الرئيس الجزائري يفك ارتباطه بالحزب الحاكم ويلتزم بإجراءات التهدئة

يسير الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى أخذ مسافة متساوية بين التركة الموروثة عن نظام بوتفليقة، وبين التطورات السياسية التي أوصلته إلى رئاسة البلاد في ديسمبر الماضي، وذلك بعد الطلاق المعلن بينه وبين حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، والتدخل المنتظر لإطلاق سراح اثنين من كبار معتقلي الحراك الشعبي.

يرغب الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في إعطاء الانطباع بأنه يقف على مسافة واحدة بين التركة الموروثة عن نظام بوتفليقة وبين ما أفرزته التحولات السياسية الأخيرة، وسط استقطاب مثير لقوى سياسية محسوبة على المعارضة، على غرار أحزاب إخوانية وأخرى ديمقراطية، كما هو الشأن بالنسبة لحزب جيل جديد، وإعلان فك الارتباط بحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، غداة الإعلان عن تجميد عضويته في اللجنة المركزية، والتشديد في تصريح الناطق باسم الرئاسة على أنه “رئيس كل الجزائريين”.

وكان الوزير المستشار للإعلام والناطق باسم الرئاسة محند سعيد أوبلعيد قد أعلن في تصريح له الاثنين أن “الرئيس عبدالمجيد تبون جمّد عضويته في حزب جبهة التحرير الحاكم ولا علاقة تنظيمية أو هيكلية له به الآن”.

وأضاف “عبدالمجيد تبون رئيس كل الجزائريين، وتبعا لذلك لا علاقة تنظيمية له بأي حزب سياسي معتمد، وقد جمد عضويته في اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني، فضلا على أنه لم يترشح كما هو معلوم، باسم هذا الحزب للانتخابات الرئاسية التي جرت في الثاني عشر من ديسمبر الماضي”.

وبهذا الطلاق العلني للرئيس مع أكبر الأحزاب السياسية في البلاد، والذي يرأسه الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، تكون السلطة قد استبقت حملة الانتقادات الواسعة التي طالتها بعد السماح لحزبي السلطة (التجمع الوطني الديمقراطي وجبهة التحرير الوطني) بعقد مؤتمرين لانتخاب قائدين لهما، رغم النصوص التي تحظر التجمعات السياسية والثقافية في إطار مكافحة وباء كورونا.

وفيما يجهل لحد الآن المصدر المسؤول الذي رخص للحزبين بعقد مؤتمريهما اللذين أفرزا الطيب زيتوني قائدا للتجمع، وأبوالفضل بعجي للجبهة، والخلفيات الحقيقية للعودة المفاجئة لأحزاب السلطة إلى الواجهة، لا تستبعد نية الحزبين وحتى دوائر نافذة في السلطة في الالتفاف برئيس البلاد، أسوة بما ساد المشهد السياسي خلال العشريتين الماضيتين، لما كان يحظى بدعم ما كان يعرف بـ”التحالف الرئاسي”.

ومن جهة أخرى، يرى متابعون للشأن الجزائري أن إفراج السلطة عن وجوه بارزة في الحراك يصب في سياق جهودها للتهدئة مع الشارع ولا تختلف عن فك ارتباط تبون بجبهة التحرير.

حبيب براهمية: لا وجود لأي صفقة سياسية بين الحزب وبين السلطة

ونفى الناطق الرسمي باسم حزب جيل جديد المعارض حبيب براهمية، في اتصال لـ”العرب”، وجود أي صفقة سياسية بين الحزب وبين السلطة، تكون قد أفضت في واحد من بنودها إلى إطلاق سراح المعارضين السياسيين كريم طابو وسمير بلعربي.

وأكد المتحدث أن “مسألة إطلاق سراح معتقلي الرأي تدخل في صلب المبادرة التي أطلقها الحزب خلال الأسابيع الأخيرة، وأن رئيس الحزب لمس التزاما لدى رئيس الجمهورية خلال اللقاء الذي جمعهما الأربعاء الماضي، للتدخل من أجل إطلاق سراح المعتقلين كريم طابو وسمير بلعربي”.

وأضاف “رئيس الحزب جيلالي سفيان لم يشأ الإعلان عن إدراج مسألة معتقلي الرأي قبل اللقاء الذي جمعه برئيس الجمهورية، تفاديا للتأويلات والقراءات التي يمكن أن تثار حول توظيف سياسي أو متاجرة بقضية المعتقلين”.

ولفت إلى أن “جيل جديد” بادر إلى الإعلان عن المسعى، بعد الالتزام المذكور، وردا على حملة الانتقادات التي طالت الحزب في الآونة الأخيرة، بعد انخراطه في المسار السياسي الذي أطلقته السلطة بقيادة الرئيس عبدالمجيد تبون.

وكان الحزب قد كشف الثلاثاء، في بيان حصلت “العرب” على نسخة منه، عن “إطلاق المعتقلين السياسيين كريم طابو وسمير بلعربي، في أقرب وقت ممكن، ريثما تتم الإجراءات الرئاسية”.

وجاءت هذه الخطوة المفاجئة في خضم توتر سياسي كبير تعرفه البلاد خلال الأشهر الأخيرة، بسبب القبضة الأمنية المطبقة من طرف السلطة في التعاطي مع المعارضين والنشطاء، حيث تسجل تنسيقية معتقلي الرأي العشرات من الموقوفين والأحكام الموصوفة بـ”المشددة” تجاه رموز الحراك

الشعبي.

وذكر بيان حزب جيل جديد أنه “ردا على الطلب الذي تقدم به رئيس جيل جديد، التزم رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون، في إطار صلاحياته الدستورية والقانونية، وتعهدا بنيته في دعم ظروف التهدئة وأجواء الحوار الوطني، بتحقيق الإفراج عن كريم طابو وسمير بنلعربي في أقرب وقت ممكن، بعد إتمام الإجراءات الرئاسية الرسمية”.

وأعاد التزام الرئيس تبون بدعم إجراءات التهدئة، سيناريو التعهد الذي أطلقه الرئيس الانتقالي عبدالقادر بن صالح، لرئيس لجنة الوساطة والحوار الوطني كريم يونس، لنفس الغرض، قبل أن ينقلب الجميع (الرئيس الانتقالي ورئيس اللجنة) عن موقفيهما تحت ضغط رجل الجيش القوي آنذاك، الجنرال الراحل أحمد قايد صالح.

وهو ما يطرح مدى إمكانية وفاء تبون بالتزاماته ونواياه في الذهاب إلى إجراءات تهدئة سياسية في البلاد، على اعتبار أنه يمثل “الواجهة السياسية للسلطة العسكرية الحقيقية” بالنسبة للكثير من الدوائر السياسية المعارضة، فضلا عن مدى تحرره من جماعات الضغط النافذة والرافضة لأي تقارب بين السلطة والحراك الشعبي.

ولفت بيان الحزب إلى أنه رفض في وقت أول الإفصاح عن هذه المبادرة التي أراد أن يتركها في السر احتراما للسجناء وتجنبا لأي تأويلات مغرضة سياسوية، وأن الظروف السياسية أجبرت جيل جديد على إعلام الرأي العام بشأن الحقيقة الكاملة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: