الوباء أظهر الحاجة الماسة للكتاب

أثبت انتشار فايروس كورونا وما رافقه من حالة حجر صحي والتجاء الناس إلى منازلهم، كم نحن في حاجة إلى الكتاب باعتباره أنيسا ومصاحبا لا غنى عنه في اللحظات الصعبة، لكن في الوقت الذي كنا في حاجة إلى الكتاب وجدنا صعوبة للولوج إلى فضاءاته، والمفارقة أن المكتبات تم إغلاقها خلال مدة الحجر الصحي ولم يُتعامل معها كاستثناء مثل الصيدليات والمخابز وأصحاب البقالة، وهذا ما يناقشه مهنيون في مجال الكتاب بالمغرب.

في فترة العزل والحجر الصحي التي فرضتها أزمة كورونا في المغرب، أغلقت المكتبات، ولم تستثن من قرار الغلق. فهل كان استثناء الكتاب ضروريا أليس الكتاب مثله مثل الدواء والخبز في هذا الظرف تحديدا؟

سؤال طرحه الكاتب ياسين عدنان على عدد من الفاعلين في مجال صناعة الكتاب في ندوة افتراضية ناقش فيها الحاضرون، كيف تعاملت المكتبات والناشرون مع تداعيات الجائحة والآفاق المنتظرة والاستراتيجيات المقبلة لاستعادة زخم الكتاب والمكتبات في زمن الرقمي، كما ناقشوا وضع الكتاب الرقمي والمؤهلين لتوفير هذا المنتوج كمستوى آخر للتعاطي مع الكتاب.

واقع الكتاب

في زمن جائحة كورونا، أكد صاحب بيت الحكمة بمدينة تطوان محمد المحبوب، على تواصل المئات من المهتمين بالكتاب مع مؤسستهم بغية اقتناء ما يلزمهم من الكتب للتغلب على يوميات الحجر وإكراهاته، لكنهم لم يتمكنوا من تلبية حاجيات القراء بفتح فضاءاتهم في وجوههم، وهذا ما يبرز أهمية الكتاب في حياتنا للتكيف مع مثل هذه الظروف، مشيرا إلى أنه من المفروض في مواجهة هذا المتغير التفكير في آليات جديدة للتعامل.

من جهته لفت حميد عبو، مدير دار نشر فاصلة بطنجة، إلى أن الزمن الوبائي أظهر الحاجة الماسة للكتاب والقراءة ولعل الدليل على هذا الكلام هو طلبات القراء الذين عبروا عن رغبتهم في الاقتناء دون تمكننا من تلبية هذا الطلب، ولهذا لا نتمنى أن نمر من هذا الظرف مرة أخرى ومع ذلك لابد من التفكير في صيغة مرنة لتلبية حاجيات القراء.

وباعتبار المكتبات محلات أساسية للتغلب على يوميات الحجر، لهذا يقول ياسين عدنان، إن على الكتبيين أن يطوروا من مستوى عملهم على المستوى الرقمي وتقديم خدمات عن بعد للزبائن وهو تحدّ كبير، وإذا وصلنا إلى هذه الخدمة سنكون قد قطعنا شوطا كبيرا في تقريب الكتاب من القارئ المغربي.

الندوة ناقشت وضعية الكتاب وهيكلة كل إطارات الكتبيين والناشرين، ومواجهة القضايا الحقيقية التي تهم صناعة الكتاب

إذن كيف يتخيل المكتبي التواصل مع القارئ في ظل ظروف بالصعوبة التي مررنا منها في الأشهر الماضية، هنا يذهب حسن كمون، مدير مكتبة باريس بمدينة الجديدة، إلى القول إن إغلاق المكتبات على إثر الجائحة كان خطأ كبيرا وفادحا عكس بعض الدول الأوروبية التي لم تأمر بنفس القرار، في الوقت الذي لدينا نحن قطاع هش يعيش مشاكل كبيرة منها قرصنة وطبع الكتاب وغيرها تهم البيع والشراء، الناشر والمستورد والصفقات العمومية، التي تذهب رأسا إلى المستورد وليس لكتبيي الداخل، هذه إشكالات تضاف لها مشاكل كورونا لتدق مسمار ما بعد الأخير في هذا القطاع.

وفي تدخله بالندوة يقول رئيس الاتحاد المهني للناشرين بالمغرب، عبدالقادر الرثناني “جائحة كورونا أبانت لنا كمهنيين يشتغلون في ميدان الكتاب أننا لم نكن مهيئين للكتاب الرقمي رغم أننا أدركنا أنه أصبح ضرورة، ولابد أن نسارع لإدخال هذا المنتوج للتداول في المكتبات المغربية بشكل واسع لأننا تخلفنا كثيرا على الركب”.

ويؤكد حسن كمون مدير مكتبة باريس بالجديدة “ككتبيين حاولنا التعاطي في هذه المرحلة وتلبية رغبة قرائنا بطرق متعددة، أدخلنا وسائل التواصل الاجتماعي كالوتساب والفيسبوك، لكننا فكرنا في بدائل لمستقبل المكتبات ما بعد كورونا لأننا لمسنا أهمية البيع عن بعد بواسطة الشبكة العنكبوتية التي مع الأسف لازلنا لم نستغلها على الوجه الصحيح والأمثل، باستثناء مكتبتين في الرباط والدار البيضاء”.

وبخصوص الهيكلة الرقمية والحلول التي يراها ككتبي في حالة مماثلة، يقول كمون هناك بعض الحلول التي لابد للناشر أن يقترحها في علاقته الرقمية بالكتاب والقارئ، استفادة من عدد من البلدان لها تقاليد في صناعة الكتاب استطاعت تجسير الهوة مع القارئ عبر الكتاب الرقمي وما إليه، خصوصا أن الكتاب المغربي لم يستطع في لحظة حاسمة كالتي نعيشها توفير هذه المادة رغم أن القارئ كان على استعداد لاقتنائه.

مستوى الإقبال

عودة الإقبال على الكتاب

في هذه اللحظة التي اجتاحت فيها كورونا جميع القطاعات، يطرح الكاتب ياسين عدنان، تساؤلا مهما؛ ألم يكن الأحرى بوزارة الثقافة أن تكون في الطليعة لاستعادة المكتبات لحياتها وتعيد تلك الحميمية التي تكلست لشهرين من الحجر؟ هنا يقول النخلي، إن الوزارة كانت حاضرة وبقوة حيث هناك عدد من الجمعيات المهنية طالبت الوزارة بالتدخل لفتح المكتبات وبالفعل تدخل الوزير وتم فتح المكتبات، وبالتالي الوزارة كانت وراء الحدث.

المكتبات فتحت أبوابها والسؤال المطروح على الكتبيين، هو هل كان لديهم إحساس بأن هناك قارئا متعطشا ينتظر لحظة فتح المكتبات؟ هنا يؤكد مدير مكتبة خدمة الكتاب بالرباط رشيد هوسي، أنه قبل الإغلاق كان لدينا إقبال جد مهم خصوصا في اقتناء روايات باللغة العربية ولغات أخرى، وهو ما أثار انتباهنا، وأنا كمسؤول عن التواصل بالمكتبة استفسرت عن الأمر فجاء الرد من القراء أنه استعداد لتمضية وقت الحجر. بعد غلق المكتبات بالطبع لدينا بعض الطرق للتواصل مع زبائننا عبر الهاتف ووسائل التواصل الاجتماعي. وهناك تساؤلات عن إمكانية توفير الكتاب الإلكتروني.

وبعد إعادة فتح المكتبات لمسنا بالفعل تعطش القراء للكتاب، يقول رشيد هوسي، إن الإقبال مرة أخرى كان جيدا خصوصا بالرباط، مشددا على توفر إجراءات السلامة وتأمين المكتبة بتعقيمها بشكل حرفي، إلى جانب تقسيم الزبائن إلى قسمين كل فئة تتبضع في زمن معين تفاديا لأي اكتظاظ.

إعادة الهيكلة

التنشيط الثقافي آلية من آليات بيع الكتب

كمهتم بالمجال الثقافي اعتبر الكاتب ياسين عدنان، أنه لكي نحس بأن الأمر يبشر فعلا بخير لابد أن نفكر بشكل جماعي في وضعية الكتاب وهيكلة كل إطارات الكتبيين والناشرين، ومواجهة القضايا الحقيقية التي تهم صناعة الكتاب، كون الأزمات تعصف بالجميع مثل كورونا لتكون فرصة لتجريب إمكانات جديدة لتضافر الجهود والعمل الجماعي.

وفي هذا الخصوص كشف رئيس اتحاد الناشرين عبدالقادر الرتناني، إلى أنه بعد تعيين وزير الثقافة الجديد اتصلت به لاقتراح إعادة هيكلة قطاع المكتبات بشكل أكثر مهنية، ولأول مرة طلب الوزير خارطة المكتبات الموجودة بالمغرب وعدد الكتبيين الذين يشتغلون في المجال، كما طالب بمعطيات حول عدد موظفي وعمال كل مكتبة وهل المكتبة ملكية أم مكتراة وكم سنة يشتغل بهذا المجال، وهذا شيء يبشر بخير وسوف نرى ماذا سيسفر عنه من نتائج.

ويؤكد رئيس اتحاد الناشرين المغاربة عبدالجليل ناظم، على ضرورة التفكير جديا مستقبلا في هذه الوضعية حيث هناك تضخم في البنية المهنية لا يطابق الواقع الهش الذي يعيشه الكتاب بالمغرب، لهذا نحتاج ما بعد كورونا إلى لقاء جامع لكافة المهنيين لنناقش الانقسامات الهيكلية ومواجهة القضايا الرئيسية المتعلقة بوضعية الكتاب والثقافة المغربية.

ويرى ناظم أن البنيات التنظيمية للناشرين بالمغرب تعاني من الالتباس حيث أن هناك فقط أهدافا تجارية تحرك الجميع باستثناءات، مضيفا “مهنتنا لها بعد ثقافي أساسي داخل المجتمع المغربي، لهذا فالمسألة الثقافية وارتباطها بالمهنة لابد لها من حد أدنى من الوضوح ونقاش يطرح أهدافنا جميعا من الفعل الثقافي لتكون لنا أهداف واضحة وبعيدة المدى تؤهلنا للتعاون مع الفاعلين في الميدان الثقافي وذلك بدعم القارئ ومجتمع المعرفة”.

ويشدد على أن تحول المجتمع من مجرد مستهلك للمادة الثقافية إلى منتج لها ودعم البنية التحتية للإنتاج الثقافي ولابد للسلطات العمومية أن تشاركنا التفكير في هذا الموضوع، والتضامن مع كل منتج للثقافة كيفما كان نوعه فالمغرب يملك ثروة ثقافية كبيرة.

أهمية الاشتغال على الكتاب الرقمي وتطوير أساليب تسويق الكتاب الورقي 

ويقول حسن كمون “ككتبيين سنشتغل على مشروع بنك معلومات الكتاب المغربي، وهو ما سيقدم خدمة كبيرة للكتبيين المغاربة في المستقبل، ونحن نرى للغد بعين التفاؤل ونحن في طريق الهيكلة الرقمية من أجل خدمة القارئ والكتاب والناشر والثقافة بشكل عام بالمغرب”.

الرهان هو اشتغال الكتبيين ليس كبائعي كتب وإنما كفاعلين ومنشطين ثقافيين وكيفية العمل على أن يصبح الكتاب مادة للتنشيط الثقافي، وهنا يقترح عبدالله السليماني، مدير المكتبة الوسائطية بالجديدة، عملية التنشيط بالمكتبات العمومية بتنظيم لقاءات مع مؤلفين ومثقفين ومحاضرات ندوات وأمسيات شعرية وفنية، كما أن هناك أنشطة موجهة للأطفال مثل ورشات القراءة والكتابة وورشات الحكي والرسم، وقد تمتد من داخل المكتبة إلى خارجها من قبيل لقاءات فكرية بالمقاهي ومكتبات مؤقتة بمراكز التسوق والشواطئ.

واعتبر عبدالله السليماني أنها آلية لترويج الرصيد الوثائقي مثل كتب لا يتم تداولها عموما، حيث أصبح التنشيط الثقافي ضرورة ملحة إذا أردنا المكتبات تحافظ على ديناميكيتها وضمان استمراريتها خصوصا مع تنامي ظاهرة العزوف عن القراءة.

ويقترح السليماني على المكتبات الاتجاه نحو ربط شراكات مع الجمعيات التي تعنى بالثقافة في المدن المغربية وذلك لاستقطاب رواد جدد للمكتبات من جميع الفئات، لإنعاش قطاع الكتاب.

وياسين عدنان، كمهتم بالمنتوج الثقافي، يؤكد أن التنشيط الثقافي آلية من آليات البيع وأن تكون المكتبة بالتالي حاملة لمشروع ثقافي وليس فقط مكانا للبيع، وبالتالي تصبح المكتبة لها آلية تفكير لبرمجة ثقافية وخطة للعمل الثقافي سنوية أو شهرية.

في هذا السياق أشار حميد عبو إلى أنه بالفعل فقد فكرنا في مكتبة فاصلة كفضاء ثقافي أكثر منه مكان لترويج الكتاب، فضاء يلتقي فيها الزبون بمثقفين وشعراء ومفكرين واعتمدنا على برنامج ثقافي دوري وسنوي، وعملنا شراكة مع مطعم الخبز الحافي بطنجة تكون بداخله أنشطة ثقافية للترويج للكتاب، عكس ما يتم الترويج له أن الفضاءات الأخرى من غير المكتبات تكون مقفلة في وجه الثقافة والمثقف.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: