كورونا.. طريق النهاية

بفضل الفشل المتكرر في مواجهة كورونا، يتوفر الآن بصيص أمل يمكن للجميع أن يروه، حتى ليبدو وكأنه شريط ضوء فضي يسطع من آخر نفق التراجيديا الراهنة

العلماء الذين يواجهون فايروس كورونا تلقوا ضربة بعد أخرى. ولكن ما من ضربات أفضل من تلك التي يتلقاها العلماء. فهي دليلهم الأفضل للنجاح. يقال إن تاريخ العلم، هو في الواقع، تاريخ التجارب الفاشلة. ولكن ها نحن هنا، نفخر بالكثير مما حققه العلم. وبفضل الفشل المتكرر في مواجهة كورونا، يتوفر الآن بصيص أمل يمكن للجميع أن يروه، حتى ليبدو وكأنه شريط ضوء فضي يسطع من آخر نفق التراجيديا الراهنة.

الضربة الأولى كانت بسقوط نظرية “مناعة القطيع”. صحيح أن كُلفتها كان من المرجح أن تكون باهظة، إلا أنها بدت، لبعض العلماء والسياسيين في لحظة حالكة السواد، كأنها الحل الأخير. ومع الخسائر الاقتصادية الجسيمة، وطول الحاجة إلى اتباع سياسات العزل والإغلاق، فإن الكيل كان قد فاض بالفعل.

لا أحد كان بوسعه أن يتحمل أضرارا تستمر لأربعة أشهر أخرى. إسراع إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وبريطانيا من أجل تخفيف القيود، كان مدفوعا بأسباب اقتصادية بالدرجة الأولى، حتى بدا الأمر وكأنه استسلام أمام الواقع.

بطبيعة الحال، فإن القيود السلوكية، ومن بينها ارتداء الكمامات، كان من شأنها أن تحد من تفشي الوباء، إلا أن “الإفراج” عن المحكومين في منازلهم وبعيدا عن مصادر رزقهم، كان قد تم حتى عندما ظلت آلاف الإصابات الجديدة تسجل كل يوم. أعداد الموتى تناقصت من دون أن تنتهي أيضا. والأهم من ذلك، من دون أن يظهر لقاح أو حتى علاج يمكن الثقة به.

الضربة الثانية جاءت من الدراسة التي توصلت إليها جامعة أمستردام، والتي قالت إن الحصانة التي يكتسبها المتعافون من كل الفايروسات التاجية لا تدوم أكثر من ستة أشهر، وإن الأجسام المضادة التي ينتجها جسم الإنسان تتراجع بدرجة كبيرة مع مرور الوقت، الأمر الذي يعود ليجعل المتعافين قابلين للإصابة من جديد، وأهم من ذلك، قادرين على نقل العدوى إلى غيرهم حتى وإن لم يتعرضوا هم أنفسهم إلى خطر جسيم. فأجسامهم التي كافحت المرض لدى الإصابة الأولى تكون قد اكتسبت الخبرة الدفاعية اللازمة لمكافحته من جديد، بينما أهليتهم لنقل العدوى هي العقدة الأكثر ضررا.

الضربة الثالثة جاءت من حقيقة أن الفايروسات التاجية كفايروس كورونا قابلة للتطور أو التكيف مع البيئات الجديدة، ويمكن أن تجري تعديلات على جينومها الخاص بحيث لا تعود اللقاحات المحتملة مفيدة من الأساس، لأن تلك اللقاحات إذ تلاحق نمطا من التسلسل الجيني (مثلا الجين الذي يسمح للفايروس بأن يتعلق بالخلايا، قبل أن يحولها إلى مصنع لاستنساخ نفسه)، فإن تلك التعديلات تجعل من اللقاح مغامرة لا معنى لها.

الضربة الرابعة هي ضربة الواقع نفسه، فلكي يمكن التوصل إلى لقاح، يجب أن تثبت فاعليته على ثلاث مراحل من الاختبارات السريرية، الأخيرة منها هي أن يتم تلقيح مجموعة ضخمة من البشر، ويجب أن يتعرضوا للفايروس، وأن يثبت أنهم لم يصابوا بالمرض. وهذه بحد ذاتها معضلة، إذ ما نفع اللقاح في الصين اليوم بينما لم يعد هناك أثر للفايروس نفسه؟ وكيف يمكن التيقن من فائدته أصلا؟

الخبراء الصينيون، على سبيل المثال، يضطرون الآن إلى تجربة لقاحاتهم في أماكن موبوءة خارج الصين، لكي يروا ما إذا كانت تلك اللقاحات مفيدة أم لا.

هذه السلسلة من التجارب أشبه بدورة مأساة متواصلة، لا يمكن للمرء فيها أن يعرف ما إذا كان لعمله أي قيمة فعلية، رغم أنه يتطلب جهودا عظيمة وتكاليف ضخمة ووقتا ثمينا. والوقت إنما يعني المزيد من الضحايا، وكذلك المزيد من مشاعر الإحباط، فضلا عن الخسائر المادية، والمجادلات السياسية والتوترات الدولية. ولكن أربعة أشهر من الفشل كانت كافية أن تعلم العلماء الكثير.

أول هذا الكثير، أن يتركز الجهد على إيجاد علاج. فحتى وإن تواصلت الجهود للعثور على لقاح، فإن المختبرات يمكن أن تقضي ما تشاء من الوقت، إذا ما توفر سبيل لتخفيف المعاناة والمخاطر عن طريق دواء يمكن إنتاجه بسرعة، ولا يتطلب المستوى نفسه من التعقيد الذي تتطلبه اللقاحات.

نحن، على أي حال، نعالج الأنفلونزا، وقد لا نكون بحاجة إلى لقاح لمكافحتها. وهذا نفسه هو ما حصل مع أمراض مثل الإيدز وسارس وغيرها من الأمراض الفايروسية الأخرى.

إحدى أهم الفوائد الجانبية للعلاج هي أنه، بحد ذاته، يؤدي عمل “مناعة القطيع”. فطالما أمكن له كبح الفايروس وتقليص عواقبه الخطيرة، فإن تفشي الفايروس سوف يتضاءل تلقائيا. طبعا، سوف يتطلب هذا الأمر قواعد سلوكية جديدة تجبر المصابين، وليس كل الناس، على العزلة والتباعد الاجتماعي، إلا أن الخروقات نفسها قد لا تكون شديدة الضرر. بمعنى آخر، فإن تحول كورونا إلى “أنفلونزا أخرى”، قد يمنح المصاب إجازة مرضية لأسبوعين، إلا أنها لن تتطلب سجن المجتمع برمته.

وهناك اليوم أكثر من 100 علاج مقترح تبرز من بينها تلك التي تركز على إنتاج الأجسام المضادة، وعلى استعادة التوازن في نشاط هذه الأجسام للحؤول دون انقلاب رد فعل الجهاز المناعي (أو ما يسمى “عاصفة السيتوكين”) إلى خطر قائم بذاته.

باحثون من جامعة تشونغتشينغ الطبية في الصين توصلوا إلى أن 95 في المئة من المصابين بفايروس كورونا طوروا نوعين من الخلايا المناعية التي تحارب الفايروس خلال 3 أسابيع. والسؤال الأهم الذي بقي عالقا بين أيديهم هو: ما هو مستوى الأجسام المضادة اللازمة لمنح الحماية من المرض لدى الآخرين؟ وكم يمكن لهذه الحماية أن تستمر؟

شركة دواء بريطانية توصلت في المقابل إلى إنتاج علاج يساعد في تهدئة رد فعل الجهاز المناعي المفرط الذي يؤدي إلى تلف قاتل للأعضاء، والذي كان سببا لنسبة عالية من الوفيات.

ومثلما أمكن الجمع بين حزمة أدوية لعلاج الإيدز، فإن بروتوكولا يوفر التوازن بين هذا وذاك، يمكن أن يوفر مخرجا من المحنة.

على عكس اللقاح الذي يتطلب بين 12 و18 شهرا، فإن حزمة من العلاجات الناجحة سوف توفر للأطباء القدرة على التحكم بالمرض. وإذ تعلم العلماء من الفشل، فلن تمر بضعة أسابيع حتى نصل إلى آخر النفق.

 

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: