المسافة الصفر في عداء الجزائر للمغرب

كشفت الأزمة الصحية العالمية المستمرة بسبب كورونا وما نتج عنها من تداعيات اقتصادية واجتماعية، عدم استعداد النظام الجزائري لمراجعة علاقاته مع المغرب، بل ذهب إلى حد إجراء تعديل تقني في الدستور، يسمح بنشر قوات الجيش وراء الحدود، تعديل يقوي العقيدة البومدينية، نسبة إلى الرئيس الأسبق هواري بومدين، القائمة على التدخل في شؤون المغرب الداخلية، والتأثير على مصالحه الإقليمية والدولي.

مؤخرا، وصف مستشار وزير الاتصال والناطق الرسمي للحكومة الجزائرية، نورالدين خلاصي، الثكنة العسكرية التي يعتزم المغرب تشييدها بإقليم جرادة، قرب الحدود مع الجزائر، بمثابة قاعدة تجسس على بلاده. فيما أكد مسؤولون في المغرب أن “الأمر يتعلق بثكنة عسكرية، ليست لها مواصفات القاعدة العسكرية”.

تناقض الناطق الرسمي للحكومة الجزائرية نورالدين خلاصي واضح عندما أكد حق المغرب في الحصول على قدرات ردع لحماية حدوده وحلفائه، ليعود ويرفض ما سماه سعي المملكة وراء استراتيجية دفاعية هجومية تجاه عدوين “وهميين”، هما الجزائر وإسبانيا. إقحام المسؤول الجزائري إسبانيا ليس بريئا، بل قد يفهم منه تحريض لمدريد ضد المغرب.

المشاعر السلبية التي يحملها المسؤولون الجزائريون بدءا من رئيس الجمهورية ورئيس الأركان إلى وزير الخارجية صبري بوقادوم، تؤكد أن المعادلة المنطقية لحماية الأمن القومي المغربي هي الاستعداد لكل الاحتمالات، وعلى كافة المستويات والأشكال.

وبينما يبدي المغرب استعداده لحل الخلافات دبلوماسيا، يستعد لأي تحركات قد تقوم بها البوليساريو والجزائر ضد السيادة المغربية، مع الحفاظ على ضبط النفس، والاستمرار في خططه التنموية والاستثمارية.

وتعمل القوات المسلحة المغربية على قراءة مستقبل الصراع وما قد يحمله من مفاجآت، بالنظر إلى الوقت الذي يستغرقه تطوير القدرات البشرية والتكنولوجية لكسب مواجهات الغد، وهي ليست مسلحة بالضرورة، وما كشفت عنه القوات المسلحة من جاهزية في جائحة كورونا يصب في هذا الاتجاه.

مد المغرب يده للجزائر في أكثر من مناسبة للتعاون دون شروط مسبقة، ليس عن ضعف وإنما عن قراءة متمعنة وواقعية للخارطة الدولية، من اليوم إلى عام 2030، فالقوات المسلحة الملكية عندما باشرت في تشييد الجدار الأمني الرملي بين عامي 1980 و1987، كانت تعرف جيدا أن الأمن القومي المغربي تحدده الاتجاهات الأمنية في المنطقة، ولا يمكن التهاون في تجهيز الجدار الدفاعي بأسلحة وتقنيات عسكرية متطورة، للمراقبة والاتصال والتصنت.

ما نريد قوله، إن ادعاءات القيادة السياسية الجزائرية حول ما يريده المغرب من القاعدة بجرادة، ليست إلا تضليلا إعلاميا لا مبرر له، خصوصا مع التطور التكنولوجي والاتصالي الذي حدث في السنوات القليلة الأخيرة، والذي يمنح إمكانيات هائلة في المراقبة عبر الفضاء الإلكتروني، دون الحاجة إلى بنية أرضية قد يستفاد منها في أغراض أخرى.

ويرى المغرب أن تنفيذ الجيش الجزائري تمرينا تكتيكيا بالذخيرة الحية، بميدان المناورات لقطاع العمليات جنوب تندوف، قرب الحدود الغربية مع المغرب، يعد تطورا عدائيا، يكشف نوايا النظام الجزائري.

وهذا يصب في ما ذهب إليه وزير خارجية الجزائر عندما تحدث عن قضية الصحراء ودعم البوليساريو حتى آخر نفس، وأكد قائلا “قد نختلف في الداخل لكن في ما يخص الدفاع والسياسة الخارجية الكل يمشي على طريق واحد، والكل يحمل رأيا واحدا”.

يعلم المسؤولون في الجزائر أن المغرب لا يخفي رغبته في تصنيع عسكري متطور لتعزيز صيانة ترسانته، وإنتاج الذخيرة الكافية، وتطوير ورشات التصنيع التكنولوجي، من خلال شراء براءات اختراع، وهذا يعزز من نجاحاته الدبلوماسية والسياسية، ومنها قرار ترسيم حدوده البحرية من طنجة شمالا حتى الكويرة جنوبا.

ما يشغل الجزائر ليس رفاهية المواطن، أو تأمين قوته وكرامته التي خرج يسعى إليها منذ شهور في حراك مستمر، بل اختارت الحكومة الجزائرية أن تخصص الرقم الأكبر من الموازنة المالية لسنة 2020 لإبرام الصفقات العسكرية، في سباق لتكديس السلاح على حساب تنمية البلد.

الأزمة الاقتصادية لا تعني شيئا، عندما يتعلق الأمر بالوصول إلى المسافة صفر في عداء واستفزاز المملكة. وللوقوف على الأرقام الرسمية، نشير إلى ما أعلن عنه وزير الداخلية الجزائري صلاح الدين دحمون من أن “المديرية العامة للأمن الوطني تستفيد بما نسبته 5.4 مليار دينار جزائري من الميزانية الإجمالية، موجهة لاقتناء عتاد لضمان الأمن والحفاظ على النظام العام، وتجديد حظيرة مركبات المديرية”، مشددا على أن “الحكومة ارتأت عدم تسجيل برامج تنموية جديدة بسبب شح الموارد المالية”.

وتعتبر الجزائر، وفق معهد “ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام والتسلح عبر العالم”، على رأس الدول الأكثر إنفاقا على التسليح في أفريقيا، وبالطبع البوليساريو حاضرة في هذه الصفقة العسكرية.

وحسب خبراء في الاستراتيجيات العسكرية، تستخدم روسيا، الممون الجزائري الأول إلى جانب الصين، أساليب الحرب الهجينة بسبب عدم قدرتها على إدخال أنظمة عسكرية كبيرة وحديثة يمكن أن تتحدى الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، لهذا فالاشتباكات بين “سوخوي الروسية” و”الميراج 2000” الفرنسية، إلى جانب “أف 16” الأميركية ستكون ضربة قاصمة، في أي مواجهة قد تحدث.

الاتفاقية العسكرية بين المغرب وروسيا، لم تمنع المملكة من تنويع ترسانتها، بين فرنسية متمثلة في صواريخ “ميكا” ومنظومة “قيصر” وأسلحة استراتيجية أميركية، على رأسها طائرات “أف 16” ودبابات “أبرامز”، حرصا من الرباط على تأمين منطقة عمليات ضمن مجال يسمح بمتابعة عناصر البوليساريو والقوات الجزائرية الخاصة شرقا وجنوبا، وعدم السماح بأي توغل لتلك العناصر خلف الجدار الدفاعي المغربي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: