الحكومة الجزائرية تحسم أمرها.. كل الصلاحيات بيد الرئيس
يسعى النظام في الجزائر لإيهام الجزائريين بأنهم يعيشون في ظل نظام شبه رئاسي، مجندا فقهاء القانون الدستوري على قنواته لتأكيد ذلك الوهم الكبير، بينما هو في حقيقة الأمر نظام فريد وهجين تأسس على تعمّد تداخل السلطات في ما بينها.
في إطار الاستمرار في هذا النهج، صرح الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون أن غالبية الجزائريين يميلون إلى نظام شبه رئاسي، زاعما أن نظاما مثل هذا يمنح صلاحيات قوية للمنتخبين، ويطرح آليات قوية للرقابة والمحاسبة.
لا ندري ما هي المصادر التي اعتمدها تبون في معلوماته، خاصة أننا لم نسمع عن سبر آراء واحد جرى في هذا الخصوص. بينما بدا مستشار الرئيس محمد لعقاب أكثر صراحة في حديثه للتلفزيون الحكومي، مؤكدا أن السلطة لا تأخذ باقتراحات تطالب بتغيير طبيعة النظام “لقد اخترنا النظام شبه الرئاسي ولا داعي لاقتراح النظام البرلماني، فالمسألة محسومة”.
يفهم من هذا أن طرح مشروع الدستور الجديد للمناقشة ما هو إلا تمثيلية، وأن الحكومة ماضية في ممارسة الوصاية على الجزائريين متحدثة باسمهم فارضة نظاما لم يختاروه.
ولم يكلف المسؤولون أنفسهم حتى بطرح نسخة إلكترونية من مشروع الدستور، وتم الاكتفاء بنسخة رديئة طرحت مؤخرا، حتى لا يتاح للمعارضة الوقت الكافي للاطلاع على المشروع وكشف الفخاخ المنصوبة فيه، بينما أرسلت نسخا ورقية جيدة للأحزاب والشخصيات المؤيدة للحكومة في وقت مبكر.
في الحقيقة لا يهدف المشروع المطروح عمدا في أوج أزمة وباء كورونا إلى تغيير طبيعة النظام، كما يطالب الجزائريون منذ فبراير 2019، الذين خرجوا في مظاهرات عارمة، بل هو محاولة مفضوحة لتكريس الوضع السابق، والتظاهر بالتغيير والتجديد. لنأخذ مثالين يؤكدان الكبح الدستوري للديمقراطية من خلال هذه المناورة المكشوفة.
أولا، لم يكن الدستور الجزائري ينصص على أن الرئيس هو أيضا وزير للدفاع، حدث ذلك بعد انقلاب هواري بومدين على الرئيس بن بلة سنة 1965 ليستحوذ مباشرة على وزارة الدفاع، ثم ضغط ليضمن الميثاق الوطني نصا بذلك عام 1976.
ودأب الرؤساء في الجزائر منذ ذلك التاريخ على التشبث بحقيبة الدفاع، بغض النظر عن فترة قصيرة في بداية التسعينات حيث تولى الجنرال خالد نزار وزارة الدفاع من 1990 إلى 1993.
هذا التقليد ضرب الديمقراطية في مقتل، وهو ما أراد الحراك تجاوزه برفع شعار “مدنية لا عسكرية”. رغم ذلك لا توجد إشارة في المشروع التعديلي للفصل بين الرئاسة ووزارة الدفاع، على الرغم من أهمية المسألة في إرساء نظام ديمقراطي في البلد.
الجمع بين منصب وزارة الدفاع والرئاسة في نفس الوقت يجعل من المستحيل على البرلمان مساءلته وطرح الأسئلة عليه، كما هو الحال مع بقية الوزراء، وبالتالي سيبقى البرلمان كما كان دائما عاجزا عن مراقبة قطاع مهم ومؤسسة حساسة من مؤسسات الدولة المتمثلة في القطاع العسكري.
تثمين قائد الأركان بالنيابة الجنرال سعيد شنقريحة لهذه “المسودة” علنا هو استمرار للتداخل الغريب بين السلطة السياسية والسلطة العسكرية. وعندما زار عبدالمجيد تبون مقر وزارة الدفاع، وزارته، ألقى سعيد شنقريحة خطابا رحب فيه بالرئيس وأشاد بجهوده لتحقيق ما وعد به، وبحسن تدبيره في مكافحة فايروس كورونا، وغيرها من القضايا السياسية البحتة التي لا تدخل في مهامه كعسكري.
ثانيا، لا وجود لنظام شبه رئاسي يتم الحديث عنه، لا في الدستور الحالي ولا في المشروع المقترح للتعديل، ولا في الواقع. كل الصلاحيات في يد الرئيس.
مسودة الدستور، كما أسماها النظام، لا تكتفي بتكريس ما كان موجودا في الدستور الحالي من تناقضات، وتركيز السلطة في يد رئيس الجمهورية، بل تقترح إضافة صلاحيات كثيرة أخرى كما هو مدون في المادتين 95 و96، تجعل منه إمبراطورا على رأس نظام فريد من نوعه، لا يمت بصلة إلى النظام شبه الرئاسي المزعوم، بل هو نظام فوق رئاسي بامتياز.
من الصلاحيات التي تمت إضافتها للرئيس تمكينه من تعيين نائب له وهذا مناف لأبسط قواعد الديمقراطية، إذ سيفتح مجالا لشخص غير منتخب ليحكم الجزائريين في حالة غياب الرئيس بسبب عجز أو وفاة.
كما أضيفت للرئيس صلاحية إرسال وحدات من الجيش إلى الخارج، وإمكانية تعيين المسؤولين في كل المناصب، سواء كانت سياسية أو إدارية أو قضائية أو عسكرية، كما أن رئيس الجمهورية غير ملزم بتعيين رئيس الحكومة من الأغلبية البرلمانية.
وقال مقرر اللجنة التي حررت “المسودة” في تصريح للتلفزيون العمومي إن رئيس الجمهورية ليس جزءا من السلطة التنفيذية، بل هو سلطة أعلى من السلطة التنفيذية. فماذا ستكون مكانته القانونية إن امتلك كل الصلاحيات دون أن يكون مسؤولا سياسيا يتعرض للمحاسبة، باعتبار أن الحكومة هي من يتحمل مسؤولية البرنامج السياسي وليس الرئيس؟