المذهبية واللامذهبية.. صراع محموم بين الاعتدال والتطرف

الكل بات مقتنعا بأن المذهبية عامل مهم في استقرار الدول الإسلامية وطمأنينة الشعوب، وكذلك ضمانة مهمة لحسم الفوضى الدينيَّةِ التي ساهمت في تأجيجها الدعوة إلى اللامذهبية المثيرة للكثير من البلبلة والتشويش على مناحي الحياة والإنسان المسلم بشكل خاص، وذلك بضرب عنصر أساسي وهو الاجتهاد المبني على قواعد فقهية.

وتقضي اللامذهبية بعدم تقليد إمام من أئمة المذاهب الأربعة الأمر الذي قد يخلق ارتباكا لدى المسلمين الذين يريدون إجابات حاسمة لمشكلاتهم اليومية المتعلقة بالعقيدة والتدين، ما يشكل إحدى الطرق السريعة نحو بروز تأويلات تخلق بيئة مواتية لنشر التطرف.

وفي هذا السياق، يؤكد الأمين العامّ للرّابطة المحمّديّة للعلماء في المغرب أحمد عبادي، أن توزُّعَ أصحاب اللامذهبية في تاريخ التّشريع الإسلامي، طوائفَ ومذاهبَ، أنتجَ فوضى في التّعاطي مع نصوص الشّرع، وتبعتها فوضى أكبر في مستوى التّنزيل والإفتاء.

وفصل أحمد عبادي بين “أصناف المنتسبين إلى اللامذهبية في بعض النّابتة من المنتَسِبين زورا إلى العلم، وهم متطرّفون ومُنتَحِلون مُبطِلون، يُؤَوِّلون النُّصوص الشّرعية وفق نزعة التطرُّف عندهم؛ فحملوا لواء التَّكفير، وإعلان الجهاد، وهذا حال العديد من المُتَطَرِّفين في عصرنا الحالي، الذين استحلّوا الدّماء والأعراض فأظهروا في الأرض فسادا عظيما”.

ويضيف العبادي أن “اللامذهبية أنتجت فوضى في التعاطي مع نصوص الشرع، تبعتها فوضى أكبر في مستوى التنزيل والإفتاء”.

ويوضح في تصريح لـ”أخبارنا الجالية ” أن “اللامذهبية، باعتبارها تعكس نظرة غارقة في الوهم الأيديولوجي، يوضح أنها لم يحصل عليها إجماع، وظهور اللامذهبية بشكلها العنيف ووجهها المخيف دون انضباط بالقواعد والأصول وسط مذهبية هادئة حكيمة، إنما هو فتنة للعوام، وعبث بالمقرَّر من نافذ الأحكام”.

ومن جانبه يرى إدريس خليفة عضو المجلس العلمي الأعلى المغربي أن السلفيين المتشددين يدعون بأن المذهب بدعة، ولا يؤخذ الفقه ولا الفتوى مما هو مدون في كتب تلك المذاهب.

ويضيف خليفة أن “السلفيين والمتطرفين الذين يؤولون النصوص حسبما يوافق نزعة الغلو والتطرف عندهم، يصِل بهم الأمر إلى درجة تكفير مَن عداهم، وهم منغلقون على أنفسهم، ولا يعيرون أهمية لما يقول العلماء، لأن من لا يتبعهم كافر في نظرهم”.

وينتقد كبار العلماء دعوى المدافعين عن اللامذهبية التي تتمظهر في وجوب الأخذ مباشرة من الكتاب والسنة دون إلتزام بأصول مذهب معين من المذاهب الفقهية المتبعة.

ويرى أحمد عبادي أن اللامذهبية لم يحصل عليها إجماع، وظهورها بشكلها العنيف دون انضباط بالقواعد والأصول وسط مذهبية هادئة بصيرة حكيمة، إنما هو فتنة للعوام وشطط للطغام وعبث بالمقرَّر من نافذ الأحكـام.

وفي هذا الصدد يقول العلامة السوري محمد سعيد رمضان البوطي، إن الدفاع عن مشروعية اتباع مذهب معين يمنع السقوط في فخ اللامذهبية الذي يؤدي إلى الفوضى مما يجلب مفاسد اقتصادية واجتماعية.

أحمد عبادي: توزُّعَ أصحاب اللامذهبية في تاريخ التّشريع الإسلامي، طوائفَ ومذاهبَ، أنتجَ فوضى في التّعاطي مع نصوص الشّرع

والحركات الإسلامية المتطرفة تلغي المذهبية لاعتبارات تخدم أهدافها والمتمثلة في إفساح المجال لقياداتها بالإفتاء في موضوعات تخص حياة الناس ومعيشهم وعقائدهم وذلك ما يساهم في انتشار الفوضى والدغمائية المتصلبة غير المعتدلة والوسطية، خصوصا وأن الاجتهاد مرتبط أساسا بمبادئ تتصل بمذهب ما.

ويتفق مع هذا الرأي أحمد عبادي، الذي شدد على أن من يرفعون اليوم عقائدهم بدعاوى الأخذ المباشر من السلف، وعصمة الأمة من التلف، يقودون أنفسهم والأمة إلى الضلال مستبدلين الذي هو أدنى بالذي هو خير، إذ لا سبيل للوقوف على أصل الميراث المحمدي، إلا بجعل منهاج التماسه بما به بُدئ.

واللامذهبية كما يراها إدريس خليفة عضو المجلس العلمي الأعلى، فهي لا شيء وغير ثابتة بل هي اسم أو وصف مناقض للمذهب، وحيث إن الأشياء قد تُعرف بأضدادها.

وعليه لا بد من تعريف المذهب الفقهي الذي هو ما ذهب إليه إمام من الأئمة في الأحكام الاجتهادية، وقد أخذت مفهوما جديدا عند المتأخرين من الفقهاء، حيث أصبح المذهب، يعني ما به الفتوى في مذهب من المذاهب التي تعتبر حصيلة اختلاف الفقهاء في مسائل اجتهادية غير قطعية الثبوت.

ويعتمد اجتهاد إمام المذهب على قواعد فقهية، حسب خليفة “فلكل مجتهد أصوله وقواعده، وهي تتلاقى في الأكثر، وينفرد بها البعض، ولكنها في جملتها تميز كل مذهب، وتجعل منه بناء متماسكا، له خصائصه ومظاهره”.

ويوضّح الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، أنّ المذاهب الفقهية الأربعة قد حمت النّظر إلى الشريعة واستنباط الأحكام كما يظهر من فحص تاريخها، حيث اضطرّ الناس إلى الاجتماع على فهم موحّد، يجمع بشكل سلس حول ما تحصّل من فتاوى الصحابة.

وإذا خصصنا من بين المذاهب الأربعة السنية الأساسية نجد المذهب المالكي الذي يعتبر مذهبا وسطيا تبرز وسطيته في أصل العرف الذي يراعي أحوال الناس وعاداتهم وتقاليدهم، الاعتدال والتطور والتجديد؛ الواقعية، وتعني الاهتمام بما هو واقع وجرى عليه الناس في حياتهم. وأما المرونة، فتتجلى بوضوح في قاعدة مراعاة الخلاف التي تَرجِعُ أهميتُها أساسا إلى محاولة التقريب بين المذاهب.

وقد استقر طيف واسع من الدول الأفريقية على اتباع المذهب المالكي لأسباب تاريخية واجتماعية وروحية ونفسية، مع مطالب بتوسيع رقعته ضمانا لتفكيك مسببات التطرف والعنف المنتشرة في بعض مناطق القارة السمراء، نتيجة التأويلات غير العلمية للنص واجتهاد المتطرفين.

وفي هذا الصدد قال عبدالمهيمن محمد الأمين عضو مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة ومؤسس ومدير جامعة المغيلي الدولية بالنيجر، إن المذهب المالكي من أكبر الوسائل التي حققت الوحدة والتواصل والانسجام بين شعوب شمال قارة أفريقيا وغربها.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: