إخوان الجزائر يناورون للإفراج عن مساجين العشرية السوداء

رغم رفض أكبر رموز المعتقلين السياسيين في الجزائر أن يكونوا ورقة للمتاجرة السياسية بين أيدي القوى الحزبية، انضاف واحد من أبرز البرلمانيين الإسلاميين إلى مسعى إطلاق سراح مساجين الرأي، بعد مبادرة حزب جيل جديد المعارض، التي كشف خلالها التزام رئيس الدولة باطلاق سراح أكبر المعتقلين السياسيين في القريب العاجل.

وانضم النائب عن حركة العدالة والبناء الإسلامي حسن عريبي إلى حملة إطلاق سراح المساجين السياسيين بإعلانه توجيه رسالة إلى رئيس الدولة عبدالمجيد تبون، يطلب منه فيها ما أسماه بـ”إطلاق سراح معتقلي الحراك الشعبي، وسجناء العشرية الدموية”، مما يوحي بأن المسألة باتت محل ورقة سياسية لاستعطاف قواعد التيارين والاستقواء بهما في فرض أجندات سياسية.

وجاءت خطوة النائب الإسلامي غداة الموقف الرافض المعلن عنه من طرف السجين كريم طابو، الذي توجه برسالة لأنصاره وللرأي العام من سجنه بضاحية القليعة في العاصمة، وصف فيها أصحاب المبادرات المذكورة بـ”جيل جديد من الانتهازيين.. إنهم دمى سياسية متحركة مستعدة لكل الاستعمالات”.

والظاهر أن النائب عريبي، الذي يتبنى القضايا السياسية والاجتماعية والإنسانية للإسلاميين، بعد أن راسل الرئيس عبدالمجيد تبون، بالتدخل لرفع عما أسماه بـ”التضييق الممنهج” منذ عدة عقود عن نائب رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحلة علي بلحاج، الممنوع من الحركة والتنقل والمشاركة في النشاط السياسي، يريد الاستثمار في وضعية مساجين الحزب المذكور الذين يقضون عقوبات تجاوزت لدى بعضهم مدة العشرين سنة سجنا.

وذكر النائب في رسالته بأنه “رغم مرور أزيد من عام كامل على الحراك المبارك إلا أن ملفات كثيرة ما زالت معلقة لم تر النور، بل رأينا في بعضها تراجعا كسجن نشطاء الحراك الذين كان لهم الفضل في إسقاط العصابة أمثال عبدالله بن نعوم وياسين خالدي وسمير بلعربي ومحمد بلال منادي وكريم طابو وغيرهم”.

ملف السجناء الإسلاميين في الجزائر يثير مواقف متضاربة بسبب ردود فعل من يعرفون بـ”ضحايا الإرهاب” الذين فقدوا أقاربهم خلال العشرية الدموية

وأضاف “من تلك الملفات والمظالم أيضا قضية المساجين السياسيين، 160 سجينا محكوما عليهم بالإعدام والمؤبد، بينهم عسكريون ومدنيون اعتُقلوا بداية الأزمة السياسية والأمنية في البلاد عام 1992، بسبب انتمائهم أو تعاطفهم مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ بعد حظرها في مارس 1992، واتُهم هؤلاء بتخطيط وتنفيذ عمليات عنف، من قبل محاكم عسكرية ومحاكم خاصة واستثنائية أنشأتها السلطات بعد توقيف المسار الانتخابي جانفي 1992”. ويذكر السجين كريم طابو في رسالته، في تحذير من الاستثمار السياسي والحزبي في قضايا معتقلي الرأي، أن “البلاد تقترب من أيام أفضل حتى وإن كانت دروب الحرية محفوفة بالعراقيل.. علينا أن نتسلح بالأمل وباتحادنا سنصل.. أيام تحمل لنا في طياتها أحاسيس جديدة من الحرية، وتبدّد الرائحة المقيتة لنظام سياسي زائل”.

وزعم النائب الإسلامي بأن “التفسيرات الحقوقية أوضحت بالأدلة الكافية عدم دستورية الأحكام المطبقة عليهم، ولا عدالتها وشططها، ومطالبة هؤلاء بإعادة المحاكمات، إلا أن السلطة ما زالت تصر في عناد لا طائل من ورائه على توصيفهم بمساجين سياسيين، وعدم استفادتهم من تدابير العفو التي ينصّ عليها قانون المصالحة الوطنية الصادر عام 2005 “.

ويثير ملف السجناء الإسلاميين في الجزائر مواقف متضاربة بسبب ردود فعل من يعرفون بـ”ضحايا الإرهاب” الذين فقدوا أقاربهم خلال العشرية الدموية بسبب انتماء هؤلاء إلى مؤسسات رسمية في الدولة، أو لمعارضتهم أفكار المشروع الذي حمله منظرو “الجهاد” في الجزائر خلال الحقبة المذكورة.

وخلفت العشرية الدموية ربع مليون ضحية بحسب إحصائيات رسمية، ولم يستطيع قانون المصالحة الوطنية الذي سنه الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، جبر الأضرار المادية والمعنوية، حيث اكتفى بتسوية أوضاع نحو 15 ألف إسلامي أوقفوا العمل المسلح وحل تنظيمهم نهاية تسعينات القرن الماضي، بعد إقناع المتضررين بإنهاء حمام الدم في استفتاء شعبي نظم العام 2005، لكنه أبقى على جزء مهم من الملف في حالة غامضة.

وكان ناشطون سياسيون ومعارضون قد رفضوا فكرة المزج بين سجناء الحراك الشعبي وسجناء الجبهة الإسلامية للإنقاذ، تفاديا لما أسموه بـ”تمييع المطلب”، وتحويله إلى قضية أساسية تحجب النظر عن المطالب الرئيسية لانتفاضة الشارع الداعية إلى رحيل النظام وتحقيق تغيير سياسي شامل في البلاد.

وشدد هؤلاء على أن “مسألة السجناء الإسلاميين ستتم معالجتها بصفة آلية بمجرد تحقيق مطالب الحراك، وأن الالتفاف الشعبي حوله لم يتحقق إلا بعد أن وضع التوجهات الأيديولوجية والمرجعية خلف المطالب السياسية المرفوعة منذ شهر فبراير 2019″، وهو ما يعطي الانطباع بأن النائب الإسلامي المخضرم يتجه إلى تشتيت الصفوف واستغلال الوضع لأدلجة المطالب السياسية.

ويصر النائب الإسلامي في رسالته على أن “مساجين التسعينات هم بدورهم مساجين سياسيون مثل مساجين الحراك، وأن الطابع والظروف والخلفيات التي تحيط بهم هي ظروف سياسية، وأن قضاءهم لفترات سجن تصل إلى 26 عاما كان بسبب آرائهم ومواقفهم السياسية”.

ويشدد على أن “هؤلاء المساجين تجاوزوا اليوم سن 60 سنة وأنهكتهم الأمراض وطول السجن، ومن ورائهم أهل وعوائل لا يرجون من وراء إطلاق ذويهم إلا هدفا إنسانيا نبيلا، من أجل أن يكملوا معهم ما تبقى من حياتهم خاصة وأن عددا منهم وافتهم المنية بين جدران السجون”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: