الحجر الصحي يشعل نار العنف المنزلي ضد المرأة المغربية

فرضت جائحة كورونا على النساء والرجال أن يلزموا بيوتهم حماية من الفايروس، وبرز العنف الزوجي خلال هذه الفترة حالة قابلة للدراسة كممارسة ليست مقتصرة فقط على الفئات الهشة من المجتمع، بل يتوسع ليشمل أزواجا ينتمون إلى الطبقة المتوسطة والغنية، ولهم مستوى دراسي عال، يعنّفون زوجاتهم، وذلك لعدة أسباب نفسية واجتماعية تجعل الرجل والمرأة يفقدان السيطرة في مرحلة ما.

لطالما نبّه عدد من الجمعيات المعنية بقضايا المرأة إلى خطورة العنف الممارس ضد هذه الفئة من المجتمع المغربي، وتعمل جمعيات المجتمع المدني بالتعاون مع مؤسسات حكومية لرصد ومناهضة العنف ضد النساء، خصوصا في فترة الحجر الصحي الذي فرضته جائحة كورونا منذ أكثر من شهرين، حيث تصبح النسوة وجها لوجه مع الرجال طيلة اليوم.

وقد وصف تقرير جديد لاتحاد العمل النسائي الحياة التي تعيشها فئة من النساء المغربيات داخل البيوت المزدحمة في زمن الحجر الصحي، مع ما يطالهن داخلها من عنف، بـ”الجحيم”، وقال إن النساء يتعرضن لمختلف أشكال العنف، الجسدي والنفسي، والحرمان من الإنفاق، ومنهنّ مَن يتعرّضن للتهديد بالقتل.

وشمل العنف الزوجي والأسري، الاعتداء على الأبناء، والاستيلاء على مدخرات الزوجات البسيطة، والتهديد بالطرد من بيت الزوجية في ظروف الطوارئ الصحية التي عمّقت معاناتهن أكثر، في ظل صعوبة التنقل أو عدم التوفر على المال للهروب من البيت.

إحصائيات

صرخة ضدّ العنف

وارتبط الحجر الصحي بارتفاع العنف الزوجي الممارس ضدّ النساء المغربيات سواء كان عنفا نفسيا أو جسديا أو اقتصاديا، حيث سجلت فدرالية رابطة حقوق النساء، أنّ العنف الاقتصادي احتل المرتبة الثانية بنسبة 33 في المئة، يليها العنف الجسدي الذي تجاوز نسبة 12 في المئة، ناهيك عن بعض حالات العنف الجنسي، مع تسجيل حالات الطرد من بيت الزوجية، كفعل استدعى بإلحاح التدخل لتوفير خدمة الإيواء.

وكشفت المعطيات الصادرة عن الجمعية الحقوقية والتي شملت الفترة ما بين 16 مارس و24 أبريل الماضيين، أنّ العنف الزوجي، بما فيه عنف الطليق بكل أشكاله، طغى على أنواع العنف الممارس ضد النساء، خلال فترة الحجر الصحي؛ حيث شكل نسبة 91.7 في المئة، يليه العنف الأسري بنسبة 4.4 في المئة، الذي يتضمن أفعال العنف الممارس على النساء من قبل أفراد الأسرة. ورصدت دورية رئاسة النيابة العامة، في الفترة ما بين 20 مارس إلى 20 أبريل 2020 ما مجموعه 892 شكاية، تتعلق بمختلف أنواع العنف ضد النِّساء، وتم تحريك الدعوى العمومية في 148 قضية فقط من هذا النّوع.

كما أفادت النيابة العامة أن عدد المتابعات من أجل العنف ضد النساء انخفض 10 مرات عن المعدل الشهري لهذا النوع من القضايا (148 متابعة بدلا من 1500 متابعة شهريا في الأحوال العادية)، وأنه إذا كان افتراض ثبوت الأفعال المشتكى منها في كافة الشكايات المتوصل بها (892 شكاية)، فإن هذه النسبة تمثل فقط حوالي 60 في المئة من المعدل المسجل في الأحوال العادية من قضايا العنف ضد النساء.

لكن الأرقام التي جاءت بها النيابة العامة لا تعكس الواقع الحقيقي لما تعيشه النساء من عنف في زمن الحجر، حسب بشرى عبده، مديرة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، مضيفة أنه من غير الممكن الحديث عن أرقام إلا بعد رفع حالة الحجر الصحي، واستكمال المؤشرات ومعطيات القطاعات المختصة والجمعيات ومراكز الاستماع في كل المملكة.

واعتبرت مديرة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، أن النساء لا يستطعن إسماع أصواتهن في ظل الحجر، لأنهن لا يخرجن من المنازل، ويجهلن التعامل مع وسائل التكنولوجيا الحديثة، وأغلبهن لا يتوفر لهن حواسيب ولا هواتف ذكية ولا إنترنت، فكيف نحكم في ظل هذا الوضع على انخفاض في العنف إذا كانت كل قنوات التبليغ عنه منعدمة؟

وكشفت فدرالية رابطة حقوق النساء أنّها استقبلت، عبر مختلف الخطوط الهاتفية التي وضعتها للنساء، 240 اتصالا هاتفيا للتصريح بالعنف، كما سجلت ما مجموعه 541 فعل عنف مورس على هؤلاء النساء بمختلف أنواعه وتجلياته، مُشدّدة أنّ “خدمة الإيواء للنساء تعترضها إشكالات كبيرة، تتمثل في نقص حاد في المراكز المتخصصة، وفي صعوبة التنقل بين المدن وداخل نفس المدن بسبب الحجر، إضافة إلى إشكالية التخوف من نقل الوباء”.

وخلال الشهر الأول فقط من بدء الحجر، استقبلت جمعية التحدي للمساواة والمواطنة 300 مكالمة هاتفية من نساء تعرّضن للعنف، وتمّ الاستماع إلى 31 امرأة معنّفة، وقُدمت إرشادات قانونية لـ39 منهن، ومَنحت الجمعية مؤونة غذائية لـ20 امرأة.

وتبعا للإحصائيات التي قدمتها النيابة العامة وعدد من الجمعيات، توضح بشرى عبده مديرة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، أن النساء المعنفات يجدن صعوبة حتى في الاستفادة من الدعم النفسي، لأن تواجد الرجال داخل البيوت يجعلهن خائفات من التواصل مع المكلفين بهذه المهمة، فيضطررن إلى الانتظار إلى حين خروجهم لقضاء غرض ما.

وتتفق لطيفة بوشوى، رئيسة فدرالية رابطة حقوق النساء، في أنّ النساء يواجهن صعوبة في التبليغ عن حالات العنف التّي يتعرضن لها في ظل الظرفية الصحية التّي تحتم البقاء في المنزل، لافتة إلى أنّ النساء هن الحلقة الأضعف في هذه الوضعية الحرجة التّي تَعيشها المملكة.

وبشكل رسمي، أبرزت وزيرة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة، جميلة المصلي، التدابير التي قام بها المغرب في ظل الجائحة على مستوى حماية المرأة من العنف، مشيرة بالخصوص إلى إحداث منصة رقمية “كلنا معك” المخصصة للاستماع والدعم والتوجيه للنساء والفتيات في وضعية هشة، وكذا إطلاق حملة رقمية توعوية وتحسيسية انخرط فيها عدد من الفنانين والإعلاميين.

العنف الزوجي والأسري شمل الاعتداء على الأبناء، والاستيلاء على مدخرات الزوجات البسيطة، والتهديد بالطرد من بيت الزوجية في ظروف الطوارئ الصحية التي عمّقت معاناتهن أكثر

كما أكدت المسؤولة الحكومية أن هذه الحملة ساهمت في بث رسائل تساعد في التغلب على الإكراهات النفسية، والوعي بضرورة استثمار السياق الحالي لتعزيز قيم العيش المشترك، والمسؤولية المشتركة بين الزوجين ونشر ثقافة السلم والمودة والتواصل والتفاهم داخل الأسرة، وأيضا التذكير بأن العنف تجاه النساء والفتيات مجرّم وليس له مبرر في مختلف السياقات.

من جهته، نبّه المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى احتمال تزايد العنف، بمختلف أنواعه، ضد النساء بسبب الظروف المرتبطة بالحجر الصحي والحد من التنقل والولوج إلى المساعدة والحماية.

ولتعزيز هذا البعد التواصلي اعتمدت الفدرالية خدمة الاستماع عن بعد عبر مراكز شبكة رابطة إنجاد، لتقديم خدمات الاستشارة والتوجيه للنساء المشتكيات ضحايا العنف، لكن النساء يُواجهن صعوبة في التبليغ، خاصة أنّ عملية الاستماع عن بعد حديثة التفعيل في بلادنا، مشددة في السياق ذاته على ضرورة البحث عن أساليب أخرى للتبليغ عن حالات العنف.

وعلى أساس الأرقام التي قدمت للنيابة العامة وجهود الحكومة في تخفيف العنف ضد النساء في هذه الفترة الحرجة، أشار اتحاد العمل النسائي إلى أن بعض مراكز الشرطة والدرك حين تبادر إلى إرجاع النساء المطرودات إلى بيت الزوجية مؤقتا يقبل أزواجهن ذلك على مضض، خوفا من المتابعة، غير أن بعضهم يعود لممارسة العنف عليهن بطريقة وحشية بعد إرجاعهن، إلى درجة يُنقلن إثرها إلى المستعجلات انتقاما منهن للجوئهن إلى الشرطة القضائية.

وأشارت الوثيقة إلى أن ما يشجع الأزواج على المضيّ في تعنيف الزوجات بعد طردهنّ من بيت الزوجية، عدم اتخاذ إجراءات احترازية لتوفير الحماية لهن، أو عدم كفاية الإجراءات المتخذة؛ علاوة على قصور القانون عن حماية النساء ضحايا العنف قبل المتابعة.

وكمنتمية للجهاز القضائي المغربي انتقدت عائشة الناصري، عضو المجلس الأعلى للسلطة القضائية وعضو المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الفاعلات الحقوقيات المدافعات عن حقوق المرأة، اللواتي يَعتبرن أن مؤسسة القضاء لا تقوم بواجبها على النحو المطلوب، لحماية النساء ضحايا العنف، خلال فترة الحجر الصحي.

ودافعت الناصري عن العمل الذي تقوم به النيابات العامة لحماية ضحايا العنف، وقالت إن “بعض التصريحات التي تزعم ألّا شيء تحقق في مجال حماية المعنفات، وأن النواب المكلفين بالخلايا المواكبة لهن في المحاكم لا يحضرون، وأن الشرطة لا تتفاعل مع الشكايات.. كلها اتهامات باطلة”.

ورغم أن رئاسة النيابة العامة وضعت عناوين إلكترونية وأرقاما هاتفية رهن إشارة النساء المعنفات للتبليغ عن حالات العنف الذي تعرضن له، فإن اتحاد العمل النسائي قال إن هذه الأرقام الهاتفية “لا تجيب”، قبل أن يستدرك بأن الخدمات المقدمة للنساء المعنفات تحسنت نسبيا، بعد نشر المنصات الجديدة لنيابات المحاكم واعتماد بعض النواب والنائبات المشرفين عليها مقاربة تشاركية في متابعة قضايا النساء ضحايا العنف.

وفي الوقت الذي تشتكي فيه الجمعيات المدافعة عن حقوق النساء من الصعوبات التي تواجهها النساء المعنفات في الولوج إلى العدالة في ظرف حالة الطوارئ الصحية، قالت الناصري إن نواب الخلايا المكلفة بهؤلاء النساء في المحاكم “يشتغلون دون توقف، بل إنهم يتواصلون مع النساء ضحايا العنف أربعا وعشرين ساعة على أربع وعشرين”.

وآخذت الناصري على الفاعلات الحقوقيات اللواتي يبخّسن عمل القضاة، على حد تعبيرها، تقديم معطيات غير صحيحة حول عمل النيابات العامة في ما يتعلق بحماية ضحايا العنف، قائلة “من غير المجدي أن نستمر في جلد الدولة ومؤسساتها، فهذا خطاب لم يعد مجديا ولم يعد منتجا، وعلينا أن نجدد وسائلنا في النضال”.

توصيات لصالح المعنّفات

النساء المعنفات يجدن صعوبة حتى في الاستفادة من الدعم النفسي

وتفادياً لتفاقم أكبر وأخطر للعنف ضد النساء خلال فترة الحجر دعت لطيفة بوشوى، رئيسة فدرالية رابطة حقوق النساء إلى وضع تدابير أسهل لتمكين النساء من التبليغ عن العنف في الصيدليات أو في أماكن آمنة ومتاحة في الأحياء أو عبر أرقام مجانية، واعتماد تدابير إبعاد المعنِّفين عن الضحايا من قبل النيابة العامة وإبقاء النساء وأطفالهن في بيت الزوجية.

ودعت الهيئة الحقوقية إلى ضمان استمرارية عمل وتفعيل أكبر لأدوار الخلايا المحلية والجهوية وللجان المكلفة بموجب القانون 103/13 بمناهضة العنف ضد النساء، وكذا توفير الخدمات وضمان الحماية الواجبة لهن خلال هذه الفترة الصعبة، فضلا عن توفير أوسع وأسرع لخدمات الإيواء المؤسساتي للنساء مع تسهيل تنقلهن إلى هذه المراكز، وتكثيف شروط الوقاية والسلامة الصحية في ظل انتشار الوباء.

وفي هذا السياق، أكدت وزيرة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة، جميلة المصلي، على دعم وتطوير الخدمات الموجهة عن بعد لفائدة النساء ضحايا العنف، والتي يمكن أن تقوم بها الجمعيات وشبكات مراكز الاستماع الشريكة للوزارة وتطوير الخدمات عن بعد ومواكبة النساء ضحايا العنف في جميع أنحاء التراب الوطني عن طريق الاستماع والدعم النفسي، التنسيق مع المصالح لحماية الضحايا.

من جهته، قدم اتحاد العمل النسائي بعض المقترحات التي يرى أنها ستساعد على تجاوز هذا الوضع وضمان الحد الأدنى من الحماية للنساء ضحايا العنف، حيث دعا النيابة العامة إلى استعمال آلية الأرقام الهاتفية الخضراء المجانية، وتطبيق “واتساب”، لتلقي الشكايات ومتابعتها وإخبار الضحايا بالإجراءات المتخذة فيها.

كما دعا الاتحاد إلى إحداث خلايا التكفل بالنساء ضحايا العنف وأطفالهن في كل مراكز الشرطة أو مخافر الدرك الملكي، وتوجيهها للتدخل الفوري لمنع العنف، وإبعاد المعنِّف دون انتظار حدوث أضرار جسيمة إن اقتضى الأمر، والتنسيق مع مراكز الجمعيات، وتقديم الدعم الكافي لها لمواجهة العنف ضد النساء، الذي وصفه اتحاد العمل النسائي بأنه “جائحة لا تقل خطورة عن جائحة كورونا”

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: