عودة الحرس القديم إلى الواجهة تجهض آمال التغيير في الجزائر
خابت آمال الكثير في الجزائر من إمكانية حدوث التغيير السياسي المنشود، بعد الكشف عن لائحة جزئية لأعضاء الثلث الرئاسي، الذين سيلتحقون بالغرفة الأولى للبرلمان (مجلس الأمة)، وذلك غداة ظهور بوادر استعادة السلطة الجديدة في البلاد للعديد من الوجوه المستهلكة المحسوبة على النظام السابق.
وأثارت اللائحة المعلن عنها من طرف رئاسة الجمهورية الجزائرية، والتي تتضمن شخصيات تم تعيينها لتشغل الثلث الرئاسي، لغطا كبيرا لدى الشارع الجزائري، بسبب تضمنها لشخصيات محسوبة على النظام السابق.
واستعان الرئيس عبدالمجيد تبون بوجوه قديمة ومعروفة منذ تسعينات القرن الماضي في مختلف المؤسسات، لتكون بذلك بمثابة قطيعة مع آمال التغيير التي حملها حتى أنصار السلطة الجديدة في البلاد، كما هو الشأن بالنسبة للوزيرة والنائبة السابقة ليلى عسلاوي ووزير العدل السابق محمد ماحي باهي وغيرهما.
وباستثناء بعض المحامين والكوادر المخضرمين، فقد غابت الكفاءات العلمية والخبرات الأكاديمية، عكس طموحات الكثير من أنصار تبون، الذين كانوا ينتظرون تعيين كفاءات عليا تزيد من أهمية ورمزية الغرفة البرلمانية، التي تصاعدت الكثير من الأصوات من أجل حلها بموجب النقاش المفتوح حول الوثيقة الدستورية.
وألمح تعيين الوزيرة السابقة للشباب والرياضة وعضو المجلس الانتقالي ليلى عسلاوي، التي ظهرت في الواجهة خلال تسعينات القرن الماضي، غداة توقيف المسار الانتخابي الذي اكتسحته آنذاك جبهة الإنقاذ الإسلامية، إلى عدة رسائل سياسية تتضمن العودة التدريجية لخصوم الإسلاميين إلى المؤسسات الرسمية، وعلى رأسهم عدد من السياسيين والأمنيين والعسكريين الذين استعانت بهم مؤسسة الرئاسة في الآونة الأخيرة.
ومنذ استحداث الغرفة البرلمانية بموجب دستور العام 1996، وظفت من أجل تحقيق التوازن مع الغرفة الثانية (المجلس الشعبي الوطني)، خاصة وأن المشرع أعطى لرئيس الدولة صلاحية تعيين ثلث الأعضاء، وذلك تفاديا لأي ضغط قد يفرضه نواب الغرفة المذكورة التي في العادة يكون التمثيل فيها مفتوحا لتشكيلات سياسية كثيرة، عكس مجلس الأمة الذي تهيمن عليه في الغالب أحزاب السلطة وأعضاء الثلث الرئاسي.
وعادة ما تم توظيف مناصب الثلث الرئاسي منذ تسعينات القرن الماضي لتكون على شكل مكافآت سياسية للشخصيات والوجوه التي تقدم خدمة لرئيس الجمهورية، بينما كان يتطلع الكثير لأن تكون فضاء لصهر الخبرات والكفاءات العلمية والأكاديمية من أجل تقديم المقاربات والاستشارات المفيدة لمصير ومستقبل البلاد.
ويوصف مجلس الأمة بـ”دار العجزة” كناية عن توظيفه من طرف الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة ليكون نهاية خدمة بمزايا سياسية واجتماعية راقية للمقربين منه والذين قدموا له خدمات كبيرة، حيث فاق سن بعض أعضائه حينذاك 80 عاما، على غرار الأمين العام السابق لحزب جبهة التحرير الوطني المسجون حاليا جمال ولد عباس والراحل بوعلام بالسايح ورئيس الغرفة الحالي صالح قوجيل.
وحتى إن تبقى اللائحة مفتوحة لأعضاء آخرين من أجل تلبية رغبات الناقدين على الرئيس عبدالمجيد تبون، باعتبار الثلث يتضمن 48 منصبا، فإن السن والهوية السياسية للنواب الجدد في مجلس الأمة، أثارا غيظ حتى المؤيدين للسلطة الجديدة، والذين شكلوا الوعاء الانتخابي لتبون في الاستحقاق الرئاسي الذي جرى في 12 ديسمبر الماضي.
وأبدى الكثير مخاوفهم من عودة التيار الفرنكفوني الاستئصالي إلى مراكز السلطة، بسبب دور بعض الرموز في حقبة تسعينات القرن الماضي، في دفع المؤسسة العسكرية إلى التورط في السجال السياسي الداخلي والتدخل لإلغاء مسار انتخابي أدخل البلاد في حرب أهلية أودت بحياة ربع مليون جزائري بحسب إحصائيات رسمية.
وعلق هؤلاء آمالا كبيرة على عمل القائد السابق لأركان الجيش الجنرال قايد صالح، في إصلاح وإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية، بشكل أزاح ما يصفونه بـ”الجنرالات الجانفيين”، وهو الجناح الموصوف بـ”صقور العسكر المناوئين للتيار الإسلامي، والذين أنقذوا البلاد من الوقوع في قبضة المشروع الإسلاموي”، إلا أن توجهات الرئيس تبون في الأسابيع الأخيرة، من خلال مسودة الدستور واستعادة رموز التيار المذكور، خيبت آمالهم في إرساء قواعد مشروع “الجزائر الجديدة” التي يريدونها.
ولم يستبعد مصدر مطلع في تصريح لـ”لأخبارنا الجالية ”، أن يتم كسر غضب المؤيدين خلال المناصب المتبقية من الثلث المذكور، بتعيين بعض رموز المرحلة الجديدة من شباب وكوادر ساهموا في انتخاب تبون رئيسا للبلاد، أسوة بما نفذه سابقا من خلال تسمية بعض العاملين بمديرية الحملة الانتخابية في مناصب مهمة برئاسة الجمهورية، خاصة في مديرية الإعلام.