جيوب الجزائريين آخر ملاذات الحكومة لمواجهة شح السيولة
فجر لجوء الحكومة الجزائرية إلى زيادة الرسوم والضرائب في مشروع قانون الميزانية التكميلي لمواجهة شح السيولة النقدية بسبب تراجع عائدات النفط والغاز غضب الأوساط الاقتصادية والشعبية من استخدام نفس الحلول القديمة لمعالجة الأزمات التي خلفها تراجع أسعار النفط وفاقمت من تداعياتها مشكلة الوباء.
دفعت الضغوط المالية التي تواجه الجزائر الحكومة إلى الإمعان في سياسات التقشف عبر نقل أعبائها إلى كاهل المواطنين من بوابة فرض المزيد من الرسوم والضرائب دون الاكتراث بتأثيراتها على الاستقرار الاجتماعي في البلاد.
واستغربت فعاليات عمالية ونقابية في الجزائر لجوء الحكومة مجددا إلى سياسة فرض الضرائب والرسوم على الأشخاص، بشكل سيعمق من متاعب الفئات الاجتماعية الهشة، بدل الذهاب إلى حلول اقتصادية بديلة لمواجهة العجز المتراكم في الخزينة العامة وتقلص مداخيل البلاد من العملة الصعبة.
وتساءل العديد من نواب البرلمان في جلسات مناقشة المشروع عن خلفيات لجوء الحكومة في كل ضائقة إلى الطبقات الاجتماعية الهشة لتثقلها بالمزيد من الضرائب والرسوم.
وفي خضم ذلك يستمر تجاهل مصير الأموال المنهوبة من طرف لوبيات نظام الرئيس الأسبق عبدالعزيز بوتفليقة، والاستثمارات المشبوهة لهؤلاء في العديد من الدول الأوروبية، حيث تحصي إسبانيا لوحدها نحو 10 آلاف شخص وعقار جزائري على ترابها.
وأمام التهاب مرتقب لأسعار المواد الاستهلاكية وتراجع جديد في القدرة الشرائية للجزائريين، بعد دخول قانون المالية التكميلي حيز التنفيذ بداية من يوليو المقبل، لم تعد الإجراءات الاجتماعية التي أقرتها الحكومة منذ أسابيع ذات جدوى.
وتقضي تلك الإجراءات برفع الحد الأدنى من الأجور لنحو 160 دولارا، ورفع ضريبة الدخل على الرواتب التي تقل عن 230 دولارا.
وشكل قرار رفع أسعار الوقود بأنواعه صدمة لدى الشارع الجزائري، رغم انخفاض أسعار النفط في الأسواق الدولية، ولجوء عدة حكومات إلى خفض أسعار البنزين، نظرا للتداعيات التي ستشمل القطاعات والنشاطات المتصلة باستهلاك الوقود، على غرار النقل والزراعة.
ورشحت دوائر اجتماعية ونقابية القدرة الشرائية إلى المزيد من التدهور بسبب الارتفاع المحتمل لأسعار العديد من المواد الاستهلاكية، ما يساهم في توسيع دائرة الفقر في البلاد بعدما عرفت أرقاما صادمة خلال السنوات الماضية باعتراف الرجل الأول في الدولة عبدالمجيد تبون.
وكانت الحكومة قد كشفت عن تقرير خلال الأسابيع الماضية أماط اللثام عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لشريحة واسعة من الجزائيين ولاسيما الفقراء.
وأحصى التقرير 15 ألف منطقة ظل، وهو المصطلح الذي يطلق على الضواحي والأحياء والقرى المهمشة بالبلاد، والتي يعيش فيها نحو 9 ملايين نسمة، مما يؤكد توسع دائرة الفقر لتشكل ربع التعداد السكاني على الأقل.
وبعيدا عن الحسابات السياسية والانتخابية للكتل البرلمانية والنواب المستقلين، وفي ظل الحديث عن انتخابات تشريعية قبل نهاية العام الجاري، فإن أعضاء البرلمان وجدوا أنفسهم في حرج شديد أمام الشارع بسبب مشروع قانون المالية التكميلي المعروض للنقاش بعد عيد الفطر.
ووجه النائب عن حزب جبهة التحرير الوطني إلياس سعدي انتقادات شديدة لوزير المالية عبدالرحمن راوية، على خلفية حزمة التدابير التقشفية الجديدة واللجوء لسياسة الرسوم والضرائب المثقلة لكاهل الطبقات الاجتماعية الهشة.
وذكر في مداخلة له أن “الحكومة التي يفترض أنها تبحث عن حلول تراعي التوازن الاجتماعي والاقتصادي، تحولت إلى جابي ضرائب وإلى ممارس لأساليب التحايل على الشعب، فما أعطته باليمين في رفع الحد الأدنى للأجور وضريبة الدخل، أخذته باليسار من خلال الإجراءات الجديدة”.
ودعا سعدي نواب البرلمان إلى رفض مشروع الحكومة قياسا بالتردد في اتخاذ القرار وافتقادها لاستشراف حقيقي، وقال إنه “في غضون شهرين قدمت قانون المالية الأولي في يناير، وفي مايو تقدم قانون مالية تكميلي، ومنذ مارس والبلاد في حجر صحي، مما يعكس حجم الارتباك والفشل في تسيير شؤون البلاد”.
وكانت الجزائر قد قررت غداة التهاوي التاريخي لأسعار النفط في الأسواق الدولية، اللجوء إلى قانون مالية تكميلي لسد التداعيات المنتظرة لتقلص احتياطات العملة الصعبة وتفاقم عجز الخزينة العامة.
وأعاد مشروع الميزانية التكميلية النظر في سقف عوائد النفط من 50 إلى 30 دولارا للبرميل، وتقليص ميزانية التسيير إلى النصف بعدما كانت في حدود 30 في المئة.
ويقول خبراء إن هذا الأمر سيشل عملية التوظيف في القطاعات الحكومية ويوسع دائرة البطالة، بعدما حصرها في قطاعي الصحة والتربية فقط، فضلا عن فرض ضرائب وصفت بـ”الخيالية” على السيارات والمركبات الجديدة.
وبحجة محاربة السوق الموازية للعملة والحد من تهريبها للخارج، قرر مشروع القانون حصر المبلغ المرخص بإخراجه للأشخاص في حدود الألف يورو، بعدما كان في عتبة الخمسة آلاف يورو، الأمر الذي تسبب في صدمة للجزائريين.
وبرر راوية الإجراءات المتخذة في مشروع القانون بسبب “الركود الاقتصادي العالمي والأزمة الصحية الشاملة، التي لم يسبق لها مثيل ولم تستثن أي بلد”.
وتوقع الوزير تسجيل عجز جديد في الميزانية يقدر بأكثر من 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بعدما كان في حدود 7 في المئة في الميزانية الأصلية، فضلا عن توقعات بعائدات نفطية في حدود 20 مليار دولار بعدما كانت التوقعات تذهب إلى أكثر من 30 مليار دولار.
ومازالت الحكومة مرتبكة في مواجهة صدمة أسعار النفط والتداعيات التي أفرزها وباء كورونا على النشاط الاقتصادي والاجتماعي، ففيما تكتفي بضمان رواتب القطاع الحكومي والعام، يواجه العاملون في القطاع الخاص والأنشطة الحرفية مصيرا غامضا بسبب موجة التسريح ونقص المداخيل.
وأعلن تنظيم مهني للمؤسسات والمقاولات العاملة في قطاع البناء إفلاس أكثر من 20 ألف مؤسسة، وتسريح نحو نصف مليون عامل، بسبب تقلص نشاط البناء والمنشآت خلال السنوات الأخيرة، ووباء كورونا.
وحتى الآن لم تبادر الحكومة بأي مخطط لحماية مؤسسات القطاع الخاص ولا الحفاظ على فرص العمل، مما سيوسع من دائرة البطالة ويفاقم مستويات الفقر.