلى الرئيس عبدالمجيد تبون، يدعوه فيها إلى “إطلاق سراح معتقلي الحراك الشعبي، وسجناء العشرية الدموية”، في إشارة للعشرات من الإسلاميين الذين يقضون عقوبات سجن متفاوتة منذ حقبة التسعينات، في إطار ما كان يعرف حينها بـ”مكافحة الإرهاب”.
ويعد النائب حسن عريبي من الأصوات النادرة، التي لا تتورع في كسر صمت الإسلاميين في القضايا المعقدة، التي يتفاداها هؤلاء من أجل تلافي المواجهة مع السلطة، حيث ندد في أكثر من مناسبة بما أسماه “التضييق الممنهج منذ عدة عقود على نائب رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحلة علي بلحاج، الممنوع من الحركة والتنقل والمشاركة في النشاط السياسي”.
والآن يلوح بورقة سجناء العشرية الدموية، بدعوى الأوضاع الإنسانية والظروف التي حوكموا فيها، لكنه لم يفصح عن مسؤوليتهم في أحداث بعينها أو تعاطفهم مع أخرى، كما هو الشأن بالنسبة للقيادي أنور هدام المقيم في الولايات المتحدة الذي تعاطف مع التفجير الذي استهدف منتصف التسعينات مقر الأمن بوسط العاصمة، رغم أن غالبية الضحايا كانوا من المدنيين العزل.
وذكر النائب في رسالته بأنه “رغم مرور أزيد من عام كامل على الحراك المبارك إلا أن ملفات كثيرة ما زالت عالقة ولم تر النور، بل رأينا في بعضها تراجعا كسجن نشطاء الحراك الذين كان لهم الفضل في إسقاط العصابة أمثال عبدالله بن نعوم وياسين خالدي وسمير بلعربي ومحمد بلال منادي وكريم طابو.. وغيرهم”.
وأضاف “من تلك الملفات والمظالم أيضا قضية المساجين السياسيين، 160 سجينا محكوما عليهم بالإعدام والمؤبد، بينهم عسكريون ومدنيون اعتُقلوا بداية الأزمة السياسية والأمنية في البلاد عام 1992، بسبب انتمائهم أو تعاطفهم مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ بعد حظرها في مارس 1992، واتُهم هؤلاء بتخطيط وتنفيذ عمليات عنف، من قِبل محاكم عسكرية ومحاكم خاصة واستثنائية أنشأتها السلطات بعد توقيف المسار الانتخابي جانفي 1992”.
وذهب حسن عريبي إلى أن “التفسيرات الحقوقية أوضحت بالأدلة الكافية عدم دستورية الأحكام المطبقة عليهم، ولا عدالتها وشططها، ومطالبة هؤلاء بإعادة المحاكمات، إلا أن السلطة ما زالت تصر في عناد لا طائل من ورائه من مجرد توصيفهم بمساجين سياسيين، وعدم استفادتهم من تدابير العفو التي ينصّ عليها قانون المصالحة الوطنية الصادر عام 2005”.
واعتبر المتحدث أن “مساجين التسعينات هم بدورهم مساجين سياسيون مثل مساجين الحراك، وأن الطابع والظروف والخلفيات التي تحيط بهم هي ظروف سياسية، وأن قضاءهم لفترات سجن تصل إلى 26 عاما كان بسبب آرائهم ومواقفهم السياسية”.
وقال في صرخة إنسانية تتجاهل مأساة إنسانية أخرى يلخصها ضحايا الإرهاب، إن “هؤلاء المساجين تجاوزوا اليوم سن 60 سنة وأنهكتهم الأمراض وطول السجن، ومن ورائهم أهل وعوائل لا يرجون من وراء إطلاق ذويهم إلا هدفا إنسانيا نبيلا، من أجل أن يكملوا معهم ما تبقى من حياتهم خاصة وأن عددا منهم وافته المنية بين جدران السجون”.