السعوديات يدافعن عن استقلالهن المالي في وجه كورونا
تدافع السعوديات عن استقلالهن المالي في وجه تداعيات كورونا الوخيمة على الاقتصاد، مستثمرات الدعم الحكومي المتواصل للقطاعات المتضررة والإصلاحات الاجتماعية التي يقودها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لحماية حقوق النساء في العمل.
وبعد أن يئست عبير الحويان من العثور على عمل وقد ظلت تبحث على مدار ثماني سنوات عن وظيفة تستغل فيها شهادتها الجامعية في الكيمياء بمدينة العلا السعودية، تخلت في نهاية المطاف عن طموحاتها العلمية وتحولت إلى بيع الكعك البيتي قبل أن يقع عليها الاختيار في العام الماضي للمشاركة في برنامج تدريب تشرف عليه الحكومة لدعم مشروع سياحي ضخم تبلغ استثماراته 20 مليار دولار في شمال غرب المملكة.
تعلمت عبير (31 عاما) حرفة صنع الصابون على يد خبراء فرنسيين استقدمتهم السلطات السعودية، وفي أواخر ديسمبر بدأت تبيع منتجاتها في محل صغير بالقرب من مقابر مدائن صالح الحجرية الأثرية. وبدأت أيضا تعرض منتجاتها على الإنترنت.
ثم ضرب فايروس كورونا ضربته. ورغم كل ما قدمته من تنازلات عاد الغموض يلف مستقبلها من جديد. فقد كان للجائحة وقع هائل على صناعة السياحة غير الدينية الناشئة في المملكة والتي تعد من القطاعات الجديدة القليلة التي برزت من خلال حملة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتنويع الموارد الاقتصادية بدلا من الاعتماد على النفط وخلق الملايين من فرص العمل.
ومع ذلك أبدت عبير تفاؤلها بسبب إجراءات الحكومة لمقاومة الوباء والحد من تداعياته. وأردفت “متفائلة خيرا مع انتهاء الأزمة”.
وكان تأثر النساء في الولايات المتحدة وأوروبا بموجة البطالة التي تسبب فيها انتشار الفايروس أشد من غيرهن، غير أن تأثر المرأة في السعودية كان أبلغ بصفة خاصة لأن الأزمة جاءت في وقت كانت جهودها لدخول سوق العمل واكتساب استقلال مالي أكبر قد بدأت تحقق بعض النجاح.
وعبير واحدة من نحو مليون سعودي عاطلين عن العمل يمثلون 12 في المئة من سكان المملكة في سن العمل ويعلقون آمالهم على رؤية ولي العهد لتحديث المملكة ذات المجتمع المحافظ بمشروعات طموحة.
وتشكل النساء حوالي 83 في المئة من مجموع العاطلين وفقا للإحصاءات الرسمية السعودية. وهن يمثلن مجموعة متعلمة إذ أن 70 في المئة منهن حاصلات على الشهادة الثانوية أو شهادات جامعية.
وكان عدد كبير منهن يعول على القطاعات الجديدة مثل السياحة كمدخل لسوق العمل.
وتعتبر معالجة قضية البطالة من الأركان الأساسية في خطة الأمير محمد بن سلمان، فقد وعد في 2017 بتحسين أرقام البطالة بحلول 2020 وخفض معدل البطالة إلى سبعة في المئة على مدار العقد القادم.
وأصبحت المهمة الشاقة أشد صعوبة إذ أرهقت تداعيات الفايروس وإجراءات التقشف الأوضاع المالية للقطاع الخاص.
وقال جون سفاكياناكيس الخبير في شؤون منطقة الخليج بجامعة كمبردج “لتقليل البطالة يتعين على القطاع الخاص أن يخلق من 500 ألف إلى مليون وظيفة على الأقل للسعوديين. لكن في العام الحالي وحده سينكمش القطاع الخاص حتما بنسبة سبعة في المئة… وهذا في العام الحالي وحده”.
وأوضح وزير المالية محمد الجدعان “إن الحكومة لا تزال ملتزمة بأهدافها في خلق فرص العمل وإنها لا تزال تمول برامج التدريب وتطوير القدرات”.
وقال الوزير “فايروس كورونا معنا هذا العام وربما في جزء من العام المقبل، لكنه سيختفي وعندما يختفي نحتاج إلى التأكد من أننا انتهزنا هذا الوقت في بناء المزيد من القدرات وتدريب المزيد من الناس لكي يكونوا جاهزين عندما نبدأ في تقديم الخدمات مرة أخرى”.
وعلى الرغم من الصعوبات الاقتصادية فإن صناعتي الترفيه والسياحة بدأتا تنتعشان في العام الماضي ورافقت ذلك إصلاحات اجتماعية لانفتاح المملكة أكثر بما في ذلك إنهاء الفصل بين الجنسين في معظم الأماكن العامة وفتح مجالات ترفيهية. وأتيحت الآلاف من الوظائف وأقبل السعوديون على الحفلات الموسيقية والمهرجانات والأحداث الرياضية.
وفي العام الماضي استقدمت المملكة فرقا وفنانين من الخارج منهم سيرك دو سولي والمغنية ماريا كاري والمغني الأوبرالي الإيطالي أندريه بوتشيلي والمؤلف الموسيقي اليوناني يني. وشاهد السعوديون أيضا مصارعين عالميين في الرياض وملاكمي الوزن الثقيل أنتوني جوشوا وآندي رويز في ملعب أقيم خصيصا لذلك يسع 15 ألف متفرج.
وتعد عبير محمد جمعة (31 عاما) مثالا آخر على المرأة التي استفادت من حملة الإصلاح التي يقودها ولي العهد. فقد أمضت سنوات تبحث عن وظيفة مدرسة بعد أن تخرجت من الجامعة بشهادة في الاقتصاد المنزلي وانضمت في النهاية إلى برنامج تدريب حكومي في العام الماضي لتعلّم مهارات الطهي في باريس.
وعادت للعمل ضمن البرنامج في السعودية كمساعدة لطهاة من الحاصلين على نجوم ميشلان لكن هذا الدور مؤقت وستضطر في النهاية إلى البحث عن عمل جديد، وتلك مهمة أصبحت أكثر صعوبة بفعل الجائحة.
وقالت عبير “أحلم بأن أفتح مشروعي الخاص”.
ويتوقع محللون أن يبدأ انتعاش قطاعي السياحة والترفيه في النصف الأول من 2021 وأن القطاعين سيحتاجان للدعم الحكومي بضعة أعوام على أقل تقدير.