الصحافي المغربي سليمان الريسوني المتابع بتهمة «أخلاقية»: جاء دوري وأدفع ثمن مواقفي

لا أحد يعرف إلى أين يمضي ملف الصحافي المغربي سليمان الريسوني، رئيس تحرير صحيفة «أخبار اليوم»، الذي اعتقل يوم الجمعة الماضي، على خلفية «أخلاقية»، وطلب من هيئة دفاعه، بعد متابعته بحالة اعتقال، ادعوا معي فلقد جاء دوري، كرسالة واضحة أنه يدفع ثمن مواقفه وكتاباته الناقدة للسلطات، على غرار سلفه توفيق بوعشرين الذي حكم عليه بتهم أخلاقية بالجسن 15 عاماً وابنة شقيقه وزميلته في الصحيفة هاجر الريسوني، التي حكم عليها في السجن سنة نافذة بتهمة الإجهاض ومن حمل نتج عن علاقة غير شرعية مع خطيبها السوداني.
وقال المحامي سعيد بوزردة، عضو هيئة الدفاع، إن الريسوني، وبعد انتهاء عرضه الإثنين على قاضي التحقيق في إطار الاستنطاق الابتدائي، قال لدفاعه بمعنويات مرتفعة: «دعيو معايا نوبتي جات والله يفرج عليا» (ادعوا معي، جاء دوري، والله يفرجها علي) وإن «هذه ضريبة مواقفه وانتقاده لمجموعة من الفاعلين في السلطة».

محكمة الاستئناف

وأمر قاضي التحقيق في الغرفة الأولى لدى محكمة الاستئناف في الدار البيضاء، صباح الإثنين، بإيداع الريسوني رهن تدابير الاعتقال الاحتياطي في سجن عكاشة في الدار البيضاء في انتظار الشروع في التحقيق التفصيلي يوم الخميس 11 يونيو المقبل بعد أن أحيل من طرف الشرطة على الوكيل العام للملك (النيابة العامة) لدى المحكمة نفسها، الذي أحاله بدوره على قاضي التحقيق من أجل التحقيق معه للاشتباه في ارتكابه جناية «هتك عرض باستعمال العنف والاحتجاز» طبقاً للمواد 485 و436 من القانون الجنائي، بناء على شكاية تقدم بها أحد الأشخاص الذين يعلنون مثليتهم.
وقال ناجيم بن سامي، الوكيل العام للملك (النائب العام) لدى محكمة الاستئناف في الدار البيضاء، بعد ظهر أمس الثلاثاء، إنه «بناء على البحث التمهيدي الذي أنجزته الشرطة القضائية، تقدمت النيابة العامة بملتمس لإجراء تحقيق في مواجهة السيد سليمان الريسوني، من أجل الاشتباه في ارتكابه جريمتي هتك عرض شخص باستعمال العنف والاحتجاز طبقاً للفصلين 485 و436 من القانون الجنائي».
وأوضح بن سامي في بلاغه أن قاضي التحقيق قرر، بعد إجراء الاستنطاق الابتدائي للمعني بالأمر، إيداعه رهن الاعتقال الاحتياطي، من أجل التحقيق في الأفعال المنسوبة إليه، وحدد تاريخ 11/06/2020 لمتابعة إجراءات التحقيق».
وقال المحامي بوزردة إن الريسوني أكد أنه لا يعرف الشخص المشتكي وقد يكون التقى به بشكل عابر بحكم عمله الصحافي في أحد الأيام لأنه يلتقي أشخاصاً كثرين، لكنه متشبث ببراءته.
وقال بوزردة أن الريسوني من الاصوات المزعجة في المغرب، وكانت جلسة تقديمه اليوم، والبحث التمهيدي لم يستخرج دليل إدانة سليمان، ما اضطر النيابة العامة لإجراء تحقيق بشكل استثنائي، لأنه غير الزامي في مثل هذه القضايا. واوضح ان عدم الوصول لدليل إدانة في البحث التمهيدي يمثل دفعة معنوية قوية للريسوني ولهيئة الدفاع، كما أنه بريء ولم يثبت في حقه أي جرم، وأن «الدفاع ومن خلال ما راج امامه اليوم يثق في براءة الريسوني».
وقال سعيد بنحماني، عضو هيئة الدفاع، إن ملف موكله يخلو من أية أدلة تتضمن عناصر التهمة، وأوضح عموماً ما دام الملف أحيل للتحقيق فأعتقد أنه لا توجد أدلة تتضمن عناصر التهمة كاملة، وبالتالي قاضي التحقيق هو الذي يمكنه الوقوف على هذا الإجراء.
ونفى أن يكون موكله قد اعتقل بسبب شكاية وضعت من طرف الشخص الذي يدعي تعرضه لهتك العرض، مؤكداً أنه لا توجد أي شكاية ضد الريسوني لدى النيابة العامة وأن تحريك الدعوى ضد موكله جاء بأمر من الوكيل العام للملك (النيابة العامة) بناء على تدوينة نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي رصدتها المصالح الأمنية المعلوماتية التابعة للمديرية العامة للأمن الوطني، من أجل فتح تحقيق في الادعاءات التي تضمنتها.
وأوضح بنحماني رداً على ادعاءات المشتكي بحيازته تسجيلات صوتية منسوبة للريسوني، تتضمن محاولة إقناعه بعدم تقديم الشكاية ضده، أن كل الادعاءات مضمنة في محاضر الاستماع لدى الضابطة القضائية، وبما أن الملف أُحيل على قاضي التحقيق من حق الدفاع الاطلاع عليه برمته، وبعدها سيتم الوقوف على جميع الإجراءات المتخذة خلال البحث التمهيدي بما فيها محاضر الاستماع والأدلة المرفقة.
وقالت صحيفة «أخبار اليوم» إن رئيس تحريرها كان عرضة للاستهداف بمقالات تشهير على عدد من المواقع، والتي رفعت وتيرة استهدافه خلال الايام الاخيرة، بشكل لم يثر الريسوني وحده، وإنما اثار الحقوقيين الوطنيين والدوليين، منهم منظمة مراسلون بلا حدود، والتي سارع كاتبها العام، كريستوف دولوار، لادانة ما وصفه بـ«حملة التشويه» التي يتعرض لها الريسوني، معلناً تضامنه معه، ومع تزايد المقالات المشهرة به تيقن بان موعد اعتقاله بات وشيكاً، خاصة وأن بعض المواقع نشرت موعد اعتقاله، وهددته بأنه سيقضي العيد في السجن.
وتساءلت الصحيفة عن كيفية تسريب شريط يوثق لخطة اعتقال الريسوني للمواقع المشهرة نفسها. كيف عرفوا توقيت اعتقاله؟! مع الإشارة إلى أن بعض هذه المواقع احتفى باعتقاله قبل أن يتم، بل ومنهم من ذكر موعده، وتوعد الريسوني بقضاء العيد في السجن.
وقالت «رغم أن إيمانه بأنه قد يعتقل كان راسخاً عنده منذ فترة، وهو ما تظهره محادثة له كانت قد جمعته قبل فترة بابنة أخيه الصحافية هاجر الريسوني» (ليس في يدي ما أفعل).
وربطت الأوساط الحقوقية والصحافية بين ما تعرض له الريسوني، من تشهير ومتابعة واعتقال، ومواقفه وكتاباته والمؤسسة التي يشتغل بها، والتطابق الكبير بين طريقة اعتقال الريسوني وطريقة اعتقال مؤسسها توفيق بوعشرين، حيث لم يتوصل الصحافيان باستدعاء، مما يثير مخاوفاً من ان ياخذ ملفه مسار قضية توفيق بوعشرين مؤسس الصحيفة نفسها .

تأسيس لجنة

وأعلن حقوقيون وسياسيون وإعلاميون تأسيس لجنة للتضامن مع الريسوني قالت في بيانها الأول إن الرأي العام الحقوقي والسياسي «تلقّى باستنكار شديد» حادث وطريقة الاعتقال في مخالفة صارخة لمقتضيات الفصل 23 من الدستور» كما تم «رصد عدد من الخروقات التي طالت الصحافي المعتقل، وعلى رأسها أن استدعاء أي مواطن من لدن الشرطة القضائية في إطار البحث التمهيدي لا يخوّل بأي حال من الأحوال لأي سلطة كانت إلقاء القبض عليه بدعوى المثول أمامها»، وأنه تبين بالرجوع إلى موضوع البحث التمهيدي أن الوكيل العام لجأ إلى فتح بحث تمهيدي بناء على تدوينة منشورة في الموقع الاجتماعي «فيسبوك» من لدن شخص بهوية غير حقيقية، ينسب فيها أفعالاً جرمية لشخص مجهول، ودون تحديد مكان وقوع تلك الأفعال الجرمية، مما يجعل اللجنة تتساءل عن الإجراء القانوني الذي سمح للوكيل العام لدى محكمة الاستئناف في الدارالبيضاء بالجزم بأنه هو المختص ترابياً بإجراء البحث التمهيدي المذكور».‎وعبرت اللجنة عن استغرابها كيف أن أحد المواقع الإلكترونية القريبة من السلطة تنبأ باعتقال الريسوني قبل بداية البحث التمهيدي المشمول بالسرية كما ينص القانون، بل وقبل انفجار القضية إعلامياً. والأدهى من ذلك أن الموقع المعني كان حاضراً ليشارك في تصوير عملية إلقاء القبض على الصحافي فأين هي الحدود بين بعض الإعلام وبعض الأمن؟
وأعلنت إدانتها لـ«انتهاك السلطات الحقوق الدستورية للصحافي المعتقل، وأداء النيابة العامة وأن ذلك جعلها تقتنع أن كتابات الصحافي سليمان الريسوني التي تصف السلطة بـ«الاستبداد» و«الفساد» بطريقة منتظمة، إضافة إلى انتقاده اللاذع مؤخراً لأداء المصالح الأمنية والنيابة العامة في إطار تدبير حالة الطوارئ الصحية، أحد الأسباب الكامنة وراء هذا الاعتقال الظالم، ووراء تحريك هذا البحث القضائي، وتدبيره بهذه الطريقة التي لا تحترم الضمانات الدستورية والقانونية.
وعبرت النقابة الوطنية للصحافة المغربية عن «متابعتها باهتمام وقلق بالغين» القرار القضائي القاضي بإيداع الصحافي الريسوني رهن الاعتقال وأنها تحرص على التريث في إعلان موقفها من هذا الاعتقال إلى حين استجماع ما يكفي من المعطيات التي تسمح بتكوين قناعة شاملة ووافية.وأكدت  التزامها بالحفاظ على حقوق جميع الأطراف في هذه القضية، وأن الأفعال المنسوبة للريسوني كانت، ولا تزال، في حاجة إلى مزيد من التحقيق والتحري الدقيقين، من منطلق أن الجهة المشتكية تنسب وقائع تعود إلى فترة ماضية، كما أن الزميل المعني يتوفر على جميع ضمانات الامتثال لمسطرة الخضوع للإجراءات القضائية المعمول بها في مثل هذه الحالات»، مطالبة باتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة لتصحيح هذا الوضع. ونددت «بقوة بحملة التشهير التي يتعرض لها أطراف هذه القضية، بما يتنافى مع مبادئ وأخلاقيات المهنة».
ووصفت جمعية «الحرية الآن» توقيف الريسوني بـ«الاعتقال التعسفي، الذي لم تحترم فيه الضمانات والشكليات القانونية الواجب احترامها»، وقالت إنه تم التعامل مع الصحافي بشكل تمييزي صارخ، و»هذا الاعتقال يمثل استمراراً للضغوطات الرهيبة والاعتقالات التي مست الجريدة المعروفة بافتتاحياتها القوية المنتقدة للسلطة».وأدانت «الحرية الآن» استمرار اعتقال الريسوني، دون سند قانوني حسب ما تقر بذلك القوانين الجاري بها العمل، وقالت إن عدداً من الفعاليات الوطنية والحقوقية أدانت هذا «الاعتقال التعسفي، وهي تستعد لتشكيل لجنة للتضامن مع الصحافي سليمان الريسوني، لمتابعة قضيته وتنوير الرأي العام بمستجداتها».
وعبرت الجمعية عن قلقها البالغ من هدر حقوق وحريات رئيس تحرير جريدة «أخبار اليوم»، داعية المنظمات الحقوقية والإعلامية المغربية والدولية للضغط من أجل إطلاق سراح الصحافي سليمان الريسوني ليعود لأسرته ولجريدته المهددة بالخنق.

جماعة العدل والإحسان

واعتبرت جماعة العدل والإحسان (أقوى الجماعات المغربية ذات المرجعية الإسلامية) تكييف متابعة الريسوني جنائياً، وتوجيه تهمة جنسية له «نهجاً مستهلكاً يُعمِّي عن الخلفيات الحقيقية للاعتقال»، وقالت على موقعها إن الخلفيات الحقيقية «متمثلة تحديداً في افتتاحيات الريسوني القوية المنتقدة لدوائر القرار السياسي ولمسالك التدبير الاقتصادي والاجتماعي»، فضلاً عن إدارته التحريرية ليومية «أخبار اليوم» التي لا يُرضي خط تحريرها جهات عليا في السلطة. وأكدت أن طبيعة التهم تثير «الانتباه، والريبة أيضاً، تجاه هذه الآلية والمنهج الذي تتعاطى من خلاله السلطة مع مواطنين مغاربة أصحاب رأي مخالف لتوجهات الدولة»، مشيرة إلى أن ه‍ذه الآلية هي «الاتهامات الجنسية» على اختلاف ضروبها.
وأشارت إلى أن الطريقة نفسها حاولت بها السلطة «الاغتيال المعنوي لمدير الجريدة ذاتها السابق، «أخبار اليوم»، توفيق بوعشرين، والصحافية في اليومية نفسها هاجر الريسوني، كما رأى مراقبون وحقوقيون»، فضلاً عن، تضيف الجماعة: «أسماء وفاعلين آخرين في مجال الإعلام وميادين الحقوق والسياسة والنضال» ووجود «تهم راقدة» أخرى تتحرك كلما احتاجتها السلطة لإسكات «الأصوات المزعجة».
وقال عزيز غالي، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، في تصريح لقناة فرانس 24، إن متابعة الريسوني محاولة جديدة لإقبار صحيفة «اخبار اليوم»، مذكراً بحملة التشهير القوية التي استهدفته، والتي استهدفت صحافيين اخرين داخل الجريدة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: