إنهم يخدمون ترامب ولا يعلمون

من يستمع إلى فضائيات وإذاعات وصحف تكره الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وتتحد من أجل إزاحته عن كرسي الرئاسة يتوهم بأن كل شيء قد انتهى، وأن باراك أوباما، العائد بثياب جو بايدن، قد تمكن من رقبة غريمه الذي ألغى الكثير من قوانينه ومخلفاته ومشاريعه، وطرد جميع أنصاره في الإدارات كافة، بل سخر من كثيرٍ مما فعله أوباما في ثماني سنوات. والحقيقة أن هناك مبالغات وادعاءات وإضافات كثيرة، فيها قليل من الحق وكثير من الباطل، وذلك لأن كل حزب بما لديه فرح.

إن الوقت ما زال مبكرا لمعرفة الاتجاه الفعلي الذي ستجري فيه الرياح الانتخابية. والمعتاد في كل انتخابات أن تحدث مفاجآت غير محسوبة للجمهوريين، وللديمقراطيين، كذلك.

والمسألتان اللتان شغلتا المحللين العرب، وخصوصا العراقيين، ومنوا أنفسَهم بها وبنوا عليهما تصورات هزيمة ترامب، أو على الأقل خلخلة معنوياته وتقليص مؤيديه الناخبين، هما: الأولى، كورونا والحرب التي شنها الديمقراطيون، بايدن وأوباما وبيلوسي وكلينتون والسي.أن.أن ونيويورك تايمز وياهو، على إدارة ترامب، وحملوها الفشل في معالجة أضرار الجائحة لم تلقَ في الشارع الشعبي الأميركي صدى كبيرا، وذلك لأن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الفيدرالية ليس فيها تقصير، وليس في إمكان أي حكومة أخرى أن تفعل المزيد.

وقد ساهم حكامُ ولاياتٍ ديمقراطيون شاكسوا الإدارة الفيدرالية في جهودها للحد من الأضرار في إفشال حرب المعسكر الديمقراطي تلك. فقد تسببوا في فقدان حزبهم احترام الغالبية من المواطنين، الذين ملوا من الأكاذيب والادعاءات المتلاحقة والمعارك العديدة التي أراد بها الديمقراطيون إلحاق الهزيمة بترامب، والتي عوضا عن ربحها، ارتدت عليهم بضرر كبير، ومنها ملف علاقة الرئيس مع روسيا، ثم قضية العزل الشهيرة التي شغلوا بها الدولة ومؤسساتها وأنفقوا عليها من المال والجهد الكثير دون جدوى.

أما المسألة الثانية فهي جريمة الشرطي (الأبيض) الذي خنق المواطن الأفريقي الأميركي، جورج فلويد، والتي تسببت في إشعال المظاهرات والاحتجاجات عبر ولايات عديدة في البلاد.

فهو أولا ليس من أسرة ترامب ولا من حزبه. ومن يتحمل المسؤولية عنه هما حاكم ولاية مينيسوتا ورئيس الشرطة، خصوصا وأن عليه سبع عشرة شكوى سابقة كانت كافية لجعل رؤسائه في الولاية يقررون طرده من سلك الأمن، على أقل تقدير.

وحين تجلس إلى المواطنين الأميركيين العاديين المستقلين الذين لا يشغلون أنفسهم بالسياسة، ولا تتجاوز اهتماماتهم عادة قضية الرواتب والحوافز والتخفيضات الضريبية والضمان الاجتماعي والرعاية الصحية، فإنك تسمع منهم شيئا آخر لا تسمعه من معسكر بايدن وأوباما وبيلوسي.

أول ما يقوله هؤلاء هو أن الجريمة قد وقعت فعلا، وسيلقى مرتكبوها الجزاء العادل، ولكن التظاهرات ليست كلها بريئة دافعُها المطالبة بالعدالة، والرفض المشروع لعنف الشرطة، والاحتجاج على تمييز عنصري مزعوم، بل إن خلفها الحزب الديمقراطي، ومعه جبهة عريضة من أعداء ترامب والمتضررين من سياساته وقراراته وتغريداته، بدءا بالصين وروسيا وصولا إلى إيران وفنزويلا، وأحزابٍ عديدة أهمُها الجماعات الإسلامية العربية والأفريقية الأميركية المعروفة بالعداء للحزب الجمهوري، وللرئيس ترامب شخصيا، والذين هم، في نظر هؤلاء الأميركيين المستقلين المحايدين، أعداءٌ لكل ما هو أميركي ومناصرون لإيران والإخوان المسلمين والقاعدة وداعش، كذلك.

بعبارة أخرى، لقد أخطأ باراك أوباما وجو بايدن ونانسي بيلوسي وهيلاري كلينتون بمعارضتهم استخدامَ الجيش لمنع عمليات النهب والسلب والحرق والتكسير التي راح ضحيتها أصحاب دكاكين ومؤسسات لا علاقة لهم بالحكومة، وليسوا من الأميركيين البيض، بل أكثرهم مواطنون أميركيون من أصول أفريقية وأوروبية وآسيوية ولاتينية، وغير ذلك.

ومن أكبر أخطاء التي ارتكبها جو بايدن حديثُه عن الأميركيين الأفارقة وعن أبناء الأقليات الأخرى باعتبارهم سندَه الأكيد في الانتخابات، فهو بذلك قسم الناخبين الأميركيين إلى قسمين، أغلبية بيضاء مع ترامب، وأقليات (ملونة) مع بايدن.

ويعتقد مواطنون أميركيون، ومنهم عرب وأفارقة أميركيون، بأن هذه لعبة خطرة كان ينبغي تجنبها وعدم التورط فيها. فالذي يدافع عن المتظاهرين، ولا يميز بين مسالمين ذوي نوايا حسنة، وبين مخربين ولصوص ومجرمين إنما هو مؤازر وموافق ومبارك للفوضى والغوغائية التي شهدتها مدن عديدة.

وأخيرا، إن الشرطي الذي خنق، جورج فلويد، ومن معه من رفاقه الشرطة أصبحوا في ذمة العدالة وسيلقون جزاءهم العادل. أما الذين سرقوا ونهبوا وحرقوا وكسروا وخربوا فمجرمون، ولكن معسكر أوباما بايدن بيلوسي لا يسميهم كذلك.

وحين هدّد ترامب باستخدام الجيش لمنع النهب والسرقة والتخريب هب خصومه الديمقراطيون لمعارضته، ورددوا شعار (ترامب يريد للجيش أن يقتل المتظاهرين)، وهم يعلمون، ومعهم أميركيون بالملايين، أن الجيش لن يقتل أحدا، بل يحمي المتظاهرين ويمنع الجريمة. إنها سقطة كبيرة لن يفلتوا من ارتداداتها المؤذية، في النهاية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: