الجزائر: تفاقم المخاوف من سيطرة السلطة على البرلمان تمهيدا لحله
يتوجس عدد من نواب البرلمان الجزائري من إحكام السلطة لقبضتها على المؤسسة التشريعية في البلاد ما يمهد لحلّها بعد تحييدها في إدارة شؤون البلاد عبر تهميش دورها. ويسود انطباع لدى المشرعين الجزائريين بأن البرلمان أصبح تابعا للسلطة لا رقيبا عليها.
أبدى عدد من نواب البرلمان الجزائري على هامش مناقشة قانون المالية التكميلي حسرة على تدهور دور ونفوذ المؤسسة التشريعية الأولى في البلاد، وهيمنة السلطات التنفيذية على دواليب المنظومة التشريعية والرقابية للبرلمان بشكل هز ثقة الناخبين في نوابهم وحولهم إلى جزء من الأزمة التي تعيشها البلاد.
ووجه النائب البرلماني عن جبهة التحرير الوطني إلياس سعدي انتقادات لاذعة للحكومة بمناسبة عرض قانون المالية التكميلي للمناقشة على خلفية ما اعتبره استهتارا غير مسبوق بالهيئة التشريعية الأولى في البلاد، وإمعانا في تشويه صورتها أمام الشارع الجزائري.
وبرر المتحدث نقده اللاذع للحكومة بـ”تراجع دور ونفوذ البرلمان إلى درجة فقد كل أشكال الرقابة والمساءلة والحساب، وبضرورة إنقاذ شرف النواب أمام الشعب الذي انتخبهم، لأن الحكومة التي تعودت على إيجاد حليف لها في كل مناسبة، لا تتوانى في رميهم إلى لعنات الشارع”، في إشارة إلى إمكانية حل البرلمان الحالي قبل نهاية العام الجاري.
ومن جهته عبر النائب المستقل حكيم بري عن”عميق أسفه لتدهور حال البرلمان بسبب رئيسه سليمان شنين، الذي تحول من مدافع عن انشغالات الشعب إلى مدافع عن الحكومة”.
وحمّل المتحدث مسؤولية انصياع البرلمان لإرادة الحكومة إلى رئيس البرلمان، حيث أن توقيت مناقشة المشروع لا يتواءم مع حاجة اللجنة المختصة إلى الاطلاع عليه، فضلا على أن نواب الولايات (المحافظات) الداخلية لم تتسن لهم المشاركة بسبب الأوضاع الاحترازية المطبقة في البلاد لمواجهة وباء كورونا.
واتهم النائب “القوى غير الدستورية بالسيطرة على البرلمان”، وشدد على أن تكون الهيئة “سلطة للمراقبة والمساءلة وليس لرفع الأيدي، وأن المجلس الذي تحول إلى لجنة لمساندة الحكومة حله خير من بقائه”، وهي مفردات تحمل حالة يأس وعدم اقتناع لدى أصحابها بجدوى بقائهم في مواقعهم في ظل هيمنة المؤسسات التنفيذية على السلطة التشريعية في البلاد.
وفيما يتم التلويح برسائل الغزل للشارع في مداخلات هؤلاء، تحسبا لأي خروج قسري قريب من قبة البرلمان، تحول مشروع قانون المالية التكميلي إلى فرصة للبحث عن شرف برلمان مهزوز الشرعية وملاحق بتهم التزوير الانتخابي، عبر وضع العصا في عجلة مخطط الحكومة برفض تمرير المشروع، رغم أن الأغلبية مجندة لنصرة الحكومة بدل الوعاء الانتخابي الذي أفرز نوابا في البرلمان.
ويبدو أن نواب البرلمان بصدد البحث عن المجد الضائع للهيئة التشريعية، خاصة في ظل الحديث عن حل المجلس وتنظيم انتخابات برلمانية مبكرة قبل نهاية العام الجاري، وتحول الهيئة إلى مصدر غضب الشارع، كون البرلمان هو المنصة الأولى للقوانين والنصوص التي ألحقت أضرارا بالحياة اليومية للمواطنين.
وتحول هؤلاء إلى مدافعين شرسين في وجه الحكومة عما وصفوه بـ”الانتشار الواسع للفقر والتهميش في مختلف ربوع البلاد، بسبب السياسات الاجتماعية والاقتصادية للحكومات المتعاقبة”، وهي الخطوة غير المعتادة في الخطاب البرلماني لاسيما الكتل المنضوية تحت لواء أحزاب الأغلبية كجبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمــــقراطي.
ويبدو أن نواب البرلمان وجدوا أنفسهم في حرج شديد أمام مشروع قانون المالية التكميلي، لما تضمنه من حزمة إجراءات تقشفية جديدة تزيد من معاناة المواطنين، ولكونه لم يفصل بينه وبين قانون المالية الأولي (مطلع السنة الجارية)، إلا شهور قليلة، مما قدمهم في صورة الهيئة المتواطئة مع الحكومة في نظر الشارع الجزائري.
وتهيمن أحزاب السلطة على أغلبية البرلمان بغرفتيه (المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة)، وظلت تؤدي دور الهيئة التشريعية للسلطة في تمرير وتزكية مختلف النصوص والقوانين خلال العشريتين الماضيتين، امتثالا لتوجهات أحزابهم الداعمة لنظام بوتفليقة في السابق، وللسلطة الجديدة بقيادة الرئيس عبدالمجيد تبون.
وظلت تهم الشرعية السياسية والتزوير تلاحق البرلمانات المتعاقبة في البلاد، بسبب الشبهات التي طالت مختلف الاستحقاقات الانتخابية، إلى درجة تبادل تهم الانتماء إلى لوبيات المال بين النواب أنفسهم، حيث سبق للنائب ورئيسة حزب العمال لويزة حنون، أن اتهمت نوابا معها في الهيئة بـ”الاتجار في المخدرات والأنشطة المحظورة”، وبـ”بالخضوع للأوليغارشيا”، في إشارة إلى العصبة السياسية والاقتصادية التيسيطرت على السلطة في السنوات الماضية.
ولأول مرة ذهب نائب برلماني من جنوب البلاد إلى اتهام “الجنرالات” بالهيمنة على المناصب المدنية السامية في مؤسسات الدولة، واستغرب تعيين شاب على رأس شركة طاسيلي للطيران لم يحترم الاتفاق المبرم بين الحكومة والمؤسسات المحلية لنقل المصابين بواء كورونا إلى مستشفيات الشمال لتلقي العلاج اللازم.
واتهم النائب المؤسسات الرسمية للدولة بـ”استغلال مناطق وسكان الجنوب في الخطابات الشعبوية بدل التكفل بالانشغالات الحقيقية لهم، خاصة في ما يتعلق بالخدمات الأساسية كالنقل والصحة والتعليم وغيرها”