التقشف يضع السعودية أمام خيارات تعديل أولوياتها العسكرية
تواجه ميزانية السعودية ضغوطا شديدة بسبب مخلفات اقتصادية بالغة لوباء كورونا وتراجع أسعار النفط، وهو ما يعزز احتمال أن تقلّل من شرائها للأسلحة في سياق سياسة التقشف من ناحية، واقتناص فرصة الصعوبات الاقتصادية من ناحية أخرى لتنفيذ ما جاء في رؤية 2030 لمرحلة ما بعد النفط، التي طرحها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بشأن توطين الصناعات العسكرية.
في الربعين الأول والثاني من سنة 2020 بدأت الرياض تواجه مخلّفات انخفاض الإيرادات، ولذلك قد تقرّر التوقف عن عمليات شراء الأسلحة باهظة الثمن أو تأجيلها، بالإضافة إلى تعديل جداول المدفوعات والتسليم في صفقات الأسلحة التي عقدتها، وسط توقعات بأن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي في البلاد بنسبة تصل إلى 3.2 في المئة سنة 2020.
يذكر أن المملكة فرضت بالفعل تخفيضات في الإنفاق تبلغ حوالي 26.6 مليار دولار، وضاعفت ضريبة القيمة المضافة ثلاث مرات، وراجعت بعض الإعانات مثل الرهن العقاري وبدل غلاء المعيشة.
ومنذ صعود العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى العرش سنة 2015 خفضت المملكة حصتها من الإنفاق من الناتج المحلي الإجمالي من 13.3 في المئة في 2015 إلى 8 في المئة في 2018.
وزاد تخفيض الإنفاق العسكري السعودي مع قرار الرياض بتقليص دورها في حرب اليمن والتشجيع على الحل السياسي بين مختلف الفرقاء سواء داخل الحكومة (من بوابة اتفاق الرياض) أو بين الحكومة والحوثيين من خلال عروض سعودية بددها المتمردون الموالون لإيران.
لكنّ متابعين للشأن السعودي يقولون إن المملكة ستظل ملتزمة بضمان دعم الإنفاق الدفاعي لعقدها الاجتماعي مع المواطنين السعوديين بطريقة تبقيها قادرة على الاستجابة للتهديدات الداخلية، وقطع الطريق أمام استثمار الجماعات المصنّفة إرهابية في البلاد لسياسة التقشف للتحريض والتشويه، مثل جماعة الإخوان المسلمين وأنصار القاعدة وداعش.
ورجّح المحلل السياسي ريان بوهل، في مقال لفائدة مركز ستراتفورت، أن تقرّر المملكة تغيير هياكل رواتب ومعاشات السعوديين العاملين في أجزاء أخرى من الجيش لضمان قدرة العسكريين وعائلاتهم على تجاوز الأزمة الاقتصادية الناجمة عن الوباء في البلاد.
ولم يستبعد بوهل أن تلجأ السعودية إلى تقليل عدد الجنود في جيشها بمرور الوقت، كما فعلت في الفترة الممتدة من 2010 إلى 2015، حيث قلصت هذا العدد من 233500 إلى 227 ألف فرد بإجراءات شملت خفض التجنيد.
وبالتّوازي من المرجح أن تستمرّ الرياض في العمل من أجل تحقيق أهداف رؤية 2030 وفق استراتيجية تشمل تطوير صناعة أسلحة بنسق يمكنها من تلبية 50 في المئة من احتياجاتها الدفاعية خلال السنوات العشر القادمة.
لكن هذا الهدف يبقى بعيدا، إذ لم تلبّ صناعة الأسلحة المحلية في السعودية سوى 2 في المئة من احتياجاتها الدفاعية في 2018. ولكن الشركات التي تملكها للدولة، مثل الهيئة العامة للصناعات العسكرية والشركة السعودية للصناعات العسكرية، ستواصل تلقي الدعم الحكومي نظرا لدورها الحيوي المتزايد في توسيع الاقتصاد السعودي غير النفطي الذي يعدّ هدفا رئيسيا لرؤية 2030.
وتوظّف صناعة الدفاع آلاف السعوديين بالفعل ممّا يحفز الرياض على مواصلة دعم شركات التصنيع العسكري والشركات المحلية الأخرى لضمان قدرتها على النموّ لتوفير المزيد من مواطن الشغل.
ويتوقع ريان بوهل أن تتجنب الرياض إبرام صفقات أسلحة جديدة مع أطراف أجنبية حتى تسمح الظروف الاقتصادية لها بشراء نظام باهظ أكثر فعالية، وكذلك العمل على تأخير مدفوعات صفقات الأسلحة الحالية، بما في ذلك اتفاقها المبرم في سنة 2017 مع الولايات المتحدة لشراء أسلحة أميركية بقيمة تتراوح من 110 إلى 350 مليار دولار بحلول 2027.
وقد أنفقت الرياض 4 مليارات دولار في ستة من عقود الأسلحة مع الدول الأخرى على مدار العامين الماضيين، وهو أقل بكثير من المتوسط المنخفض البالغ 11 مليارا سنويا، وفقا للخارجية الأميركية.
وفي أكتوبر قالت شركة الدفاع جنرال ديناميكس، ومقرها الولايات المتحدة، إن السعودية تأخرت في دفع 3.4 مليار دولار تقريبا مقابل مركبات خفيفة مدرعة منتجة في كندا، مما يشير إلى أنها قد تفكر في إبطاء المدفوعات للعقود الدولية الأخرى خارج الولايات المتحدة.
وبالإضافة إلى التأخر المحتمل في التعافي من تداعيات فايروس كورونا وأسعار النفط المنخفضة قد يواجه التطوير الدفاعي في السعودية أيضا تحدّيا يتمثل في التعامل مع إدارات أميركية تتميز مواقفها بالمزاجية والتقلب في السنوات الأخيرة.