السلطة الجزائرية تعبد الطريق لعودة مفاجئة لرموز نظام بوتفليقة

بعد انتخاب التجمع الوطني الديمقراطي، ثاني أحزاب الائتلاف الحاكم خلال رئاسة عبدالعزيز بوتفليقة، أمينا عاما له يتجه حزب جبهة التحرير الحاكم بدوره لانتخاب أمين عام جديد، ويفسّر متابعون تسريع الأحزاب الحاكمة في وتيرة ملء الفراغ في مناصب رؤسائها، برغبة السلطة الاستعانة بالنخبة التقليدية ورموز النظام السابق لمواجهة الأزمات الاجتماعية والاقتصادية الخانقة.

سارت دورة اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم بالجزائر في اتجاه التوقعات التي رسمت العودة المثيرة لحزبي السلطة القويين خلال العشريتين الأخيرتين، فبعد تزكية الطيب زيتوني على رأس التجمع الوطني الديمقراطي، يجري نفس السيناريو لتزكية أبوالفضل بعجي، على رأس جبهة التحرير الوطني.

وانطلقت السبت دورة اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني في قصر المؤتمرات بالعاصمة، في أجواء يشوبها الاستفهام والترقب حول الخلفيات الحقيقية لتسريع وتيرة ملء الفراغ في هرم أكبر حزبين سياسيين في البلاد، رغم الأوضاع الصحية التي تعيشها البلاد بسبب وباء كورونا.

وحصل الحزبان على رخص تنظيم تظاهرتين سياسيتين متتابعتين نهاية هذا الشهر، رغم قوانين الحجر الصحي التي حظرت التجمعات والتظاهرات السياسية والثقافية من طرف الحكومة التي لا زالت تمنع جميع أشكال التجمع البشري في مختلف الفضاءات المغلقة والضيقة.

ورغم الانطباع الذي ساد قبيل انطلاق الدورة، حول تقدم العديد من الشخصيات للتنافس على منصب قيادة حزب جبهة التحرير الوطني، لخلافة الأمين العام السابق المسجون محمد جميعي، إلا أن الأصداء التي حصلت عليها “أخبارنا الجالية “، من قاعة المؤتمرات بالعاصمة، ترجّح سيناريو تزكية القيادي أبوالفضل بعجي لنيل ثقة أعضاء اللجنة المركزية.

ونقلت مصادر مطلعة من الدورة، أن المنافس الحقيقي لأبوالفضل بعجي، في سباق منصب الأمين العام للحزب، جمال بن حمودة، قد أقصي بطريقة هوليوودية، لمّا منع من دخول قاعة المؤتمرات بدعوى إصابته بوباء كورونا، وهو ما أكده الرجل في تدوينة له على حسابه الشخصي في فيسبوك، والتي جاء فيها “لقد منعت من ولوج القاعة بدعوى ارتفاع درجة حرارة جسدي، وإشاعة إصابتي بوباء كورونا“.

وعمد منظمو الدورة إلى منع حضور الصحافيين بحجة تفادي الزحام والاحتكاك، مما قد يفضي إلى نقل العدوى إلى الحاضرين، وهو ما يزيد من الاستفهامات حول خلفية عقد دورة اللجنة المركزية في هذا الظرف الاستثنائي، وحول الأهداف من وراء هذه الوتيرة المتسارعة في ملء الفراغ بهرمي أكبر الأحزاب السياسية في البلاد.

ويعد أبوالفضل بعجي من الشخصيات القيادية المحسوبة على جناح الأمين العام السابق المقيم في بريطانيا عمار سعداني، ويكون قد حاز على ثقة الجهات التي أوعزت للحزبين باختيار أمينين عامين لهما، تحسبا لاستحقاقات سياسية في الأفق، على غرار الاستفتاء الشعبي على الدستور قبل نهاية العام الجاري.

وإذا كان الأمر قد حسم مبكرا بالنسبة إلى التجمع الوطني الديمقراطي بتقديم الطيب زيتوني دون منافسة لشغل منصب الأمين العام خلفا للأمين العام بالنيابة عزالدين ميهوبي، وإنهاء مرحلة رجل الحزب القوي في السابق رئيس الحكومة والأمين العام الأسبق أحمد أويحيى المتواجد في السجن بتهم فساد مالي، فإن الحزب الحاكم اختار أسلوب المنافسة المبكرة قبل أن يحسم المسار بتزكية أبوالفضل بعجي في نهاية المطاف.

ضخ الدماء الجديدة في أوصال حزبي السلطة يعتبر إيذانا بعودة رموز نظام عبد العزيز بوتفليقة السياسية

وشكلت العودة المفاجئة لحزبي السلطة نكسة للتيار المعارض للسلطة منذ انطلاق أحداث الحراك الشعبي في فبراير 2019، حيث كانا يمثلان الذراعين السياسيين لنظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة ومحل غضب شعبي وصل لحد المطالبة بحلهما وتطبيق العزل السياسي عليهما.

ويبدو أن السلطة التي تنتظرها استحقاقات سياسية في الأفق، وعلى رأسها تمرير الدستور الجديد، لم تعد مطمئنة للوعاء السياسي والشعبي الذي دعمها في إطفاء جذوة الحراك الشعبي، وهي بصدد العودة إلى القوى السياسية التقليدية من خلال تجديد بعض مفاصلها ووجوهها بغية تمرير الأجندات المقبلة خاصة منها امتصاص الغضب الشعبي المرشح للعودة إلى الشارع مع أول رفع لتدابير جائحة كورونا.

ويعتبر ضخ الدماء الجديدة في أوصال حزبي السلطة إيذانا بعودة رموز نظام عبد العزيز بوتفليقة السياسية، في ظل معطيات تكون قد تكوّنت لدى السلطة حول نهاية مرحلة الاحتجاجات السياسية الشعبية والتفرغ لتثبيت أركانها ومؤسساتها الرسمية والسياسية، رغم ما يمثله من استفزاز للشارع ما قد يشعل جذوة الاحتجاجات بنفس الوتيرة أو أكثر على الاستفزازات التي مارسها نظام بوتفليقة، لمّا كان متمسكا بتمرير ولاية رئاسية خامسة رغم أنوف الرافضين.

وتجري عملية إعادة تأهيل القوى التقليدية، رغم تواجد قادتها في السجن منذ أكثر من عام بتهم فساد مالي وسياسي، كما هو الشأن بالنسبة إلى جمال ولد عباس ومحمد جميعي من جبهة التحرير الوطني، وأحمد أويحيى من التجمع الوطني الديمقراطي، وعمارة بن يونس عن الجبهة الشعبية الجزائرية، وعمار غول عن تجمع أمل الجزائر.

وسيكون أمام أبوالفضل بعجي فرصة إعادة تشكيل الحزب الحاكم بالشكل والأهداف التي سطرت له وتم اختياره بموجبها للاضطلاع بتلك المهمة وتمرير الأجندة المحددة، وعلى رأسها التخلص من التركة البشرية الموروثة عن الأمناء العامين السابقين، على غرار أعضاء المكتب السياسي، لكن يبقى ولاؤه السابق لبوتفليقة شأنه شأن الطيب زيتوني الأمين العام الجديد للتجمع الوطني الديمقراطي، خاصرته الرخوة التي توظف ضده في أيّ انقلاب مستقبلي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: