التقشّف يضاعف متاعب السلطة الجزائرية في احتواء الاحتقان الاجتماعي
أوحت القرارات المتخذة في مجلس الوزراء المنعقد برئاسة الرئيس عبدالمجيد تبون، عن تراجع فرص السلطة في شراء السلم الاجتماعي، وصعوبة احتواء حالة التململ المتفاقم، خاصة في الآونة الأخيرة، نتيجة عجز الحكومة عن التكفل بفئات اجتماعية عديدة، بعد دخول تدابير الحجر الصحي حيز التنفيذ منذ نحو ثلاثة أشهر.
وباستثناء الترخيص بالعودة التدريجية لبعض القطاعات الناشطة كالبناء والأشغال العمومية، وتوسيع دائرة الاستفادة من منحة 70 دولارا للتجار والحرفيين، فإن القرارات الصادرة عن مجلس الوزراء جاءت محتشمة، ولم تلبّ طموحات وانشغالات العديد من الفئات الاجتماعية.
وبدا أن الحكومة بصدد الإذعان لضغوط اجتماعية تنامت خلال الأيام الأخيرة، مما يوحي إلى أن إجراءات الحجر باتت متفاوتة التنفيذ من جهة إلى أخرى ومن فئة إلى أخرى، الأمر الذي أعطى الانطباع بأن الحكومة متخوفة من انفجار اجتماعي وشيك، لاسيما بعد دخول الحزمة الجديدة من إجراءات التقشف حيز التنفيذ، بعد مصادقة البرلمان على قانون المالية التكميلي.
وتسعى الحكومة ومن ورائها السلطة الجديدة بقيادة الرئيس عبدالمجيد تبون، منذ إقرار إجراءات الحجر الصحي، إلى إعادة الهدوء والاستقرار إلى الشارع الجزائري، عبر تنفيذ أجندة سياسية واجتماعية تأمل من خلالها في إنهاء حالة التوتر السياسي في البلاد، وإجهاض الحراك الشعبي الذي علق احتجاجاته منذ شهر مارس الماضي بسبب وباء كورونا.
وأوقع التراجع الكبير في مداخيل البلاد بعد تهاوي أسعار النفط في الأسواق العالمية، السلطة في حرج كبير حيث لم يعد بإمكانها الاستمرار في سياسة شراء السلم الاجتماعي، وحتى الخطوات التي اتخذتها لصالح فئة محدودة، لم تحقق لها الاستقرار الاجتماعي المنشود، بسبب لجوئها مجددا إلى جيوب الأشخاص، من أجل مواجهة الأزمة الخانقة، عبر سنّ حزمة الضرائب والرسوم، يأتي على رأسها رفع أسعار الوقود.
ولا يستبعد مراقبون أن يكون الانفجار القادم ثورة جياع نظرا للتراجع الرهيب في القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار وتفاقم مؤشرات البطالة وتدني الخدمات، الأمر الذي يجعلها تندم على سلمية الحراك الشعبي، الذي دام أكثر من عام دون أحداث عنف أو تخريب، لكنه لم يتم التفاعل معه بشكل إيجابي إلى حد الآن.
وذهبت السلطة منذ الانتخابات الرئاسية التي جرت في الثاني عشر من ديسمبر الماضي، إلى فرض قبضة أمنية على فعاليات ونشطاء المعارضة، حيث يتواجد العديد منهم رهن السجن بتهم رأي، على غرار رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي كريم طابو، الذي قرر القضاء الاثنين، تأجيل النظر في قضيته إلى غاية نهاية شهر جوان الجاري.
وصادقت الغرفة السفلى للبرلمان (المجلس الشعبي الوطني) الأحد، على مشروع قانون المالية التكميلي، في أجواء مشحونة بسبب معارضة العديد من الكتل النيابية المعارضة، أين تم إطلاق تحذيرات صريحة للحكومة من تداعيات القانون المذكور على الاستقرار الاجتماعي.
واعتبر النائب لخضر بن خلاف، عن تحالف النهضة والعدالة والبناء (إسلامي)، “قانون المالية التكميلي استفزازا للشارع ومساسا بمقدرات المواطن الجزائري على العيش الكريم في بلاده، في ظل الضغط المالي والجبائي الممارس عليه من طرفالحكومة”.
وأما النائب عن حزب العمال المعارض رمضان تعزيبت، المنسحب من البرلمان تضامنا ودعما للحراك الشعبي منذ شهر أفريل من العام 2019، فقد أكد في تصريح صحافي على أن “قانون المالية التكميلي هو نسخة كربونية لنفس القوانين التي كان يعدها نظام بوتفليقة طيلة السنوات الماضية، ولا فرق بينها سواء في النصوص أو في السياسات، وأنه لا تغيير حدث في السلطة الجزائرية كما يروّج له”.
وتضمّن القانون المذكور العديد من الإجراءات المستفزة للشارع الجزائري، على غرار رفع أسعار الوقود، الذي يحرك عجلة النقل والزراعة وبعض الأنشطة الصناعية، فضلا عن إدراج العديد من الرسوم التي تزيد من أعباء الحياة اليومية للأشخاص، وتفاقم من مؤشرات التضخم وتراجع القدرة الشرائية.
واعتمدت الحكومة على سعر مرجعي في حدود 30 دولارا للبرميل الواحد، لأول مرة منذ أكثر من عقدين، بعدما كان في حدود 50 دولارا في قانون المالية الأولي، مما سينعكس مباشرة على الاستثمارات الحكومية التي تعتبر المحرك الرئيسي للاقتصاد المحلي، إلى جانب تقليص موازنة التسيير إلى سقف 50 في المئة، وهو ما سيشل فرص التشغيل في مختلف القطاعات الحكومية، بعدما تم الإبقاء عليها حصرا فقط في قطاعي التربية والصحة.
ويعتبر التفشي المطرد للبطالة في السنوات الأخيرة، من أكبر العوامل المغذية للغضب الاجتماعي المتفاقم والمحرض على الظواهر الاجتماعية السلبية كالهجرة السرية وانتشار الآفات الاجتماعية، فضلا على أنه حاضنة ناعمة للاحتجاجات السياسية.