التمرد يعصف بجبهة التحرير الوطني الحاكمة في الجزائر
خابت آمال القائد الجديد لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، في أن يفرش له السجاد الأحمر، من أجل المرور المريح إلى مبنى ضاحية حيدرة الراقية، شهورا قبل بداية استحقاقات مهمة، وذلك بعد القطيعة المعلنة بين رئيس الدولة والحزب، والتمرد المبكر لتيار التقويم والتأصيل.
وأعلن تيار التقويم والتأصيل الذي يضم كبار الحرس القديم ومناضلين وقياديين في حزب جبهة التحرير الوطني في بيان له، عن رفضه لكل ما ترتب عن اجتماع اللجنة المركزية الذي أفضى إلى انتخاب أبوالفضل بعجي، أمينا عاما للحزب، إلى غاية عقد المؤتمر الحادي عشر.
وجاء الموقف الجديد داخل جبهة التحرير الوطني، ليضع عصا جديدة في عجلة الحزب الحاكم الغارق في صراعات وتجاذبات داخلية منذ مطلع الألفية، بدأت بتنازع بين أمينه العام آنذاك علي بن فليس، والرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، واستمر نفس الوضع رغم هيمنة مؤسسة الرئاسة عليه، حيث لم تتوقف جيوب المعارضة الداخلية عن رفض مسار الحزب وتطويعه لخدمة أجندة السلطة.
وذكر بأن “مناضلي حزب جبهة التحرير الوطني في المواقع القيادية والقاعدية المنضوين تحت لواء حركة التقويم والتأصيل، يرفضون ما ترتب عن اجتماع اللجنة المركزية المطعون فيها أصلا، والذي أفضى إلى إعادة أزلام العصابة إلى قيادة الحزب العتيد”.
وأوحى طعن تيار التأصيل والتقويم، إلى مواقف سياسية سابقة للأمين العام الجديد أبوالفضل بعجي، المؤيدة للنظام السياسي السابق بقيادة الرئيس بوتفليقة، حيث لم يتوان معارضوه في شن حملة على شبكات التواصل الاجتماعي، يذكرون فيها بمنشوراته وتسجيلاته المؤيدة لبوتفليقة، وللقيادات المتداولة على الحزب آنذاك.
ويعد بعجي، أحد المحسوبين على جناح الأمين العام السابق عمار سعداني، المقيم حاليا في بريطانيا، حيث ظل لسنوات يمثل إحدى أذرعه الضاربة في المواقع الحساسة، ولاسيما حملة الانتقادات التي فتحها سعداني في العام 2015، ضد جهاز وقيادات جهاز الاستخبارات، الأمر الذي اعتبر حينها مؤشرا على تحولات عميقة في مؤسسات الدولة، قبل أن يزاح وتنتهي الدولة برمتها إلى المسار القائم بعد أحداث الحراك الشعبي والانتخابات الرئاسية التي جاءت بعبد المجيد تبون، رئيسا للجزائر.
وأثار انعقاد اجتماع اللجنة المركزية في ذروة الإجراءات الاحترازية المطبقة في البلاد بسبب وباء كورونا، جدلا كبيرا في البلاد، واعتبر بداية تواطؤ جديد بين السلطة وأحزابها التقليدية تحسبا للمرحلة القادمة، حيث تم السماح لحزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، من عقد لقاءات استثنائية في أكبر الصالات الحكومية بالعاصمة، رغم حظر الحكومة للتجمعات السياسية والثقافية.
تيار التقويم والتأصيل يرفض اجتماع اللجنة المركزية الذي أفضى إلى انتخاب أبوالفضل بعجي أمينا عاما
ولم تتأخر متاعب بعجي، طويلا فمباشرة بعد اللقاء المنعقد نهاية شهر مايو المنقضي، تداولت تقارير إعلامية محلية خبر إصابته بوباء كورونا، قبل أن يتم تفنيد الخبر، لكن الرجل لا يزال تحت طائلة الحجر الصحي في بيته العائلي، وهو الأمر الذي لا يستبعد تسجيل إصابات أخرى لدى الحاضرين للاجتماع، مما أعاد طرح مسؤولية الجهة التي رخصت للحزب بعقد اجتماعه.
وتلقى الحزب ضربة قاصمة لما أعلن الناطق الرسمي باسم الرئاسة محمد سعيد أوبلعيد، “عدم وجود أي علاقة تنظيمية أو هيكلية بين الرئيس تبون وبين حزب جبهة التحرير الوطني، وأن رئيس البلاد جمد عضويته في اللجنة المركزية، كما أنه هو رئيس لجميع الجزائريين”.
وجاء ذلك ردا على ما تم تداوله داخل كواليس الاجتماع حول دعم السلطة الجديدة للحزب، وإصدار بيان مؤيد لرئيس الجمهورية ولحكومة عبدالعزيز جراد، حيث كشفت أطراف في المؤتمر بأن الرئيس تبون، ورئيس الوزراء جراد، هما عضوان في اللجنة المركزية.
وهو ما أعاد سيناريو السنوات الماضية، لما كان الحزب الحاكم يشكل ذراعا سياسية للرئيس بوتفليقة، وتمّت تزكيته رئيسا للحزب، الأمر الذي تتخوف منه السلطة الحالية، قياسا بما يرمز له الحزب من فساد سياسي ومالي خلال المرحلة السابقة، ووقوعه تحت طائلة غضب شعبي بما فيه الوعاء المؤيد لتبون.
واتهم بيان حركة التقويم والتأصيل سعداني بـ”الوقوف وراء لقاء اللجنة المركزية المطعون في شرعيتها، وبانتخاب أحد المقربين منه على رأسها، في خطوة من أجل افتكاك الحزب وشن هجوم للثورة المضادة على الإنجازات المحققة من طرف الانتفاضة السلمية للحراك الجزائري”.
واستدل البيان على ما لمح له بـ”العلاقات المشبوهة للرجل” الذي تمت إزاحته في السابق من مناصب رسمية في الدولة ويقصد بذلك “علاقات عائلية لأبوالفضل بعجي مع عائلة نافذة في المغرب، ودراساته العليا في الرباط”.
ويلوح بذلك على خلفية العلاقات المتوترة بين النظامين، لاسيما وأن المتهم الأول في البيان ( سعداني )، جهر في أكثر مرة بـ”مغربية الصحراء”، خلافا للقوى السياسية الرسمية الداعمة لمقاربة الدولة.