جمعيات مغربية تنشط في ميدان الحريات الفردية تعلن استنكارها لدعوات الكراهية والتحريض

تبدي الأوساط الحقوقية والصحافية المزيد من الاهتمام بقضية اعتقال ومتابعة الصحافي المغربي سليمان الريسوني، رئيس تحرير صحيفة «أخبار اليوم»، الذي وجهت له رسمياً تهمة أخلاقية، وتأخذ أوساط تنادي بالحريات الفردية من الملف مدخلاً لتجدد مطالبها ودفاعها عن المثلية الجنسية.
وقالت المحامية، سعاد البراهمة، عضو المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إن ظروف وملابسات اعتقال الصحافي الريسوني تؤكد أن ما وقع ليس وليد اللحظة، وإنما هو أحداث متسلسلة أدت إلى الهجوم على الأقلام المنتقدة للسلطة في المغرب.
واعتقل الريسوني يوم الجمعة الماضي قُرب منزله في الدار البيضاء، ومثُل الإثنين أمام نائب الوكيل العام (النيابة العامة) للملك في محكمة الاستئناف في الدار البيضاء. وإثر ذلك وجّه له قاضي التحقيق تهمة «هتك العرض بالعنف والاحتجاز»، وأمر إيداعه بسجن عكاشة غي المدينة نفسها، مُحدّداً يوم 11 يونيو المقبل موعداً لجلسة «الاستنطاق التفصيلي».
وأوضحت المحامية البراهمة، خلال ندوة حول «اعتقالات الصحافيين المغاربة المتواصلة.. ماذا يجري؟»، أن المخزن (السلطة) أصبح يواجه «بسوء أخلاق» المعارضين، أو المنتقدين للسلطة، إذ لم يعد يعتقلهم لمواقفهم، بل أصبح يبحث عن فضائح أخلاقية وجنسية لكي يحاكموا ويدانوا من قبل الرأي العام، قبل عرضهم على المحكمة.
وقالت: «ما يقع اليوم ليس وليد اللحظة، بل يأتي في تسلسل، منذ الانفراج السياسي في سنة 1993 بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين من حركة «إلى الأمام»، وحدوث انفراج نسبيّ كان فترة لن تطول، فعاد عهد التسلط، ومواجهة كل المناوئين والمخالفين والمعارضين، وعلى رأسهم الصحافيون ذوو القلم السلس والجرّيء» إذ «هي لحظة من سنوات الرصاص ولو بشكل مختلف، تُوِّجَت بحركة عشرين فبراير التي أتى في إطارها دستور 2011».
وذكرت الحقوقية أنّ «السلطة والمخزن هما نفسهما؛ فقد تغيّر الجلد مع الاحتفاظ بطريقة التعامل؛ إذ يعتقل أصحاب الصحف ويضطرّون للهجرة، أو يثقل كاهلهم بأموال طائلة ليتركوا الجمل بما حمل، وتخلق صحافة هزيلة وصحافة التفاهة، وصحافة تواجه الصحافة المستقلَّة التي لها مبادئ وقناعات، وتُخلَق آلاف جمعيات حقوق الإنسان التي تخدم المخزن وما يريده». وقالت: «كلما ضعفت موازين القوى عاد النّظام إلى شراسته الأولى، مثل ما جرى بعد سنة 2011».
وأضافت الحقوقية المغربية أن المقصود من اعتقال سليمان الريسوني، وتوفيق بوعشرين، مؤسس صحيفة «أخبار اليوم»، ورئيس تحريرها السابق والمحكوم بتهم أخلاقية بـ15 سنة سجناً نافذة، هو القضاء على «أخبار اليوم»، وأن المواطنين تيقنوا اليوم من أن قضية بوعشرين مفبركة، إذ تم اعتماد السيناريو نفسه في مختلف القضايا.
وأشارت المحامية ذاتها إلى أنه بعد اعتقال الريسوني، جرى في الكواليس الضغط على أشخاص آخرين، بينهم مدونة، من أجل وضع شكاية به، وهو السيناريو نفسه لاعتقال توفيق بوعشرين، ما أكد للمتابعين أن ما يحاك ضد الريسوني استغلال سيئ للقانون، وتوظيف للقضاء.

استهداف «أخبار اليوم»

وأكدت سعاد البراهمة أن اعتقال الريسوني كان تعسفياً، إذ لم يتم استدعاؤه وفق القانون، ومواجهته بالتهم الموجهة إليه، ومتابعته في حالة سراح، للحفاظ على قرينة البراءة، خصوصاً أن النيابة العامة حركت المسطرة وفق تدوينة فيسبوكية، وفي غياب حالة التلبس.
وقال قيدوم الصحافيين المغاربة، أبو بكر الجامعي، إنّه «لم يفاجأ بما وقع لسليمان الريسوني؛ لأن كتاباته صائبة جداً، وهو أمام نظام الآن لم يعد ينأى بنفسه عن استعمال هذه الوسائل الدنيئة وغير المقبولة»، داعياً إلى «عدم التعاطي مع الحكم على أنّه أحادي» وعدم استبعاد أن تكون هذه المتابعة فردية ممّن يعتقدون أنّ «هذا ما تريده السّلطة»، وهو «تفتّتٌ خطير».
واثنى على مواقف رئيس تحرير جريدة «أخبار اليوم» التي كانت جريئة وصائبة، وأحسن كاتب افتتاحيات الآن بالحقل الإعلامي في المغرب، وجودة تحليلاته قائمة على صراحته فيها، بحديثه عن حقيقة السلطة في المغرب، فيزعج من عندهم السّلطة حقيقة وهو ما لا يمكن أن تقبله السّلطة؛ لأنّ أغلبية الصحافيين وكتاب الافتتاحيات في المغرب يحاولون معالجة مشاكل البلاد دون الإشارة إلى أهمّ شيء في المغرب، وهو ركيزة السلطة، ولا يمكن أن تكون تحاليلهم صائبة».
وحذر قيدوم الصحافيين المغاربة من أن «المغرب الآن في سياق لا نتحدّث فيه عن ديمقراطية تُصانُ فيها الحقوق بالقانون، بل يُستَعمَل فيها هذا القانون كسلاح، ممّا ينفي قيمته الفلسفية، بجعله أداة تُستَعمَل متى شاء المستَعمِلون، ولا تستعمَل متى شاؤوا، وهذا لا يمسّ فقط بسمعة المغرب، بل بسمعة الدولة والقضاء والشرطة».
وقال إن المغرب يختلف عن بعض بلدان المنطقة في السلطويّة «تونس سبقتنا، وما يقع في الجزائر يبشر بالخير، في حين ما تزال السلطة تريد أن توهم الخارج وبعض الفئات في المغرب بأنّها أحسن حلّ لإكراهاتِ اليوم؛ فلا يمكن إذن أن تواجه سليمان الريسوني على أساس مقالات سليمة فكرياً، وإلا ستظهر سلطويّتها»، لذلك «ومع ما يتمّ الآن، سيكون ثمن الانتقال باهظاً، وسيصعُب أكثر مع استمرار الانتهاكات الاقتصادية والسياسية».

موجة تشهير بالريسوني

وقال خالد البكاري، حقوقي وأستاذ جامعي، إنّ «يوم 26  مايو يوافق تاريخ انطلاق الاعتقالات في صفوف مناضلي الحراك الشعبي في الريف، وصحافيين مثل حميد المهداوي ومحمد الأصريحي لأن الصحافيين المعبّرين بجرأة عن رأيهم يتعرّضون للاضطهاد و»سليمان الريسوني مستهدف، ولا يمكن أن ينكر هذا إنسان موضوعي، وهو يتعرض لحملة تشويه لسمعته، وتشهير من مواقع قريبة من الأجهزة، والقول بأنّه لم يكن مستهدفاً محاولة لتغليظ الرّأي العامّ».
وأضاف: «إذا كنا ندافع عن دولة الحق والقانون فنحن ندافع بالأحرى عن الحق في رفع شكاية. المنتقَد هو الانتقائية، لأنّ عندنا ملفات أفظع، وبالأدلة، لأشخاص خرجوا بوجوه مفتوحة ووجّهوا اتهامات لمسؤولين، من بينهم من اتهمت مدير قناة عمومية، فصارت هي المتهمة بالتشهير، وما ننادي به هو عدم الإفلات من العقاب للجميع».
وأوضح البكاري أنّه «لم يتقدّم أيّ شخص طواعية بشكاية بسليمان الريسوني، بل كُتبت تدوينة لم يذكر فيها اسم الريسوني، وتحرت عنها لجنة اليقظة، وهي وقائع، مع احترام قناعات الشخص حولها، لا ندري أهي صحيحة أم لا، واستدعَت الضابطة القضائية المثليّ في الدار البيضاء، علماً أنّ التحري كان يجب أن يتمّ في مراكش، مع عدم استدعاء الريسوني، بل توقيفه وتقديمه في حالة اعتقال، وهو ما رافقته موجة تشهير استمرّت حتى وهو في حالة اعتقال، دون أن تتدخّل لا الجهات الأمنية ولا الجهات القضائية، إضافة إلى قول ناشطة في مجال حقوق الأقليات إنّ هناك من يتّصلون بها من دفاع المشتكي، ويسألونَها إن كانت ضحية للريسوني، في عملية بحث عن ضحايا مفترَضين، وهو سياق يؤكّد لنا أنّ هذا الملفّ ليس عادياً، وطريقة التعامل معه ليست هي نفس طريقة التعامل مع ملفات أخرى».
وقال البكاري إنّ «الدولة، بعد تمييع المشهد الحزبي، عندما احتاجت أحزاباً قوية لم تجدها، وهو ما يحدث الآن في المشهد الإعلاميّ، حيث سيندم النّظام المغربي في يوم من الأيام على الصحافيين الحقيقيّين الذين جرجرهم في المحاكم، ويجب أن تنتبه الدولة إلى أنّ الاضطرار للعودة لملء الحافلات في مناسبات وطنية بروتوكولية يعني أنّ هناك خيبات أمل» و»جميع من يعتبرون معارضين في تاريخ المغرب هم الذين إذا تمّ التّفكير سنرى أنّهم من ساهموا في الحفاظ على الدولة؛ فحزب الاتحاد الاشتراكي (للقوات الشعبية) القوي كان يحمل القوّة المؤثّرة في المغرب باستراتيجية النضال الديمقراطي، وبسببه لم تسر قوّة كبيرة في اتّجاه التصادم، وفي الوقت الذي كان فيه انفجار في الظّاهرة الجهاديّة، كانت تحمل العدل والإحسان جزءاً كبيراً من الشباب المتدين وتقي من أن تكون الظاهرة الجهادية عنيفة، بفعل اختياراتها وسيرها بهدوء».
وحذر الحقوقي المغربي من «تصحير العمل السياسي والحزبي والنقابي والإعلاميّ، مع الاحتقان الاجتماعي القادم في المستقبل بفعل الطبيعة الديموغرافية الشابة للمغرب، وغياب موارد لشراء السلم الاجتماعي، ووجود أقلية أوليغارشية هي أكبر معيق لدفاعها عن مصالحها»، وأكد: «كلّنا مع هيبة الدولة، ولا نريد سقوطها لأنّ في ذلك سقوط المجتمع، ولكن هيبَتها تكون بالدفاع عن الحقوق والحريات والمجتمع، وبحمايتِهِ، لا بحماية أقلية منتَفِعَة».

التضامن مع سليمان الريسوني

عبد الرزاق بوغنبور، منسق لجنة التضامن مع سليمان الريسوني، قال إنّ «النوبة»، (الدَور)، تشمل الآن سليمان الريسوني بناء على تدوينة من بين تدوينات لشخص ليس اسمه كاملاً على حسابه، دون الإشارة إلى اسم سليمان الريسوني في وقائع يقال إنّها تمّت قبل سنتين.
واستشهد بوغنبور بما قاله الريسوني: «جات نوبتي» (جاء دوري)، مضيفاً أن «كل صوت حر في هذا البلد يعتبر نفسه واقفاً في طابور الاعتقال ينتظر دورَه، وكنا نظن أنّه يجب أن ننتظر إلى أن تتضح الأمور، لكن مع التشهير، وبعدما حيك من قبل لهاجر الريسوني (ابنة شقيق سليمان التي اعتقلت صيف العام الماضي بتهمة الإجهاض من حمل غير مشرع ناتج عن علاقتها مع خطيبها السوداني)، وربيع الأبلق وحميد المهداوي، وأبو بكر الجامعي وتوفيق بوعشرين، قد يكون الدور علينا غداً، وأرى في الانتظارية تخلياً عن المناضلين»، داعياً إلى «وقف هذا العبث».
وأضاف الحقوقي أنّ «الظرف قد رُبِط بحدث خاصّ، هو مواقعة شخص مثلي، لإحراج الحركة الحقوقية، بينما الحركة الحقوقيّة غير محرَجَة على الإطلاق، لأنها تعتمد المرجعية الحقوقية الدولية، بل المشكل عند الدولة المطالبة بتطبيق القانون الجنائي والاعتقال بالفصل المجرّم للمثلية، علماً أنّ لنا مطلباً آخر هو تمتّع هذه الأقلية بحقوقها، وأن تلغى مجموعة من الفصول التي هي سبب اضطهادها».وقال بوغنبور الرئيس السابق للعصبة المغربية لحقوق الإنسان إن النظام استطاع أن يستعيد هيبته وعاد بالشكل القديم، فهو لا يتغيَّر بل ينحني للعاصفة، ويساوم بالعصا والجزرة، مع غياب الفاعل السياسي الآن، وخلق تعدّدية وهمية بأكثر من خمسين جمعية حقوقية.
وأعلنت مجموعات وجمعيات «الكويرية» في المغرب التي تنشط في ميدان الحريات الفردية والدفاع عن حقوق المثليين استنكارها لدعوات الكراهية والقصص المفبركة ضد مثلي الجنس الآدم محمد الذي يقول إن الريسوني هتك عرضه بالعنف والاحتجاز.
وشجبت الجمعيات «الكويرية»، في بلاغ أرسل لـ«القدس العربي»، تصريحات المحامي عبد المولى المروري، «التحريضية» ضد آدم محمد، وقالت إن «أفراداً ونشطاء ونشيطات مجتمع الميم عين في المغرب هم أيضاً مواطنون مغاربة لهم كامل الحق في الولوج إلى القضاء والحماية القانونية في حالة تعرضهم لأي اعتداء أو عنف أو تمييز سواء بناء على جنسانيتهم أو أية وضعية أخرى».
ونددت الجمعيات بتصريحات بعض الحقوقيين التي ترى في هذه القضية «حسابات سياسية وتعمل بذلك على تسكيت وطمس حق الضحية في العدالة، هذه ليست قضية سياسية تمس بحرية الصحافة بقدر ما هي قضية ضحية تعرضت لاعتداء جنسي ويجب على المعتدي، في حالة ثبوت التهم المنسوبة إليه، أن يحاسَب».
ورفضت التشكيك في مصداقية «الرفيق المقاوم» كضحية، مردفاً: «كما نرفض التشكيك وتسكيت كل ضحايا العنف من طرف أفراد مهما كانت خلفيتهم أو نضالاتهم»، لأن «هذه السلوكيات التي تشمل لوم الضحية، الاتهام، التشهير، والاتهام بالخزي والعهر هي تطبيع مع ثقافة الاغتصاب والاعتداءات الجنسية»، وطالبت بـ«إلغاء تجريم المثلية الجنسية في المغرب وحذف كل الفصول التجريمية في حق مجتمع الميم».
وطالبت جمعيات تونسية السلطات المغربية بإطلاق سراح سليمان الريسوني، والكف عن اختلاق قضايا جنائية لإسكات صحافيين ونشطاء حقوقيين وتجريم حرية التعبير والصحافة. وأكدت في نشر في المغرب أن «حماية حرية التعبير والصحافة في المغرب وبقية الدول العربية هي شرط أساسي لاجتثاث الفساد والاستبداد اللذين ينخران مُؤسساتها ويُهدّدان بمزيد تقهقرها».

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: