إعتماد الجزائر على أسعار النفط تقودها إلى نفق مظلم

يجمع محللون على أن الحكومة الجزائرية ستدخل في نفق مظلم من الأزمات الاقتصادية والمالية تنذر بانفجار شرارة المزيد من الاضطرابات في حال تفاقمت مشكلة البطالة بين الشباب أو أي تخفيض في نظام الدعم الاجتماعي السخي بسبب تمسكها بأحلام تعافي أسعار النفط في الأسواق العالمية لتعزيز عوائدها المتراجعة.

يلقي انهيار أسعار النفط بظلال قاتمة على الاقتصاد الجزائري، الذي يجد نفسه في ورطة للتكيف مع تقلب السوق ويعقد من مهمة الحكومة في تدارك المشكلة على النحو الأمثل.

وفي ظل غياب البدائل لمواجهة أزمة النفط تتضاعف متاعب السلطات الجديدة التي لم تنجح في إعادة الاستقرار الاجتماعي وإخماد نار الاحتجاجات.

وتواجه الجزائر واحدة من أكبر الأزمات المالية التي تواجهها دولة منتجة للنفط بفعل انخفاض أسعار الخام، غير أن الحكومة تحاول بعد احتجاجات سياسية واسعة العام الماضي أن تتجنب إجراء تخفيضات كبرى في الإنفاق من شأنها إذكاء المزيد من الاضطرابات.

ولم تعلن الجزائر، العضو في منظمة أوبك، تفاصيل تُذكر عن التدابير التي ستتخذها لتوفير المال بل زادت الإنفاق لمواجهة جائحة فايروس كورونا التي أدت إلى هبوط شديد في الطلب على النفط.

وقال مصدر رفيع في شركة سوناطراك النفطية التابعة للدولة إن هذا النهج يعكس وجهة نظر الحكومة أن انخفاض أسعار النفط مسألة تقلبات دورية وأن الأسعار ستتراوح بين 40 و45 دولارا في العام الحالي وهو ما يكفي لتجنب تخفيضات قاسية.

وكانت الجزائر مشرفة بالفعل على أزمة مالية بسبب انخفاض إيرادات الطاقة على مدى سنوات وضعف القطاع الخاص. غير أن تطبيق إصلاحات قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة السياسية في البلاد.

ورغم أن الحكومة والبرلمان يسلمان على الملأ بضرورة تطبيق تدابير في الأجل الطويل لتقليل العجز، فهما يواجهان أيضا أكبر تحد لسلطة الدولة منذ الحرب الأهلية التي شهدتها البلاد في تسعينات القرن الماضي.

ويعتقد محللون أن أي انفجار في مشكلة البطالة بين الشباب أو أي تخفيض في نظام الدعم الاجتماعي السخي قد يطلق شرارة المزيد من الاضطرابات.

ونسبت وكالة رويترز إلى الخبير في شؤون شمال أفريقيا جيف بورتر قوله “هذا النهج حقق نجاحا في الماضي لكن هناك جوانب مجهولة هذه المرة”.

جيف بورتر: طول أزمتي النفط والوباء يضع الجزائر أمام المجهول

وأوضح بورتر، صاحب شركة ناركو الاستشارية، أن تلك العوامل تتمثل في طول الفترة التي ستبقى فيها أسعار النفط منخفضة وطول فترة تداعيات الوباء.

وكانت احتجاجات أسبوعية في فبراير 2019 قد أدت للإطاحة بالرئيس عبدالعزيز بوتفليقة بعد أن ظل يمسك بزمام السلطة على مدى عقدين من الزمن. واستمرت المظاهرات إلى أن فرضت السلطات قيودا على الحركة لاحتواء الوباء.

ولم يترك ذلك للرئيس عبدالمجيد تبون خيارات تذكر لإصلاح الميزانية دون المجازفة بالمزيد من الاضطرابات.

ولن تمس الحكومة الدعم المخصص للمواد الغذائية وذلك رغم زيادة أسعار الوقود بنسبة طفيفة، إذ تعرض الحكومة تيسيرات في سداد القروض وتيسيرات ضريبية كما وزعت منحة نقدية تعادل 80 دولارا على الأسر المحتاجة.

وقال تبون في وقت سابق إنه “يجري العمل على تقييم خسائر الشركات وإن الدولة على استعداد لتقديم الدعم المالي بل ومساعدة أصحاب الأعمال مثل سائقي سيارات الأجرة ومصففي الشعر”.

ووعدت حكومة تبون بتخفيضات كبيرة في الإنفاق في سلسلة من الموازنات التي تزايدت القيود فيها في العام الجاري أُعلن عنها على مدار الأشهر الأخيرة.

ورغم أن الحكومة نشرت تفاصيل وقف التعيينات في القطاع العام فإنها لم تكشف عن تفاصيل حول كيفية توفير الأموال باستثناء ما وعدت به من محاربة الفساد بعد القبض على بعض كبار المسؤولين بتهمة التربح من مناصبهم.

وعلى سبيل المثال يرتبط تجميد العمل في مشروعات البناء الكبرى بالقيود السارية للحيلولة دون انتشار الوباء وليس بالأزمة المالية ويقول المسؤولون إن هذا التجميد سينتهي بعد استئناف الأنشطة في البلاد.

كما وعد تبون بألا يلجأ إلى صندوق النقد الدولي وهي خطوة ستلقى معارضة شعبية بعد ما واجهته البلاد من صعوبات في التسعينات لسداد ديون تراكمت خلال انهيار سابق في إيرادات قطاع الطاقة.

وبدلا من ذلك قال الرئيس الجزائري إن بلاده تلقت عروضا بالمساعدة من “دول صديقة”، لكنه لم يذكر هذه الدول بالاسم غير أن مصدرا بالحكومة قال لرويترز إن “الصين عرضت تقديم مساعدة مالية”.

وذكر متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية أن بكين أرسلت مساعدات طبية للجزائر خلال أزمة كورونا. وقال إن “البلدين يرتبطان بصداقة تقليدية وشراكة إستراتيجية شاملة”.

وقال المصدر الجزائري إن الحكومة تتوقع أن يبقى سعر المزيج الصحراوي الجزائري في حدود 40 و45 دولارا للبرميل هذا العام وهو ما يكفي لتحاشي كارثة في الوقت الحالي.

ويبلغ سعر الخام حاليا أكثر من أربعين دولارا بقليل للبرميل بعد أن هوى في أبريل الماضي إلى 14.69 دولار.

وأشار المصدر إلى أن هذه التوقعات مبنية على افتراض أن الأسعار ستنتعش بعد رفع قيود الجائحة في مختلف أنحاء العالم.

ولم تعلق وزارة الطاقة على ما إذا كانت الأسعار ستعاود الارتفاع إلى المستوى الذي أشار إليه المصدر الحكومي. إلا أنه حتى إذا ارتفعت الأسعار بهذا القدر فلن يكون لها أثر يذكر على المشاكل المالية التي تواجه الجزائر في الأجل الأطول.

فالجزائر تحتاج ارتفاع السعر إلى 100 دولار لتحقيق التوازن بين الإيرادات والمصروفات في الميزانية حسب مستويات الإنفاق الأخيرة.

ومنذ انخفض سعر النفط في 2014، عملت الجزائر على تمويل العجز من خلال سحب أكثر من نصف احتياطياتها من النقد الأجنبي.

وقبل 2014، كانت إيرادات الحكومة تبلغ 60 مليار دولار سنويا. ويقول وزير المالية عبدالرحمن راوية إن تلك الإيرادات انخفضت إلى 30 مليار دولار في العام الماضي ومن المتوقع أن تبلغ نحو 20 مليار دولار هذا العام.

ومما يزيد المصاعب التي تواجه الجزائر في ما يتعلق بالإيرادات أن مبيعات قطاع الطاقة تراجعت نتيجة لضعف أعمال تطوير الحقول وزيادة الاستهلاك المحلي وتزايد المنافسة في الأسواق الأوروبية.

ولا يزال البلد النفطي يملك احتياطيات تبلغ 60 مليار دولار كما أن الدين العام ضئيل. وتبلغ تكاليف الواردات الغذائية حوالي تسعة مليارات دولار كل عام.

وقال مصدر حكومي إن الحكومة تعتقد أن بوسعها تغطية الاحتياجات الضرورية لمدة عامين بمستويات الإنفاق الحالية قبل أن تلجأ إلى الاستدانة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: