الجزائر.. مقترح لـ”تجريم” الفرنسية يحيي جرح تهميش العربية

دعوة أكبر حزب إسلامي في الجزائر إلى تجريم استخدام الفرنسية بالمؤسسات والوثائق الرسمية، أعادت للواجهة قضية تهميش اللغة العربية الرسمية، وجدل الهوية بالمجتمع.

مقترح حركة” مجتمع السلم” يطالب بتجريم اللغة الفرنسية مقابل تعميم العربية، للتخلص نهائياً من التبعية الثقافية والسياسية لفرنسا

مقترح تقدمت به حركة “مجتمع السلم” لتضمينها ضمن التعديل الدستوري المقبل، واعتبر مؤيدوه أن “تجريم اللغة الفرنسية مقابل تعميم اللغة العربية في المؤسسات والوثائق الرسمية”، خلاصا نهائيا من التبعية الثقافية والسياسية لفرنسا بصفتها المستعمر القديم.
بينما رأى آخرون في الدعوة استهدافا للنخبة الفرانكفونية (الناطقة بالفرنسية) في البلاد، منتقدين طرح رئيس الحركة عبد الرزاق مقري الذي درس الطب باللغة الفرنسية ويحمل “أفكارا مستوردة”.
والثلاثاء، دعت الحركة إلى إدراج بند في الدستور يجرم استعمال اللغة الفرنسية في المؤسسات والوثائق الرسمية على حساب اللغة العربية.
وشددت، في بيان عقب اجتماع مكتبها التنفيذي، على ضرورة “تجريم استعمال الفرنسية كلغة تداول في المؤسسات الرسمية، وكلغة تعامل في الوثائق الرسمية”.
واعتبرت الحركة اللغتين العربية والأمازيغية “شقيقتين تنتميان عبر قرون من الزمن إلى بعد حضاري واحد في ديباجة الدستور”.
وينص التعديل الدستوري المطروح للنقاش حاليا على أن اللغة العربية هي اللغة الوطنية والرسمية الأولى، كما أن اللغة الأمازيغية لغة رسمية ة ثانية.

 الأمازيغية شقيقة وليست “ضرة”

الكثير من المعلقين على مقترح حركة “مجتمع السلم” اعتبروا أنه تصويب للنقاش المفتعل بين اللغتين الرسميتين العربية والأمازيغية، لأن “حقيقة الصراع هي الدفاع عن الفرنسية”، على حد قولهم.
وقال الأستاذ الجامعي سعيد يحياوي، عبر صفحته على “فيسبوك”، إن “تصريحات مقري بشأن تجريم الفرنسية أعادت نقاش الهوية إلى حقيقته”.
وأضاف أن “لغة بلد مستقل في مواجهة أذناب مستعمر يفرضون سيطرة لغته ويحمون مصالحه.. تمازيغت (الأمازيغية) ليست ضرة العربية”.
وكتب الإعلامي الجزائري المقيم بقطر أبوطالب شبوب، يقول إن الجزائر تعيش وضعا غير طبيعي لأنها “بلاد فيها لغتين رسميتين (العربية والأمازيغية) ولكن وثائقها الأساسية وكثير من مراسلاتها الرسمية تمت كتابتها بغير اللغتين الرسميتين (الفرنسية)”.
الكاتب المغربي محمد سيفاوي، المقيم بفرنسا، هاجم في مقال مطول رئيس الحركة عبد الرزاق مقري، معتبرا أنه “يريد شيطنة الفرنسية والفرانكفونيين الجزائريين”.
وقال سيفاوي في تدوينة عبر فيسبوك: “ولدت في الجزائر، واللغة الفرنسية هي لغتي الأصلية الوحيدة الحقيقية، أقولها وأكررها وأفتخر بها”.
وأضاف: “المساس بالفرنسية هي مساس بهوية الكثير من الجزائريين”.
فيما اتخذت ردود فعل أخرى بعدا ايديولوجيا، حيث اعتبر أحد المدونين على موقع “فيسبوك” أن تجريم الفرنسية تنم “عن الفكر الإسلامي المتطرف”.

رئيس حركة “مجتمع السلم”:  الانتقادات التي طالتني بعد مقترح الحزب بشأن تجريم الفرنسية صادرة عن “أبناء فرنسا”

وفي سلسلة تغريدات، اعتبر رئيس حركة “مجتمع السلم”، أن الانتقادات التي طالته بعد مقترح حزبه بشأن تجريم الفرنسية صادرة عن “أبناء فرنسا”، وأنها بينت أن “الضرة الحقيقية للغة العربية ليست الأمازيغية وإنما الفرنسية”.
وكتب مقري على صفحته بـ”تويتر”: “بيان الحركة الأخير أرجع المعركة إلى نصابها وحقيقتها. أولاد (أبناء) فرنسا شعروا بالألم بخصوص تجريم استعمال اللغة الفرنسية في المؤسسات والوثائق الرسمية، لأن قضيتهم الحقيقية هي الدفاع عن الفرنسية وعن المصالح الفرنسية”.
وقال: “الضرة الحقيقية التي تزاحم العربية هي الفرنسية، هم يستعملون صراعاتنا ليمكنوا للفرنسية والثقافة الفرنسية والمصالح الفرنسية، هم لوبيات تشتغل لصالح دولة أجنبية، وليس لشيء آخر”.
والجزائر هي إحدى أكبر الدول الناطقة بالفرنسية، إذ أفاد “مرصد اللغة الفرنسية”، التابع للمنظمة الدولية للفرانكوفونية، العام الماضي، بأن عدد المتحدثين بالفرنسية في العالم بلغ 300 مليون، بينهم 13 مليونًا و800 ألف جزائري، أي ثلث مواطني البلد العربي البالغ عدد سكانه قرابة 42 مليون نسمة.
وعادة ما تشهد الجزائر جدلًا بشأن مكانة الفرنسية في الأوساط الرسمية بالدرجة الأولى، حيث يحتج معارضون، وخاصة من المحافظين والإسلاميين، على خطابات رسمية بالفرنسية، وكذا تداول وثائق في الإدارات الحكومية بهذه اللغة الأجنبية.

الجدال يدور وسط أزمة صامتة بين الجزائر وفرنسا

وتعرف العلاقات الجزائرية الفرنسية توترا غير مسبوق، منذ العام الماضي، تجلى بشكل واضح في استدعاء الخارجية الجزائرية السفير الفرنسي في البلاد عدة مرات في الأسابيع الماضية، لتبليغه احتجاجات بشأن عدة ملفات.
وأعلنت الحكومة الجزائرية، قبل أيام، دعمها للانفتاح على اللغات الأجنبية خاصة الانجليزية والصينية.
يذكر أن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، تعمل منذ قرابة سنة على إرساء تعميم التدريس باللغة الإنجليزية وإدراجها في ملخصات الدراسات العلمية كأول مرحلة أولى.
ويقول خبراء ومؤرخون إن انتشار اللغة الفرنسية في الجزائر يعود إلى فرضها خلال الحقبة الاستعمارية بين عامي 1830 و1962 ومحاربة الاحتلال الفرنسي للغة العربية، فضلًا عن تأخر تطبيق قوانين لتعريب الإدارة والتعليم بعد الاستقلال.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: